ولدت فرقة "The 1975" بعد مضي زمن طويل على انفصال الروك عن البوب، ولكنها لا تزال متمسكة بمعطيات تلك المرحلة؛ ولا نقصد هنا أنها تقوم بإنتاج أغاني روك شبيهة بتلك التي كانت تقدم بالسبعينيات، بل إن ما تتمسك به هو روح فرق الروك في ذلك الوقت؛ فهي لا تزال تؤمن بأسطورة نجم الروك وبقدرة هذا النمط الموسيقي على هضم كل التأثيرات الموسيقية الحديثة؛ وذلك ما نلمسه بوضوح في شخصية نجم الفرقة والمغني الرئيسي فيها، ماثيو هيلي، الذي يتمتع بالكاريزما الخاصة والحضور اللافت على خشبة المسرح في عروضه الحية، وهو ما نلمسه أيضاً بموسيقى الألبوم التي تبدو ثائرة على كل كليشيهات الروك التي ساهمت بترسيخها فرق الروك في الألفية الجديدة، سواء الفرق المحدثة التي بدا معظمها محاصراً بتاريخ موسيقى الروك الثقيل والصور الجاهزة عنه، أو حتى الفرق الكبيرة التي بدت مكبلة بأغانيها الأيقونية وعاجزة على الانتفاض عليها.
يضم ألبوم "The 1975" الجديد 22 مقطوعة صوتية، ما بين أغان ومقاطع وفواصل موسيقية، وهو أمر اعتدنا عليه من الفرقة، التي سبق أن أنتجت ثلاثة ألبومات طويلة. وكما هو الحال في جميع الألبومات السابقة، يبدو أن مشكلة الفرقة الرئيسية بأن النسخة الأخيرة من الألبوم بحاجة إلى تحرير؛ فهو طويل بشكل مبالغ فيه، ويضم بعض المسارات التي كان من الممكن الاستغناء عنها أو تشذيبها على الأقل.
وكما جرت العادة، يبدأ الألبوم الجديد بمسار يحمل اسم الفرقة "The 1975". وقد خصصت الفرقة مسارها الافتتاحي الجديد، الذي تتجاوز مدته الخمس دقائق، لإلقاء خطاب الفتاة المراهقة، غريتا ثونبرغ، التي اشتهرت بوصفها أصغر ناشطة مناخية. ومن ثم يتغير مسار الألبوم نحو مواضيع أكثر ذاتية. وكما هو متوقع، بعد قراءة اسم الألبوم، فإن كلمات الأغاني ما هي سوى ملاحظات على النموذج الشرْطي الذي تم تأطير الفرقة فيه.
يعود هيلي في الألبوم الجديد لأغانيه القديمة والتعليق عليها لتصحيحها، وكأنه يواجه ذاته أو النموذج المسبق عنه، ليخلق نموذجاً جديداً أكثر صدقاً. على سبيل المثال، يعود هيلي بأغنية "Nothing Revealed / Everything Denied" إلى جملة ذكرها في أغنية "Love It If We Made It" من ألبوم "A Brief Inquiry Into Online Relationships" الذي صدر عام 2018، ليعقب عليها؛ ففي الأغنية القديمة قال هيلي: "أضاجع في السيارة وأطلق النار على الهيروين"، وفي حين يذكر بالأغنية الجديدة: "الحياة تبدو كأنها كذبة، أحتاج اليوم إلى شيء حقيقي. أنا لم أضاجع في السيارة، لقد كنت أكذب".
لا يقتصر الارتداد في كلمات الألبوم الجديد على الحوادث الذاتية والأمور العاطفية التي كان قد تغنى بها هيلي في الألبومات السابقة؛ بل إنه في بعض الأحيان يعود ليناقش الأفكار التي كان يطرحها وينتفض عليها. فهو يعود لينتقد أغنيته "Sincerity Is Scary" التي طرحت بذات الألبوم سنة 2018، والتي ذكر فيها: "إنك تفتقر إلى الجوهر عندما تقول شيئاً مثل: يا للعار، إنها طريقة -مرجعيتها ذاتية- تمنعك من أن تكون إنساناً"؛ ليعود في الألبوم الجديد ويناقض التوجه السابق بتلميحات وانتقادات للجيل الشاب الذي ابتعد عن التحليل السياسي، سبب الاعتقاد بأن كل ذلك لا جدوى منه؛ وهو ما كان يؤمن به هيلي نفسه قبل عامين.
وحتى موسيقياً، يعتبر الألبوم ثورة على الألبومات السابقة؛ فازدياد المساحة المخصصة للموسيقى الإلكترونية، والإكثار من لحظات الصمت وإطالة السكتات ضمن الألبوم، تبدو أمراً غير متوقع من "The 1975"؛ ولكن الأمر اللافت، أن هذه التغيرات لم تؤثر على روح الفرقة، ولا يزال هيلي يغني بذات النفس، كنجم روك ينتمي بروحه للعصر الذهبي لموسيقى الروك.
