ردود فعل كثيرة تلك التي أُثيرت بعد القوانين والتشريعات التي أُقرت في الولايات المتحدة الأميركية حول المثلية الجنسية، وكثيرون هم أولئك الذين دانوا التحولات الكبيرة، وربما عولمة تلك التشريعات على المدى القريب الذي بدأ فعلياً منذ سنوات في إطار الحرب المعلنة على الإيدز، غير أن ثمة إشكالية عند تناول هذه الظاهرة في إطار ديني بحت، حيث إن كثيرا من الناشطين في العالم العربي يرى أنها تحركات ضد الإسلام في أصلها وفق مبادئ نظرية المؤامرة التي تحيل كل الشرور إلى منطلقات دينية، علماً أن ثمة ناشطين مسيحيين ويهوداً لا يقبلون مثل هذه التشريعات ويحاربونها، وجميع الأديان السماوية ترفضها جملة وتفصيلا.
ويمكن القول إن واحداً من أفضل الذين حللوا في المثلية واستطاعوا التعمق في جذوره الفكرية هو الفيلسوف الكبير عبدالوهاب المسيري رحمه الله الذي يقول في كتابه "الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" بأن الحضارة المادية الغربية تفسر الأخلاق تفسيراً مادياً ووفقاً لقانون طبيعي، فمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة هو الذي يتحكم في الأخلاق الإنسانية، لذا تنادي المذاهب الأخلاقية المادية بأن الشيء الوحيد الذي يجدر بالإنسان أن يسعى إليه هو الخيرات المادية التي تجود بها الحياة، والشيء نفسه ينطبق على المعايير الجمالية، فالشعور والإحساس بالجمال وكل الأحاسيس الإنسانية يمكن فهمها بردها إلى المبدأ المادي الواحد، فهي مجرد تعبير عن شيء مادي يوجد في الواقع المادي.
وإن انتشار الإباحية في العالم الغربي ليس مجرد مشكلة أخلاقية وإنما هي أيضاً قضية معرفية؛ فالإباحية جزء من الهجوم على الطبيعة البشرية وعلى قداسة الإنسان ومحاولة تفكيكه، فقد قامت الرؤية العلمانية الإمبريالية بتطبيع الإنسان، أي رأته كائنا طبيعياً مادياً بسيطاً وحسب، ونظرت إليه باعتباره مادة نسبية صرفة لا قداسة لها.
والإباحية هي تعبير عن الاتجاه نفسه، فتجريد جسد الإنسان من ملابسه هو نوع من نزع القداسة عنه حتى يتحول الإنسان، خليفة الله في الأرض وفق الرؤى الدينية، ومركز الكون في الرؤى الإنسانية، إلى مجرد لحم يُوظف ويُستغل بحيث يصبح مصدراً للذة.
ولا يمثل الدفاع الشرس عن المثلية الجنسية والدعوة إلى تطبيعها دعوة إلى التسامح أو تفهم وضع المثليين، بل هو في أصله هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعياراً ثابتاً يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني.
والمثلية الجنسية هي محاولة أخرى لإلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر/ الأنثى التي تستند إليها المعيارية الإنسانية.
فالإنسان الذي يطالب بحقوقه هو وحدة مستقلة بسيطة أحادية البُعد لا علاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة، هو مجموعة من الحاجات المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعة اللذة التي لاهم لها إلا تعظيم الربح. ولذا، لم يتحدث أحد عن حق الإنسان في وقف تيار الإباحية الذي يهدر أبسط الحقوق الإنسانية.
والحقوق الإنسانية التي يتم الدعوة لها هي حقوق تتجاوز المجتمع ومنظومته الأخلاقية والمعرفية، وهذا يؤدي إلى أن فكرة المجتمع الذي يستند إلى عقد اجتماعي تصبح مستحيلة إذ إن الحقوق المطلقة لا يمكنها التعايش ضمن نطاق المجتمع الأوسع.
ولهذا لا يرى المسيري فرقاً بين النازية التي تعاملت مع البشر كمادة أو شيء تُوقد به المصانع، وبين من يستغل النساء للعمل في الدعارة.
وقد أكد على هذا المعنى الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في كتاب "تاريخ الجنسانية" حينما تحدث عن تغييرات كبيرة حصلت للمجتمعات الغربية في التعاطي مع الأسرة والعلاقات الجنسية من التحريمات الكبرى إلى الفوضى الجنسية، حيث كانت المنظومة مرتبطة بالاقتصاد عبر وسائط عديدة وخفية، لكن أهمها الجسد الذي تحول إلى "شيء" أو مادة يمكن أن تنتج وتستهلك.
