خلال السنوات الماضية، عانى الليبيون كثيراً من جراء الحروب. واليوم، يأتي عيد الأضحى وسط الكثير من الظروف الصعبة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، إضافة إلى تداعيات الحرب وفيروس كورونا، فلن يكون الفرح ممكناً
لم تعرف ليبيا الراحة خلال السنوات الماضية. وما زالت انعكاسات الحرب والفوضى الأمنية التي تعيشها منذ تسع سنوات تساهم في تغييب مظاهر فرحة عيد الأضحى بين المواطنين. إضافة إلى الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار، فإن ظروفا كثيرة تجعل المناسبات التي تسعد الناس غير ذات أولوية.
وعرض مئات التجّار بضائعهم المتعلقة بالعيد كالأضاحي ولوازمها على الطرقات سواء في طرابلس أو بنغازي، كبرى مدن البلاد. إلا أن الإقبال عليها كان ضعيفاً جداً، بحسب التاجر مجدي خشيبة.
من جهتها، تقول نادية س.، وهي مواطنة من الفرناج في طرابلس، إنّ إقامة الأسواق مخالفة للإجراءات الوقائية المتعلقة بانتشار وباء كورونا، مؤكدة أنها لن تتسوّق أو تشتري أضحية العيد لهذا العام. وعلى الرغم من أن انتشار الفيروس لا علاقة له باللحوم والأضاحي، إلا أنها باتت تخشى كل شيء. لكنّها تخشى تحديداً الاختلاط في هذه الأسواق.
وعلى الرغم من منع حكومتي طرابلس وطبرق إقامة الأسواق الشعبية في قراراتها الخاصة بالإجراءات الاحترازية لتفشي الوباء، إلا أنها لم تمنع إقامة أسواق الأغنام المنتشرة بشكل واسع بين الأحياء وعلى الطرقات الرئيسية والفرعية، خصوصاً في أكبر مدينتين.
أما بشير أبوراس، وهو مواطن من مدينة مسلاتة غرب طرابلس، فإنّه يتحدث عن جانب آخر يتعلق بظروف أسرته التي لا تبدو قادرة على توفير احتياجاتها الأساسية. ويقول: "سعر الأضحية لهذا العام زاد بمعدل الضعفين بالمقارنة مع العام الماضي"، مؤكداً أن أسرته ستكتفي بشراء لحوم للشواء أول أيام العيد حتى لا تغيب الفرحة نهائياً عنها. الأمر الذي يؤكده خشيبة. فقد بلغ سعر الأضحية لهذا العام 1500 دينار في مقابل 500 دينار العام الماضي.
وعلى الرغم من غياب السيولة النقدية في المصارف، إلا أن تجار الأضاحي علقوا لوحات تشير إلى قبولهم بيع الأضاحي بواسطة البطاقات المصرفية. إلا أن أبوراس لا يرى المشكلة في عدم توفر السيولة النقدية فقط، بل عدم حصولهم على رواتبهم المتأخرة بسبب الخلافات القائمة بين وزارة المالية في حكومة الوفاق الوطني والبنك المركزي.
من جهة أخرى، يقول عبد الرؤوف المعمري، النازح من حي الزطارنة في طرابلس، إنه فقد منزله بسبب الحرب ولم يعد صالحاً للسكن. ويشير إلى أن "فترة نزوحي كانت طويلة. لذلك، قررت التشارك وبعض الناس في شراء أضحية مشتركة ليوم العيد". ويقول: "أعرف أن الجمعيات الخيرية يمكن أن توفر لي أضحية. لكننا نازحون، فأين نضحي وكيف ستفرح أسرنا؟".
وفي بنغازي، يتحدث الناشط المدني عقيلة الأطرش، المهجر من بنغازي، عن حزن تعيشه مئات العائلات التي ما زالت تأمل عودة أبنائها المفقودين خلال حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وعلى الرغم من أهمية الأضاحي كونها جزءاً من الأعراف والتقاليد، يشير إلى أنها ستكون هذا العام بمثابة محاولة خجولة للفرح، في ظل قناعة الأسر بأن أبناءها ليسوا في عداد المفقودين، وأن المقابر الجماعية تحوي رفاتهم.
من جهة أخرى، يشير إلى أن نقص السيولة وغياب الكهرباء لأكثر من 15 ساعة يومياً، ونقص الوقود والنزوح، كلّها عوامل أثرت على فرحة الليبيين، وجعلت تلك المناسبات الأساسية في حياة الليبيين على الهامش.
وتأمل نادية أن تنتهي الأحزان في بلادها بعدما فقدت عائلات كثيرة أبناءها أو آباءها أو أقرباءها. صحيح أن حرب طرابلس انتهت قبل وقت قريب، إلا أن تداعياتها ما زالت مستمرة. تضيف أن كثيرين يحتاجون إلى وقت طويل حتى يتمكنوا من التصالح مع الأوجاع التي خلفتها.
وفي حيّ الشيخ في مدينة زليتن، قرّر الأهالي عدم الالتزام بقرارات الحكومة وفتح مسجد الشيخ، أكبر مساجد المدينة لصلاة العيد. يقول أحد سكان الحي مختار العاتي: "على الرغم من كل آلام الحرب والفقدان وظروفنا المالية الصعبة وانقطاع الكهرباء والوقود وعدم توفر الأموال في المصارف، إلا أننا قررنا إدخال البهجة إلى قلوب الناس". ويشير إلى أن "فرح العيد في اليومين الأول والثاني من أجمل الأيام التي نعيشها".
وعادة ما يُقام في المدينة حفل سنوي ثاني أيام العيد. ويرى العاتي أن فتح المسجد والمحافظة على المناسبة يساهمان في إدخال الفرح إلى قلوب الناس في هذه الظروف، وهو ما تعارضه نادية التي تشدد على ضرورة أن يكون الناس أكثر وعياً، ويتجنبوا التجمعات الكبيرة لمنع تفشي وباء كورونا.