فلسطين.. قضيتنا الكبرى
ترزح الأرض المباركة تحت وطأة احتلال صهيوني غاصب لحقوقها التاريخية وقضاياها الوطنية، منذ ما يزيد من نصف قرنٍ، وهو يجّسد هول المعاناة في أشدّ حالاتها المريرة، حيث لا يتوقف عند التنكيل بأهلها وتحويلهم إلى كيانات مشرّدة في أراضي التشتيت فحسب، بل بمصادرة كلّ مقدّراتها وخيراتها الوفيرة لصالح وجوده اللاشرعي، وتعريض شعبها لكل فظاعات الهوان وصنوف الاضطهاد القسري، والذي لا يتوقف عن نوازعه التافهة، وحماقاته المتكرّرة.
ومن الأشياء الباعثة على الأسى أن فلسطين ابتليت باحتلال جاثم، وغول متوحش، لا يراعي فيهم خياراتٍ ناعمة، غير السعي إلى انتزاع الحق الطبيعي من أيادي مستحقيه باعتداءات سافرة، تعمل على تبديد مصير القضية، وإسقاط مكانتها التاريخية من ضمير وجدانها الجمعي، ولا يزال يستمرئ العمل المشين في تهويد أماكنها المقدسة، وتعريض واقعها للخطر، باقتراف الخطايا المدنّسة باستمرار، ناهيك عن تجريع أهلها محنة القبول بين تصفية مطالبها المشروعة أو استعمال آلة القتل في تبديد رسوخ هذه القناعة الثابتة.
على الرغم من هذا، لم يُلِحق بهم هزيمة التخلي عن وحدة القضية، ولا في إخضاعهم تحت جبر القوة الغاشمة للمساومة التاريخية، وأثبتت الأحداث، عبر مراحلها الطويلة، أن أي محاولة لا تراعي جوهر القضية تقابل بالرفض المقاوم في شكل انتفاضة ثائرة، تسقط معها كل رهانات التفكيك المحبطة، وتستنهض موجبات التحرّر المشروعة.
وكثيراً ما تستوقفنا نضالات هذا الشعب المقاوم الذي يدافع عن مقدّستنا بالوكالة، وفي ما نلاحظه من دور بطوليٍ لافت، في خط المواجهة الدامية لمحاولات التفتيت وتقزيم الكرامة، نستيقن أن تهديد قبلتنا الأولى غدت مستحيلةً أمام قوة هذه الإرادة التي تنبض مقاومة وصلابتها.
ولعل الانتفاضة الواجبة التي تحدث غالباً في أراضينا المقدّسة تحمل شعور الإنتماء الحقيقي لإستعادة تمثيلها المشروع، وإشعال جذوة الغضب في جرم الفداحة التي تمتهن المساس بثالث الحرمين المقدّس ورابطتنا الروحية.
كما أنّ التجاهل الذي قاد إلى هذه الإستنتاجات واضح في مدلولات التهاون بمضمون القضية عند الأشقياء من أمتنا والتواطؤ الذي قاد إلى تبرير الحصار الجائر على مواطنها الطاهرة.
ومع هذا، ستبقى إرادتنا الصادقة مع محور اهتمامنا المركزي، وفي وجداننا العميق ما يلهب حنين الإشتياق إلى دواعي النصرة المستحقة. وعند كل المراحل وظروف الإحباط، يطالعنا حضورها الملهم فيرسّخ صميم وجودنا المشترك، بتوفيق ما نتمناه من تتابع مسراها القويم وقضيتها العادلة.