17 ابريل 2016
فاريناز... لو لم تكن في مهاباد
لا داعش، ولا الحوثيون. لا سورية ولا العراق، ولا اليمن. ما ألهب مشاعر العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الجاري، كانت فاريناز. الفتاة الكردية الإيرانية التي انتحرت من الفندق الذي كانت تعمل فيه، بعد أن صمّت السلطات المحلّية آذانها عن اتّهامها رجل شرطة باغتصابها. اشتعلت مهاباد، في كردستان إيران. احتجاجاتٌ ومواجهاتٌ مع الشرطة، والأحزاب السياسية الكردية تتوعّد بأن التظاهرات لن تتوقّف، فقصة فاريناز بالنسبة لأكراد إيران ليست مسألة شرف فتاة، بل مسألة سياسة ممنهجة من السلطات الإيرانية بغض البصر عن أي انتهاكاتٍ بحقهم. وبالنسبة لنساء إيران، فاريناز تكرار لقصة ريحانة، الفتاة التي حُكم عليها بالإعدام، لأنّها قتلت رجل شرطة اغتصبها، بعد أن فقدت الأمل من أن ينصفها القضاء.
بالنسبة لنا، نحن العرب، ففاريناز هي بوعزيزي إيران، هي بداية سقوط طهران، هي ثأرنا من فيلق القدس في سورية، هي العدالة الإلهية، تردّ على الأجندة الإيرانية في العراق، هي قنبلة ذرّية في جوف التمدّد الإيراني، هي الشوكة التي ستقصم ظهر الهلال الشيعي. هكذا على الأقلّ بدت فاريناز لأغلب الناشطين العرب على "الإنترنت".
لكن، ماذا لو لم تكن فاريناز في إيران؟ ماذا لو كانت في أي بلدٍ عربي. ماذا لو كانت مثلاً إيزيدية في العراق، آشورية في سورية، درزية في لبنان؟ ماذا لو كانت قبطية في مصر، أمازيغية في ليبيا، أو حتّى مسلمة في أيٍّ من بلداننا ذات الغالبية المسلمة؟ هل كنّا لنشهد هذه الحماسة لرفع صور فاريناز "سافرة متبرّجة"؟ هل كنّا أجمعنا، كما نجمع اليوم، على جعلها بطلة، رمزاً لثورة؟
لو كانت فاريناز في مصر، مثلاً، لخرجت علينا الطبيبة الشرعية الموقّرة التي تشرح لطلاب الطب الشرعي أن أوّل ما يجب فعله عندما تأتي فتاةٌ إلى مقر الشرطة للتبليغ عن حالة اغتصاب، أوّل ما يجب أن يقوم به الطبيب، ليس فحصها، وليس تهدئتها، وإنما تفحّص ملابسها. هل هي فاضحة أم محتشمة؟ يليها تفحّص المظهر بشكل عام، هل هي متبرّجة أم لا؟ هل تضع أحمر الشفاه فاقع اللون؟ ثالثاً، يجب سؤالها أين كانت حين اغتصبت، وأي ساعة، "فالبنت المحترمة لا تمشي في مناطق مشبوهة في ساعاتٍ متأخرة"، تؤكّد الطبيبة متناسية حاجة ملايين النساء للعمل، الشريف، وساعاته المتقلّبة. رابعاً، نطلب من الفتاة تكرار رواية الحادثة، لعلّنا نجد ما يؤكّد مسؤوليتها وبراءة مغتصبها. وخامساً وأخيراً، بعد كل هذه التحقيقات مع الضحية كمتّهمة، بعد استنفاد كل سبل التشكيك، يعود الطبيب الشرعي إلى وظيفته طبيباً، ويكشف طبياً على الفتاة.
لا أتجنّى على هذه الطبيبة في مصر، فالدرس هذا موثٌّق بالصوت والصورة في وثائقي للتلفزيون الفرنسي، شرحت فيه الطبيبة الشرعية للصحافية أن أغلب الفتيات اللواتي يتعرّضن للاغتصاب يستحقنّ الاغتصاب، وأن جزءا منهنّ يردن التبليغ عنه للتنصّل من مسؤوليتّهن في فقدان عذريتهنّ.
لو استشرنا هذه الطبيبة التي تدرّس أجيالاً مقبلة من الأطباء الشرعيين، لو استشرناها في قضية فاريناز، لتفحّصت الصورة التي رفعناها نهاية الأسبوع بدقّة، ولنبّهتنا بظرف ثوانٍ قليلة إلى أن فاريناز مكتنزة الشفتين، وتضع عليها أحمر شفاه أحمر فاقع اللون. يا للعار. ثم لانتقلت إلى كحل العينين الحاد، فبالنسبة لها، يصعب أن تكون امرأة ضحية عندما تكحّل عينيها بكثافة. ثالثاً، ستنتقل حتماً إلى لباس فاريناز الذي يظهر فتحة عند الصدر. ورابعاً، سيستوقفها مكان عمل فاريناز. الفندق! هل البنت المحترمة تعمل في فندق؟ وخامساً، انتحار فاريناز سيكون دليلها على أن الفتاة غير مؤمنة بالله الذي يحرّم الانتحار. لو كانت فاريناز أمام هذه الطبيبة، لكانت الطبيبة نهرتها وشتمتها، ولربّما هدّدتها برفع قضية ضدها لتشويه سمعة رجل الشرطة "المحترم".
