موعدٌ مفصلي ينتظر هذه الليلة المرشحين إلى الانتخابات التمهيدية في الحزب الاشتراكي الفرنسي، لاختيار المرشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، في أول مناظرة تلفزيونية مباشرة. والمرشحون السبعة الذين سيشاركون في هذا السجال التلفزيوني، هم رئيس الوزراء المستقيل أخيراً، مانويل فالس، ووزير الاقتصاد السابق، آرنو مونتبورغ، ووزيرا تربية سابقان هما بونوا هامون وفانسان بيون، بالإضافة إلى وزيرة السكن السابقة، سيلفيا بينيل، والنائب عن تيار البيئة، فرنسوا دو روغي، والنائب الأوروبي السابق عن وسط اليسار، جان لوك بينامياس.
وستكون نسبة مشاهدة هذه المناظرة بمثابة مؤشر على نسبة المشاركة في الانتخابات التمهيدية، التي يرجح الحزب الاشتراكي أن تصل إلى مليوني ناخب. وسيتحدث كل مرشح لمدة 17 دقيقة، يستعرض خلالها برنامجه وتكون فرصته لتقديم نفسه للمشاهدين والناخبين. كما أن المناظرة تكتسب أهميتها القصوى لكونها الاختبار الأول والجدي للمرشحين السبعة، الذين سيكون عليهم التسلح بالحجج والاقتراحات لإقناع المشاهدين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية بمدى أهليتهم لتمثيل الحزب الاشتراكي في الاقتراع الرئاسي. وحتى الآن اتسمت الحملة الانتخابية للتمهيديات بهالة من الضبابية والتذبذب، نظراً إلى انطلاقتها المتأخرة، والتي لم تبدأ فعلياً سوى غداة إعلان الرئيس فرانسوا هولاند تخليه عن الترشح لولاية ثانية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
والضحية الأولى لهذا التأخير هو مانويل فالس، الذي لم يدخل خط التمهيديات سوى في 5 ديسمبر، بعد أن قدم استقالته، ووجد، ولا يزال، صعوبات كبيرة في عملية الانتقال بسرعة من موقع رئيس الحكومة إلى موقع المرشح للتمهيديات، ما جعله يعاني الأمرين من أجل إقناع الناخبين ببرنامجه الانتخابي. ويجد فالس نفسه محاصراً بالأسئلة حول حصيلة أدائه الحكومي، كما أن جهوده الشاقة من أجل تغيير بعض المواقف المثيرة للجدل، خلال أدائه الحكومي، تقابل بشكوك كبيرة، وتُأوَّل كتكتيك انتخابي انتهازي. وتعرض فالس لانتقادات شديدة من منافسيه ومن وسائل الاعلام، حين أعلن أخيراً أنه في حال فوزه بالرئاسة سيقوم بإلغاء البند 49.3 من الدستور، وهو البند الذي يجيز للحكومة تشريع القوانين من دون تصويت البرلمان، واستعمله خلال ولايته الحكومية لتمرير قانون العمل المثير للجدل، برغم معارضة اليمين وقسم هام من النواب اليساريين.
وإذا كان فالس الإصلاحي الليبرالي، الذي يحظى بدعم غالبية وزراء الحكومة حتى أيام قليلة، يُعد المرشح الأوفر حظاً للفوز بالتمهيديات، فإنه صار مهدداً بشكل جدي من طرف منافسيه، خصوصاً مونتبورغ وهامون، اللذين يمثلان التيار اليساري داخل الحزب، حسب استطلاعات للرأي نشرت أخيراً. ويتمتع مونتبورغ بشعبية متصاعدة داخل صفوف المتعاطفين مع الاشتراكي، بفضل حملة انتخابية مبكرة ومنظمة بدأها الصيف الماضي. ويقترح وزير الاقتصاد السابق، الذي استقال من منصبه في أغسطس/ آب 2014 بسبب الخلاف مع التوجهات الليبرالية لهولاند، برنامجاً اقتصادياً متكاملاً ساهم في رسم معالمه باحثون أكاديميون مرموقون، بينهم ميشال أغليتا وجان بول فيتوسي وماثيو بلان. ويحاول مونتبورغ استغلال النزوع الليبرالي المتشدد لدى مرشح الحزب اليميني، فرانسوا فيون، ليأخذ موقعه كمرشح اشتراكي يساري يدافع عن الصناعة الفرنسية ضد المنافسة الأجنبية وإملاءات الاتحاد الأوروبي، من دون أن يصنف كيساري راديكالي.
وأصبح مونتبورغ يواجه بدوره منافسة حادة من مرشح يساري آخر، هو بونوا هامون، وزير التعليم السابق المقرب من رئيسة الحزب الاشتراكي السابقة، مارتين أوبري. ويقترح هامون برنامجاً يسارياً بامتياز، ويدعو إلى تقليص ساعات العمل إلى 32 ساعة بدل 36 ساعة حالياً، وأيضاً خلق "راتب شهري كوني" والزيادة في الحد الأدنى للأجور. وحسب المتتبعين، فإن هامون، بتموضعه في أقصى اليسار، لا يأمل في الوصول إلى الإليزيه بقدر ما يحضر لصحوة التيار اليساري داخل الاشتراكي، والقيام بحركة تصحيحية بعد الانتخابات الرئاسية، تعيد الحزب إلى سكته اليسارية التي خرج عنها بشكل سافر في عهد هولاند. ويجد هامون مساندة من طرف شباب الحزب الاشتراكي، الذي كان حتى عهد قريب أحد أكبر زعمائه، المتذمر من الولاية الرئاسية الاشتراكية وسياسات هولاند وفالس الليبرالية. ومن بين المرشحين الأربعة في مقدمة ترتيب التمهيديات، يوجد فانسان بيون، الذي يجد صعوبة بالغة في إسماع صوته، ودخل المعترك في آخر لحظة وبشكل مفاجئ بتشجيع من مناصري هولاند. ومن المتوقع أن يكتفي بأداء دور الكومبارس إلى جانب وزيرة السكن السابقة، سيلفيا بينيل، والنائب عن تيار البيئة، فرانسوا دو روغي، والنائب الأوروبي السابق عن وسط اليسار، جان لوك بينامياس، الذين لا تمنحهم استطلاعات الرأي سوى نسب ضئيلة جداً لن تمكنهم حتماً من تجاوز الدور الأول من التمهيديات التي ستنظم في 22 يناير/ كانون الثاني الحالي.