تربعت مدينة حلب، على عرش تصنيف أخطر مدينة في العالم، لعام 2014، إذ أصدرت المجلة الأميركية "لايف واير" تصنيفها مستندةً إلى معدلات الجريمة العنيفة والاضطرابات السياسية والاقتصادية.
وإن كان لا يغفل على متابع يقين ما جاء في التصنيف، غير أنّ فرقة "طريق الخبز" السورية الفلسطينية، تركت أبواب التشكيك بهذا اليقين مفتوحةً بعض الشيء، ففي حلب، لا يزال هناك حيز للحب والفن والنغم والبراءة والضحك والإبداع.. في حلب عشق أبدي للحياة
تقدم فرقة "طريق الخبز" هذه الأيام، "اسكيتشاً" عرائسياً للأطفال، في محاولة لرسم البسمة على شفاه من يحيون وسط دوامات الموت والحزن والعنف والفقدان، التي حاصرهم بها النظام السوري منذ ثلاثة أعوام وأكثر. قدمت الفرقة من خلاله، جملةً من الرسائل المهمة، في قالب كوميدي خفيف، لتمنح أطفال حلب، إلى جانب الضحكات، أملاً بمستقبل هو لهم، وبناؤه رهن بمدى تعلمهم ونجاحهم.
العرض الكوميدي القصير لأطفال حلب، سبقه عرض لاذع للكبار، بعنوان" دكاكين"، جسّد فيه الممثلون شخصيات واقعية، من متسلقي الثورة، ممن بدّلوا اتجاهاتهم لتحقيق مآرب شخصيةً وضيقة، على حساب تضحيات الناشطين السلميين والمقاتلين.
اختار الكاتب في العرض، وهو مخرجه أيضاً، خمس شخصيات، تاجراً ومدرساً وعسكرياً وإعلامياً وسياسياً، ينقلبون ويميلون كيفما مال الممولون، بينما مثّلت ضمير الشعب مجموعة من المتظاهرين الذين لا يكلّون ولايملّون. تمكنت "العربي الجديد" من التواصل مع مدير الفرقة، "سلمان الفلسطيني"، فكان هذا الحوار:
من أنتم؟ وما الذي دفعكم إلى العمل في المسرح والحرب دائرة؟
نحن مجموعة من الشباب والشابات، أطباء، عسكريون، طلاب، ناشطون، إعلاميون، من مدن مختلفة، من حلب وطرطوس وحماه واللاذقية وإدلب، أما أنا ففلسطيني سوري، معظمنا مهتمون بالمسرح من قبل الثورة، وقد كان للحركة المسرحية في حمص تأثير كبير على بعضنا في الماضي، نؤمن بأنّ الحركة الثقافية ينبغي أن تواكب الثورة وتسير معها، وقد يكون هنا مكمن الخلل في الثورة السورية، في ضعف الحركة الثقافية والفنية وتذررها، لا سيما أنّ النظام حاول ومنذ البداية تقديم الثائرين، على أنهم مجموعة من العُنفيين الجهلة المتطرفين، فتمسكنا بالمسرح درءاً لهذه التهمة، ومن جهة أخرى، لا يزال المدنيون هنا رغم الموت والحرب، حقهم وواجبنا كناشطين أن نقدّم لهم الفنون.
فاجأتني بوجود عناصر نسائية في فرقتكم، العمل للرجل في أي مهنة عادية خلال الحرب أمر في غاية التعقيد والصعوبة، فكيف إن كانت فتاة وتعمل في المسرح في منطقة يصلنا عبر الإعلام بأنها تحت سلطة كتائب إسلامية لا تؤمن بالمسرح فحسب بل تحرمه وتناصبه العداء ؟
لن أجمّل الواقع وأقول إننا لم نواجه بعض المشكلات بهذا الخصوص، لكنّه كان تحدياً أصررنا على مواجهته، كما أن الممثلات في فرقتنا، لهن رصيد كبير في نفوس المحيطين، وقد نلنه بعد جهودهن المبذولة في الإغاثة والإسعاف ومساعدة المنكوبين، كما كنّ من أوائل المشاركات في المظاهرات المناوئة للنظام، نعم هناك بعض الرفض وعدم القبول، لكنّهن فرضن وجودهن واحترامهن على المحيط.