لا تقتصر القصة على مصر، ولا على هذه الطبيبة الشرعية. ضعوا قصة فاريناز على أي فتاة في مجتمعاتنا العربية، استرجعوا قصص الاغتصاب التي خرجت علناً، وراجعوا تعليقاتكم أنتم، قبل غيركم. أؤكد أنّ قلةً قليلة فقط اصطفّت إلى جانب الفتاة. والأغلبية انهالت عليها بالشتائم، واستعاذت بالله من نساء هذا الزمن.
لا أكتب لأبيّض صفحة إيران في قصة فاريناز، على العكس. حان الوقت للجمهورية الإسلامية أن تحاسب قوات أمنها، قبل محاسبتها الآخرين، وحان الوقت لتستمع لشكاوى نسائها، وتكفّ عن الإعدامات أحكاماً للترهيب، وقد حان الوقت لأكراد إيران أن ينتفضوا ضد سياسات التهميش في حقّهم. وقد حان الوقت لمن كوتهم نار إيران في سورية والعراق أن يشعروا بنوعٍ من الثأر.
لكنّني أكتب لأتمنّى أن تتذكّروا وقفتكم مع فاريناز الكردية في مهاباد إيران، عندما تُغتصب واحدة من بناتنا. أكتب لأتمنّى أن تترفّعوا عن أحكامكم المسبقة على نسائنا، كما ترفّعتم أمام فاريناز. وأكتب لأتمنّى أن تغضّوا البصر، وتفتحوا قلوبكم وتستمعوا لقصص مئات آلاف الضحايا، يمشون بيننا كلّ يوم، نرهقهم بأحكامنا عليهم، بوصماتنا لهم بالخزي والعار، يشعرون باتّهاماتنا لهنّ، حتّى وإن آثروا الصمت.
لكن، ماذا لو لم تكن فاريناز في إيران؟ ماذا لو كانت في أي بلدٍ عربي. ماذا لو كانت مثلاً إيزيدية في العراق، آشورية في سورية، درزية في لبنان؟ ماذا لو كانت قبطية في مصر، أمازيغية في ليبيا، أو حتّى مسلمة في أيٍّ من بلداننا ذات الغالبية المسلمة؟ هل كنّا لنشهد هذه الحماسة لرفع صور فاريناز "سافرة متبرّجة"؟ هل كنّا أجمعنا، كما نجمع اليوم، على جعلها بطلة، رمزاً لثورة؟
لا أتجنّى على هذه الطبيبة في مصر، فالدرس هذا موثٌّق بالصوت والصورة في وثائقي للتلفزيون الفرنسي، شرحت فيه الطبيبة الشرعية للصحافية أن أغلب الفتيات اللواتي يتعرّضن للاغتصاب يستحقنّ الاغتصاب، وأن جزءا منهنّ يردن التبليغ عنه للتنصّل من مسؤوليتّهن في فقدان عذريتهنّ.
لو استشرنا هذه الطبيبة التي تدرّس أجيالاً مقبلة من الأطباء الشرعيين، لو استشرناها في قضية فاريناز، لتفحّصت الصورة التي رفعناها نهاية الأسبوع بدقّة، ولنبّهتنا بظرف ثوانٍ قليلة إلى أن فاريناز مكتنزة الشفتين، وتضع عليها أحمر شفاه أحمر فاقع اللون. يا للعار. ثم لانتقلت إلى كحل العينين الحاد، فبالنسبة لها، يصعب أن تكون امرأة ضحية عندما تكحّل عينيها بكثافة. ثالثاً، ستنتقل حتماً إلى لباس فاريناز الذي يظهر فتحة عند الصدر. ورابعاً، سيستوقفها مكان عمل فاريناز. الفندق! هل البنت المحترمة تعمل في فندق؟ وخامساً، انتحار فاريناز سيكون دليلها على أن الفتاة غير مؤمنة بالله الذي يحرّم الانتحار. لو كانت فاريناز أمام هذه الطبيبة، لكانت الطبيبة نهرتها وشتمتها، ولربّما هدّدتها برفع قضية ضدها لتشويه سمعة رجل الشرطة "المحترم".
لا تقتصر القصة على مصر، ولا على هذه الطبيبة الشرعية. ضعوا قصة فاريناز على أي فتاة في مجتمعاتنا العربية، استرجعوا قصص الاغتصاب التي خرجت علناً، وراجعوا تعليقاتكم أنتم، قبل غيركم. أؤكد أنّ قلةً قليلة فقط اصطفّت إلى جانب الفتاة. والأغلبية انهالت عليها بالشتائم، واستعاذت بالله من نساء هذا الزمن.
لا أكتب لأبيّض صفحة إيران في قصة فاريناز، على العكس. حان الوقت للجمهورية الإسلامية أن تحاسب قوات أمنها، قبل محاسبتها الآخرين، وحان الوقت لتستمع لشكاوى نسائها، وتكفّ عن الإعدامات أحكاماً للترهيب، وقد حان الوقت لأكراد إيران أن ينتفضوا ضد سياسات التهميش في حقّهم. وقد حان الوقت لمن كوتهم نار إيران في سورية والعراق أن يشعروا بنوعٍ من الثأر.
لكنّني أكتب لأتمنّى أن تتذكّروا وقفتكم مع فاريناز الكردية في مهاباد إيران، عندما تُغتصب واحدة من بناتنا. أكتب لأتمنّى أن تترفّعوا عن أحكامكم المسبقة على نسائنا، كما ترفّعتم أمام فاريناز. وأكتب لأتمنّى أن تغضّوا البصر، وتفتحوا قلوبكم وتستمعوا لقصص مئات آلاف الضحايا، يمشون بيننا كلّ يوم، نرهقهم بأحكامنا عليهم، بوصماتنا لهم بالخزي والعار، يشعرون باتّهاماتنا لهنّ، حتّى وإن آثروا الصمت.