وفي النهاية يقول المسيري "لا يمكن أن نفهم واقعنا المحلي والعالمي المعاصر، إلا من خلال أعلى درجات التنظير والتجريد، فمن يظل متصلاً بواقعه المباشر غير متجاوز له، لا يدركه في كليته وتركيبيته وخصوصيته، ومن لا ينظّر لنفسه حسب تجربته وحسب تفاعله مع واقعه سيُنظّر الآخرون له حسب مقولاتهم وتجربتهم وتحيزاتهم وأهوائهم".
ويمكن القول إن واحداً من أفضل الذين حللوا في المثلية واستطاعوا التعمق في جذوره الفكرية هو الفيلسوف الكبير عبدالوهاب المسيري رحمه الله الذي يقول في كتابه "الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" بأن الحضارة المادية الغربية تفسر الأخلاق تفسيراً مادياً ووفقاً لقانون طبيعي، فمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة هو الذي يتحكم في الأخلاق الإنسانية، لذا تنادي المذاهب الأخلاقية المادية بأن الشيء الوحيد الذي يجدر بالإنسان أن يسعى إليه هو الخيرات المادية التي تجود بها الحياة، والشيء نفسه ينطبق على المعايير الجمالية، فالشعور والإحساس بالجمال وكل الأحاسيس الإنسانية يمكن فهمها بردها إلى المبدأ المادي الواحد، فهي مجرد تعبير عن شيء مادي يوجد في الواقع المادي.
وإن انتشار الإباحية في العالم الغربي ليس مجرد مشكلة أخلاقية وإنما هي أيضاً قضية معرفية؛ فالإباحية جزء من الهجوم على الطبيعة البشرية وعلى قداسة الإنسان ومحاولة تفكيكه، فقد قامت الرؤية العلمانية الإمبريالية بتطبيع الإنسان، أي رأته كائنا طبيعياً مادياً بسيطاً وحسب، ونظرت إليه باعتباره مادة نسبية صرفة لا قداسة لها.
والإباحية هي تعبير عن الاتجاه نفسه، فتجريد جسد الإنسان من ملابسه هو نوع من نزع القداسة عنه حتى يتحول الإنسان، خليفة الله في الأرض وفق الرؤى الدينية، ومركز الكون في الرؤى الإنسانية، إلى مجرد لحم يُوظف ويُستغل بحيث يصبح مصدراً للذة.
ولا يمثل الدفاع الشرس عن المثلية الجنسية والدعوة إلى تطبيعها دعوة إلى التسامح أو تفهم وضع المثليين، بل هو في أصله هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعياراً ثابتاً يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني.
والمثلية الجنسية هي محاولة أخرى لإلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر/ الأنثى التي تستند إليها المعيارية الإنسانية.
فالإنسان الذي يطالب بحقوقه هو وحدة مستقلة بسيطة أحادية البُعد لا علاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة، هو مجموعة من الحاجات المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعة اللذة التي لاهم لها إلا تعظيم الربح. ولذا، لم يتحدث أحد عن حق الإنسان في وقف تيار الإباحية الذي يهدر أبسط الحقوق الإنسانية.
والحقوق الإنسانية التي يتم الدعوة لها هي حقوق تتجاوز المجتمع ومنظومته الأخلاقية والمعرفية، وهذا يؤدي إلى أن فكرة المجتمع الذي يستند إلى عقد اجتماعي تصبح مستحيلة إذ إن الحقوق المطلقة لا يمكنها التعايش ضمن نطاق المجتمع الأوسع.
ولهذا لا يرى المسيري فرقاً بين النازية التي تعاملت مع البشر كمادة أو شيء تُوقد به المصانع، وبين من يستغل النساء للعمل في الدعارة.
وقد أكد على هذا المعنى الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في كتاب "تاريخ الجنسانية" حينما تحدث عن تغييرات كبيرة حصلت للمجتمعات الغربية في التعاطي مع الأسرة والعلاقات الجنسية من التحريمات الكبرى إلى الفوضى الجنسية، حيث كانت المنظومة مرتبطة بالاقتصاد عبر وسائط عديدة وخفية، لكن أهمها الجسد الذي تحول إلى "شيء" أو مادة يمكن أن تنتج وتستهلك.
وفي النهاية يقول المسيري "لا يمكن أن نفهم واقعنا المحلي والعالمي المعاصر، إلا من خلال أعلى درجات التنظير والتجريد، فمن يظل متصلاً بواقعه المباشر غير متجاوز له، لا يدركه في كليته وتركيبيته وخصوصيته، ومن لا ينظّر لنفسه حسب تجربته وحسب تفاعله مع واقعه سيُنظّر الآخرون له حسب مقولاتهم وتجربتهم وتحيزاتهم وأهوائهم".
(البحرين)