لم يعد المركز الإنساني "لاشابيل" يستقبل أحداً من المهاجرين، بل يحاول أن يتخلص من "ضيوفه"، وهم أقل من ستين شخصا، حتى يفرغ يوم 31 مارس/آذار الجاري. وأمام أبوابه وغير بعيد عنه، تحت جسر الميترو، هناك عشرات المهاجرين غالبيتهم من الأفارقة لا يعرفون ماذا يخبئ لهم القدر.
ويُغلق المركز الإنساني "لاشابيل" الذي يتخذ اسم المنطقة التي يتواجد فيها، والمعروف أيضاً باسم "الفقاعة" (بسبب هندسته الشبيهة بفقاعة)، يوم 31 الجاري، وهو مركز كانت تشرف عليه جمعيتا "إيماووس" و"يوتوبيا 56" الإغاثية، قبل أن تنسحب الأخيرة، ويبقى تحت إشراف الأولى، ما منحه استقلالية، بسبب الرصيد الذي تتمتع به الجمعية لجهة نضالاتها لإيواء المشردين وإطعامهم.
وبعد إغلاق المركز، الذي استقبل خلال عام من وجوده أكثر من 15 ألف شخص، أي بمعدل 400 شخص أسبوعيا، قبل توجيههم إلى مراكز أخرى في مختلف ربوع فرنسا. قررت استبداله بخمسة مراكز استقبال، ودراسة الوضعية الإدارية في باريس وضواحيها.
وتتعهد ولاية الأمن في باريس بأن يجد المهاجرون المساعدات والتسهيلات والتوجيهات ذاتها التي عرفوها في المركز السابق، والمعلومات بخصوص الإجراءات الضرورية لطلب اللجوء، وتوفير التغطية الصحية والنفسية.
الإغلاق كان مقرراً
لم يكن قرار إغلاق المركز الإنساني مستعجلاً أو مفاجئاً، بل سبق أن اتخذ في خريف 2016، مفسحاً المجال أمام إجراء جديد تديره الدولة.
ويرى مدير جمعية "إيماووس"، برونو موريل، أن المركز الإنساني لم يكن كافياً، وكان يتعين العثور على أماكن أخرى في العاصمة وضواحيها، مثل مراكز الإيواء الاستعجالي وأيضا مراكز الاستقبال والتوجيه. كما يتوجب فتح مراكز أخرى في محافظات فرنسية أخرى.
وهكذا يرتاح المواطنون المنزعجون، الذين يقطنون قرب المركز، من الحضور البوليسي اليومي المكثف، ومن طوابير المهاجرين، ومن خيامهم الصغرى التي كانت تمتد تحت جسور الميترو وعلى الأرصفة، وأحيانا من الاشتباكات التي تندلع بين الأفغان والأفارقة، خصوصاً الإريتريين منهم.
وتعوّل ولاية الأمن، المكلفة بمتابعة المهاجرين، على توفير نموذج "مركز الاستقبال الأولي" ذاته من خلال مراكز الاستقبال ودراسة الوضعية الإدارية الخمسة. وتتحمل تلك المراكز طاقة استيعابية تصل إلى 750 شخصاً مقابل 450 كان يستوعبها المركز الذي سيغلق أبوابه. ويفتتح أحد المراكز الخمسة في باريس (في جادة ني) والآخر في منطقة "ريس-أورانجيس" والثالث في "سيرجي"، وهنالك آخران لم يعلن عن مكانهما بعد.
وتبحث جمعية "فرنسا أرض اللجوء" عن المهاجرين في الشوارع، ويتم إحضارهم إلى مراكز الاستقبال في النهار حيث تعطى لهم معلومات إدارية، ومن ثَمّ توجيههم، حسب إرادتهم، من مراكز الاستقبال الأولية إلى "مراكز الاستقبال ودراسة الوضعية الإدارية"، التي يُفترَض أن لا يظلّوا فيها سوى أيام معدودة، قبل توزيعهم على كامل التراب الفرنسي حسب أوضاعهم الإدارية.
انتقاد للمشروع قبل أن يرى النور
ترى مجموعة من الجمعيات الإغاثية أن هذا المسار الجديد لن يُكتب له النجاح، بسبب رفض المهاجرين "المُدبلنين" (نسبة لمعاهدة دبلن) التوجه إلى هذه المراكز، باعتبارها "مراكز فرز"، تعمل على إعادتهم إلى البلدان التي تسجلوا فيها للمرة الأولى وتركوا فيها بصماتهم، وهي إيطاليا، في المقام الأول، أو إسبانيا أو اليونان، وهو ما تؤكده جمعية "يوتوبيا 56"، وتتفق معها جمعيات تعمل إلى جانب المهاجرين في الشارع، الذين يتجاوز عددهم الألفي شخص، ولا يزال أغلبهم يهيمون في شوارع باريس.
لهذا السبب ترى جمعية "يوتوبيا 56" التي من المقرر أن تُغيّر مقرَّها إلى منطقة "بورت سانت-وان"(المقاطعة الباريسية السابعة عشرة)، أن قرار الدولة بأخذ زمام أمور هؤلاء المهاجرين، بدل الجمعيات المختصة التي تمتلك تجارب طويلة، يدفع بكثيرين منهم إلى السرية والاختفاء، والعيش في ظروف قاسية.
وتصف هذه الجمعية إغلاق المركز الإنساني بأنه تطبيق لخطة الحكومة المعلنة، في "انتقاء المهاجرين" و"ترحيل" آخرين، وقد ظهرت ملامحه في مشروع القانون الجديد الخاص بـ "قانون اللجوء والهجرة"، الذي سيرى النور بعد أسابيع، وانتقدته جمعيات ومنظمات حقوقية فرنسية ودولية على تشدده.
بلدية باريس لن تخذل اللاجئين
وأعلنت بلدية باريس، التي كان لها دورٌ كبير في افتتاح المركز الإنساني، وترى أن الدولة تأخذ منها هذا الملف، أنها ستعمل قبل نهاية العام الجاري 2018 على افتتاح مركز تسميه "بيت اللاجئين"، يكون تجميعا للعديد من المبادَرات المواطنية، ويهدف إلى استقبال كلّ المهاجرين، سواء من رفضت طلباتهم، وأيضا المدبلنين وطالبي اللجوء واللاجئين في النهار.