06 نوفمبر 2024
فرص تفاهم ثلاثي حول سورية
ما إن عاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من زيارة إلى روسيا، احتل الملف السوري حيزاً مهماً من نقاشاتها، حتى وصل وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إلى أنقرة، لمناقشة الموضوع نفسه، وقد بات مرجحاً أن يزور أردوغان طهران قريباً.
أثارت اللقاءات الروسية –التركية – الإيرانية تكهناتٍ حول محاولة الأطراف الثلاثة التوصل إلى تفاهماتٍ بشأن سورية بعيداً عن واشنطن، بناءً على معطيين: الأول، أن المسألة السورية شأن إقليمي، على دول المنطقة أن تحلها بعيداً عن أية تدخلاتٍ خارجية (روسيا باتت تعتبر نفسها من دول المنطقة!). والثاني، يستند إلى افتراض أن الأطراف الثلاثة توصلت، بعد خمس سنوات من الصراع على سورية، إلى قناعةٍ باستحالة انتصار طرفٍ على آخر، خصوصاً بعد أن تمكّنت قوات المعارضة، بدعم تركي كبير، من كسر الحصار الروسي-الإيراني عن حلب، من جهتها الجنوبية الغربية.
لكن واقع الحال يقول إن التوتر مع واشنطن، وليس الإحساس بالحاجة إلى التوصل إلى حل للصراع في سورية، هو الدافع الرئيسي للتقارب الراهن بين الأطراف الثلاثة. روسيا مستاءة بسبب اختطاف الغرب أوكرانيا منها، وحرمانها من حلم إنشاء الاتحاد الأوراسي، الذي غدا آسيوياً أكثر بعد خسارة أوكرانيا. تركيا غاضبةٌ بسبب اتخاذ واشنطن الأكراد حلفاء في سورية، ثم بسبب موقفها "المائع" من المحاولة الانقلابية أخيراً، أما إيران فما عادت قادرةً على "مداراة" خيبة أملها في نتائج الاتفاق النووي، بعد أن تبين أن مسيرة رفع العقوبات لن تكون سهلةً أو قصيرة.
مع ذلك، وباعتبار أن الغضب على واشنطن هو الدافع الرئيسي للتقارب الجاري، وباعتبار أن الخلاف حول سورية كان السبب الرئيسي في القطيعة، يصبح السؤال: هل تستطيع الأطراف الثلاثة حقاً التوصل إلى تفاهماتٍ بشأن سورية بعيداً عن واشنطن؟
تركت المواقف الإيرانية والروسية من محاولة الانقلاب الفاشلة أثراً إيجابياً على العلاقة مع تركيا، بعكس الموقف الأميركي المتردّد، لكن هذه المواقف لن تكون على الأرجح كافيةً للتغلب على خلافاتهم في سورية. أقصى ما يمكن أن يتحقق في هذه المرحلة هو العودة إلى الصيغة التي كانت سائدةً قبل التدخل العسكري الروسي المباشر، والمواجهة الإيرانية - التركية حول حلب، أي عزل الصراع على سورية عن مسيرة التعاون الثنائي (الاقتصادي والتجاري)، فحجم التضارب في المصالح بين تركيا وكل من إيران وروسيا في سورية كبير جداً، وهو ناجم أصلاً عن اختلاف حاجات كل منهم في هذا الصراع، إذ تسخره روسيا لخدمة غاياتٍ ومصالح لها خارج المنطقة، أما إيران فتعتبره جوهر مشروعها الإقليمي، في حين تنظر إليه تركيا باعتباره مسألةً تخص أمنها ووجودها.
الأمر الآخر أنه، بمقدار من يمثل الخلاف مع واشنطن الدافع الرئيسي للتقارب، فإن الأطراف الثلاثة تمضي فيه، وعينها على الشريك الأميركي، عسى أن يشعر بالغيرة ويعود أدراجه. والأرجح أن التقارب الراهن، على الرغم من أهميته الاقتصادية لتركيا خصوصاً، ما كان ليحصل، ربما لو أن أنقرة وجدت دعماً أميركيا كافياً في مواجهتها مع روسيا، ولما اضطر أردوغان ربما إلى الاعتذار عما لا يصح الاعتذار بشأنه، وهو الدفاع عن أجواء بلاده التي اخترقتها الطائرات الروسية بصورة متعمدة عشرات المرات.
