04 نوفمبر 2024
فجوة مجتمعية في أوروبا
تكشفت التباينات بين الدول الأوروبية بشأن كيفية التعامل مع موجات الهجرة غير الشرعية وحماية الحدود الأوروبية من التدفقات البشرية الوافدة. ليس الخلاف داخل القارة العجوز على مبدأ منع الهجرة غير الشرعية والحد من تدفق اللاجئين، ولا على أهمية تأمين الحدود الأوروبية، وإنما حول ترتيب الأولويات، بعد أن لم تعد قضية الهجرة عاجلة ولا مُلحة. الدول الأوروبية متفقة على ضرورة الحد من الهجرة، لكن بعضها يتحفّظ على خطط تنفيذ هذا الموقف المتفق عليه، وطريقة توزيع الموارد الأوروبية بشكلٍ متوازنٍ بين التحديات الماثلة والأهداف المرجوّة.
في العام الماضي، تدارس وزراء الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي فكرة تسيير وحدات بحرية لمواجهة عمليات تسلل المهاجرين عبر البحر المتوسط. وكان جلياً أن الفكرة موءودة مسبقاً، لصعوبة تنفيذها والتنسيق بشأنها. وبعد عام من السجال، بادر مسؤولون أوروبيون إلى التفكير في اقتراحاتٍ أخرى غير واقعية، فقد دعا رئيس المفوضية الأوروبية، جان يونكر، إلى تشكيل قوة أمنية تضم عشرة آلاف فرد، مهمتها حماية الحدود الأوروبية من تسلل المهاجرين. تكمن إشكالية ذلك التوجه لدى بعض الأوروبيين، فيما ينطوي عليه من "أمننة" و"تغافل". الأمننة في اعتماد الاقتراب الأمني التقليدي في التعاطي مع ظاهرة سياسية اقتصادية، ومن ثم اجتماعية، أكثر منها أمنية بالمعنى السطحي للأمن. أما التغافل، فلأن الحلول الأمنية في مواجهة ظاهرة اللجوء والهجرة فشلت على المستويات الوطنية لكل دولة. وليس من المتصور بحال أن تنجح الحلول نفسها بالمنطق نفسه على المستوى الأوروبي الجماعي، خصوصاً في ظل صعوبة، بل استحالة، تأمين قوات وموارد يمكنها تحقيق غاية وقف الهجرة والاختراقات على الخطوط الأمامية لأوروبا، خصوصاً على الشواطئ الشمالية للمتوسط.
إضافة إلى هذه المعضلات التي تواجه تلك الأفكار المكرورة، نشبت مجدّداً خلافاتٌ بين الدول الأوروبية بشأن التعاطي مع الهجرة، مقارنة بالقضايا الأخرى التي تهم بعض الدول الأوروبية، خصوصاً الفقيرة منها.
المفارقة التي يحملها ذلك السجال الأوروبي أن بعض الدول التي تجد نفسها مطالَبة بتحمّل مسؤوليات المشاركة في معالجة قضية اللاجئين والهجرة، باعتبارها قضية أوروبية عامة تتجاوز الحدود الوطنية، مثل دول وسط أوروبا وشرقها، لا تعاني فعلياً من تلك القضية بشكل كبير، مقارنة بدول أخرى هي الغاية النهائية لمعظم المهاجرين، وهي، بصفة خاصة، فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وفي المقابل، فإن لدى المجموعة الأولى التي تُعد "دول عبور" للمهاجرين من المشكلات الداخلية ما يدفع إلى التحفظ، وربما الاستياء مما تعتبره سوء تقدير للأولويات الأوروبية. حيث توجد لديها أزمات اجتماعية وتدهور في الأوضاع الحياتية لمجتمعاتها المحلية. وهو ما تتجاهله الدول المتقدمة، أو على الأقل لا تعتبره تحدّياً خطيراً مقارنةً بالتهديد الناجم عن الهجرة واللجوء.
ما لا يدركه الأوروبيون المختلفون أن الإشكال الناشب بينهم أخلاقي فكري، وليس أمنيا أو تنمويا. الجزء المتقدم الغني من أوروبا، يعتبر تغير التركيبة الديمغرافية، ودخول أصول عرقية شرق أوسطية إلى النسيج العرقي لديهم، تهديداً وجودياً خطيراً.
بينما تتحول تلك النظرة لدى الدول الفقيرة ومتوسطة الحال في أوروبا، من العنصرية تجاه المهاجرين إلى استشعار العنصرية والتعالي من أوروبا المتقدمة. فيما يشبه التوازي أو ربما التماثل بين المهاجرين من خارج أوروبا الهاربين من الفقر والحروب، وأولئك الأوروبيين الفقراء المحسوبين على القارة العجوز، لكنهم متأخرون عن شقها الغربي بمراحل في شتى المجالات.