أنتم مقيمون وتعملون في المناطق التي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية، كيف تمكنتم من إقناعهم بعملكم في المسرح؟
لا تشعر الكتائب الإسلامية بتوجس أو خوف منا، ولا تشعر بأننا نشكل خطراً عليها، بل إنها ساهمت في حمايتنا والترتيب الأمني لعروضنا، دعوناها لحضور العرض، وقد لبى دعوتنا قسم من أفرادها، وتفاعلوا مع العرض بشكل إيجابي، على الرغم من أن عرضنا "دكاكين" فيه كثير من النقد اللاذع لهم.
وماذا عن بقية الظروف التي تعملون تحت رحمتها؟ كيف تتدبرون أموركم؟
الممثلون في الفرقة أبطال، وكلّ مرة يعتلون فيها الخشبة يدركون أنهم معرضون للموت في أي لحظة، نعمل تحت قصف النظام بالبراميل والصواريخ، العام الفائت قصف النظام السوري مدرسة "عين جالوت" وكان أطفالها يستقبلون زواراً لمعرض رسوماتهم، ومع ذلك لم نتردد أبداً بالاستمرار في مشروعنا، بل حاولنا تطويع الظروف، لم نتمكن من تقديم عرضنا سوى أربع مرات، وتحت ترتيبات أمنية شديدة، بدءاً من البروفات الأولى، إلى دعوة الجمهور، وقد أعددنا صالة أفراح لتكون بمثابة مسرح، وأود هنا أن أشير إلى نقطة هامة، الجمهور هنا لا يعرف المسرح، ولم يسبق له أن شاهد عرضاً مسرحياً، لأن النظام السوري كان يهمل ويهمش هذه المناطق، ولم يعنه يوماً أن يشركها بالحياة الثقافية السورية، ولو كان حضارياً كما كان يدعي، لكان هناك خشبة مسرح .. أعطني مسرحاً أعطك شعباً عظيماً.
أعطني مسرحاً أعطك شعباً عظيماً... يبدو أنها ليست المقولة الوحيدة التي تستخدمها فرقتكم كبوصلة.
أظنّ أنك تلمحين إلى سبب تسميتنا للفرقة بـ"طريق الخبز"، قد قال السيد المسيح "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، ونحن نرى المسرح غذاءً روحياً وفكرياً، وبهذا "الخبز الروحي" تسعى الفرقة لرسم طريق الفن المسرحي في سورية الجديدة، كما يتماهى الاسم مع اسم شارع المسارح في نيويورك، المدينة الأكثر أمناً في العالم.
اعترفت بأن جمهورك لم يعرف المسرح يوماً، بهذه الطريقة ضمنت أن عرضكم لن يناله نصيب من النقد!
يمكنني أن أنتقد العرض بنفسي، لقد كان واقعياً جداً ولا ينبغي أنّ يكتفي الفن بهذا، ومن شدة واقعيته كاد الجمهور أن يتنبأ بتطوراته، الأمر الذي فرض حالة من الملل في النصف ساعة الأولى من العرض، وكان مباشراً وصل في بعض اللحظات إلى السطحية.
انتقدت في عرضك حال الثورة وصوّرتها كبازار لا تُعرض فيها البضاعة لمن يدفع أكثر فقط، بل تتغير بحسب عقائد وإيديولوجيات الممولين؟ فهل الواقع بهذا السواد؟ وهل عُرض عليكم شراء بضاعتكم؟
نعم الواقع بهذا السواد، ولو أنه جاء أكثر تكثيفاً في العرض، لكنّ هذا لا يُلغي أنّ في الثورة، لا يزال هناك أصحاب مبادئ لا يرضخون للابتزاز رغم الضيق الذي يحاصرهم، بالنسبة لنا نحن لسنا للشراء أو البيع، وقد رفضنا أن نكون تحت جناح جهة محددة، موّلنا عرضنا بأنفسنا، ومن خلال تبرعّات شخصية من الأصدقاء، علماً أنّ معظم مواد العرض كانت متوافرة أساساً، كما تبرّعت مجموعة من التجّار المحليين ببعض الاحتياجات، وتطوّعت مجموعة من الإعلاميين للتصوير والتغطية الإعلامية.