أخيراً، وهو الأهم، أن واشنطن التي تعد بمثابة الفيل في الغرفة، ليس ممكناً تجاهلها، خصوصاً بعد أن أصبح لها وجود عسكري مباشر على الأرض السورية (تبني قاعدة عسكرية كبيرة في عين العرب وأخرى في الرميلان) ولها أدواتها على الأرض، وهي لن تقبل من ثم أي تفاهمٍ بمعزل عنها. صحيح أن إدارة أوباما أبدت زهداً كبيراً في الصراع السوري، لكن هذا الزهد كان يهدف إلى إنهاك الجميع. أما عندما يحين وقت الاتفاق، فهي لن تسمح بتجاوز دورها، خصوصاً من عين الأطراف الثلاثة التي حاولت إغراقها في الوحل السوري.
لكن واقع الحال يقول إن التوتر مع واشنطن، وليس الإحساس بالحاجة إلى التوصل إلى حل للصراع في سورية، هو الدافع الرئيسي للتقارب الراهن بين الأطراف الثلاثة. روسيا مستاءة بسبب اختطاف الغرب أوكرانيا منها، وحرمانها من حلم إنشاء الاتحاد الأوراسي، الذي غدا آسيوياً أكثر بعد خسارة أوكرانيا. تركيا غاضبةٌ بسبب اتخاذ واشنطن الأكراد حلفاء في سورية، ثم بسبب موقفها "المائع" من المحاولة الانقلابية أخيراً، أما إيران فما عادت قادرةً على "مداراة" خيبة أملها في نتائج الاتفاق النووي، بعد أن تبين أن مسيرة رفع العقوبات لن تكون سهلةً أو قصيرة.
مع ذلك، وباعتبار أن الغضب على واشنطن هو الدافع الرئيسي للتقارب الجاري، وباعتبار أن الخلاف حول سورية كان السبب الرئيسي في القطيعة، يصبح السؤال: هل تستطيع الأطراف الثلاثة حقاً التوصل إلى تفاهماتٍ بشأن سورية بعيداً عن واشنطن؟
تركت المواقف الإيرانية والروسية من محاولة الانقلاب الفاشلة أثراً إيجابياً على العلاقة مع تركيا، بعكس الموقف الأميركي المتردّد، لكن هذه المواقف لن تكون على الأرجح كافيةً للتغلب على خلافاتهم في سورية. أقصى ما يمكن أن يتحقق في هذه المرحلة هو العودة إلى الصيغة التي كانت سائدةً قبل التدخل العسكري الروسي المباشر، والمواجهة الإيرانية - التركية حول حلب، أي عزل الصراع على سورية عن مسيرة التعاون الثنائي (الاقتصادي والتجاري)، فحجم التضارب في المصالح بين تركيا وكل من إيران وروسيا في سورية كبير جداً، وهو ناجم أصلاً عن اختلاف حاجات كل منهم في هذا الصراع، إذ تسخره روسيا لخدمة غاياتٍ ومصالح لها خارج المنطقة، أما إيران فتعتبره جوهر مشروعها الإقليمي، في حين تنظر إليه تركيا باعتباره مسألةً تخص أمنها ووجودها.
الأمر الآخر أنه، بمقدار من يمثل الخلاف مع واشنطن الدافع الرئيسي للتقارب، فإن الأطراف الثلاثة تمضي فيه، وعينها على الشريك الأميركي، عسى أن يشعر بالغيرة ويعود أدراجه. والأرجح أن التقارب الراهن، على الرغم من أهميته الاقتصادية لتركيا خصوصاً، ما كان ليحصل، ربما لو أن أنقرة وجدت دعماً أميركيا كافياً في مواجهتها مع روسيا، ولما اضطر أردوغان ربما إلى الاعتذار عما لا يصح الاعتذار بشأنه، وهو الدفاع عن أجواء بلاده التي اخترقتها الطائرات الروسية بصورة متعمدة عشرات المرات.
أخيراً، وهو الأهم، أن واشنطن التي تعد بمثابة الفيل في الغرفة، ليس ممكناً تجاهلها، خصوصاً بعد أن أصبح لها وجود عسكري مباشر على الأرض السورية (تبني قاعدة عسكرية كبيرة في عين العرب وأخرى في الرميلان) ولها أدواتها على الأرض، وهي لن تقبل من ثم أي تفاهمٍ بمعزل عنها. صحيح أن إدارة أوباما أبدت زهداً كبيراً في الصراع السوري، لكن هذا الزهد كان يهدف إلى إنهاك الجميع. أما عندما يحين وقت الاتفاق، فهي لن تسمح بتجاوز دورها، خصوصاً من عين الأطراف الثلاثة التي حاولت إغراقها في الوحل السوري.