ربما يتوصل الأوروبيون إلى توافق بشأن التعامل مع قضية الهجرة، سواء بقوات أمنية جديدة، أو بأساليب أخرى. لكن الخلاف بشأن المقاربة المناسبة لمعالجة قضية الهجرة واللجوء كشف عن فجوة مجتمعية داخل النطاق الأوروبي، لا تختلف كثيراً عن الفجوة بين مجتمعات المهاجرين والمجتمعات المستقبِلة لهم. وهي قابلة للتفاقم والاتساع، إذا ظلت أوروبا منشغلةً بقضية المهاجرين من خارجها عن تجسير الفجوة الداخلية بين مجتمعاتها.
في العام الماضي، تدارس وزراء الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي فكرة تسيير وحدات بحرية لمواجهة عمليات تسلل المهاجرين عبر البحر المتوسط. وكان جلياً أن الفكرة موءودة مسبقاً، لصعوبة تنفيذها والتنسيق بشأنها. وبعد عام من السجال، بادر مسؤولون أوروبيون إلى التفكير في اقتراحاتٍ أخرى غير واقعية، فقد دعا رئيس المفوضية الأوروبية، جان يونكر، إلى تشكيل قوة أمنية تضم عشرة آلاف فرد، مهمتها حماية الحدود الأوروبية من تسلل المهاجرين. تكمن إشكالية ذلك التوجه لدى بعض الأوروبيين، فيما ينطوي عليه من "أمننة" و"تغافل". الأمننة في اعتماد الاقتراب الأمني التقليدي في التعاطي مع ظاهرة سياسية اقتصادية، ومن ثم اجتماعية، أكثر منها أمنية بالمعنى السطحي للأمن. أما التغافل، فلأن الحلول الأمنية في مواجهة ظاهرة اللجوء والهجرة فشلت على المستويات الوطنية لكل دولة. وليس من المتصور بحال أن تنجح الحلول نفسها بالمنطق نفسه على المستوى الأوروبي الجماعي، خصوصاً في ظل صعوبة، بل استحالة، تأمين قوات وموارد يمكنها تحقيق غاية وقف الهجرة والاختراقات على الخطوط الأمامية لأوروبا، خصوصاً على الشواطئ الشمالية للمتوسط.
إضافة إلى هذه المعضلات التي تواجه تلك الأفكار المكرورة، نشبت مجدّداً خلافاتٌ بين الدول الأوروبية بشأن التعاطي مع الهجرة، مقارنة بالقضايا الأخرى التي تهم بعض الدول الأوروبية، خصوصاً الفقيرة منها.
المفارقة التي يحملها ذلك السجال الأوروبي أن بعض الدول التي تجد نفسها مطالَبة بتحمّل مسؤوليات المشاركة في معالجة قضية اللاجئين والهجرة، باعتبارها قضية أوروبية عامة تتجاوز الحدود الوطنية، مثل دول وسط أوروبا وشرقها، لا تعاني فعلياً من تلك القضية بشكل كبير، مقارنة بدول أخرى هي الغاية النهائية لمعظم المهاجرين، وهي، بصفة خاصة، فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وفي المقابل، فإن لدى المجموعة الأولى التي تُعد "دول عبور" للمهاجرين من المشكلات الداخلية ما يدفع إلى التحفظ، وربما الاستياء مما تعتبره سوء تقدير للأولويات الأوروبية. حيث توجد لديها أزمات اجتماعية وتدهور في الأوضاع الحياتية لمجتمعاتها المحلية. وهو ما تتجاهله الدول المتقدمة، أو على الأقل لا تعتبره تحدّياً خطيراً مقارنةً بالتهديد الناجم عن الهجرة واللجوء.
ما لا يدركه الأوروبيون المختلفون أن الإشكال الناشب بينهم أخلاقي فكري، وليس أمنيا أو تنمويا. الجزء المتقدم الغني من أوروبا، يعتبر تغير التركيبة الديمغرافية، ودخول أصول عرقية شرق أوسطية إلى النسيج العرقي لديهم، تهديداً وجودياً خطيراً.
بينما تتحول تلك النظرة لدى الدول الفقيرة ومتوسطة الحال في أوروبا، من العنصرية تجاه المهاجرين إلى استشعار العنصرية والتعالي من أوروبا المتقدمة. فيما يشبه التوازي أو ربما التماثل بين المهاجرين من خارج أوروبا الهاربين من الفقر والحروب، وأولئك الأوروبيين الفقراء المحسوبين على القارة العجوز، لكنهم متأخرون عن شقها الغربي بمراحل في شتى المجالات.
ربما يتوصل الأوروبيون إلى توافق بشأن التعامل مع قضية الهجرة، سواء بقوات أمنية جديدة، أو بأساليب أخرى. لكن الخلاف بشأن المقاربة المناسبة لمعالجة قضية الهجرة واللجوء كشف عن فجوة مجتمعية داخل النطاق الأوروبي، لا تختلف كثيراً عن الفجوة بين مجتمعات المهاجرين والمجتمعات المستقبِلة لهم. وهي قابلة للتفاقم والاتساع، إذا ظلت أوروبا منشغلةً بقضية المهاجرين من خارجها عن تجسير الفجوة الداخلية بين مجتمعاتها.