في فيلمه "فندق بودابست الكبير"، لا يكاد يغيب شيء من الجمال المعتاد للمخرج ويس أندرسون؛ بداية بحرصه على ترصيع عمله بعدد كبير من النجوم، واعتماده سرداً قائماً على الإدهاش، ثم نهجه الأثير لكوميديا التفاصيل البسيطة. لمن يعود فندق بودابست الكبير، الموجود على قمة جبل زوبروفكا (مكان خيالي)، الذي فقد كثيراً من صيته وزبائنه؟
هذا السؤال شغل الكاتب ويلكنسون، الذي أقام في شبابه بالفندق في فترة كساده برفقة ضيوف قليلي العدد وغريبي الأطوار. دفعه هذا الفراغ الموحش وبرود العلاقات مع النزلاء إلى شغل نفسه باختلاق أحاديث مع عامل الاستقبال؛ بعضها عن تاريخ المكان وبعضها عن نزلائه المختلفين.
ومن حظ ويلكنسون سيتعرف على أكثرهم غرابة وانزواء وهو زيرو مصطفى (الممثل إف. موراي أبراهام) مالك الفندق، الذي سيدعو ويلكنسون إلى العشاء وسيروي له حكاية غريبة عن فتى الصالة الذي أصبح مالكاً لفندق بودابست.
قصة زيرو (الممثل طوني ريفولوري) الذي جاء شاباً إلى الفندق كعامل صالة، سيلتقي في أول يوم عمل له بالسيد غوستاف (رالف فينيس) مدير الفندق أثناء وداعه للعجوز دي (الممثلة تيلدا سوينتون). معاشرة المسنات كانت عادة لدى غوستاف يحرص عليها وله وجهة نظر خاصة يبرر بها ذوقه.
السيدة دي فاحشة الثراء وكانت تحب غوستاف كثيراً، ما دفعها إلى التفكير به أثناء كتابة وصيتها، إذ ستوصي له بلوحة الولد مع التفاحة الرائعة والثمينة، الأمر الذي أشعل نار غضب وريثها ديمتري (الممثل أدريان برودي) فيحاول التخلص من هذا الوريث المفاجئ، ثم سيسرق غوستاف وصديقه زيرو اللوحة، ويخفيانها بسرية في الفندق، وبعد موت السيدة دي سيُتّهم غوستاف بقتلها ويزج به في السجن.
تسير الأحداث في هذا العمل في شكل ترابطي، فهناك دوائر سرد متوازنة تشكل قصصاً جانبية للقصة الأم، أو ما يسمّيه تودوروف بالأدب الإسنادي الذي "يهتم بعلاقات الترابط والتضمين في السرد بين القصص المتوالدة عن الحكاية الإطار أو الحكاية الأم"، حيث إن حكاية غوستاف تؤطر حكاية زيرو، ويخضع السرد أيضاً لهذه الخاصية من حيث تغير دور الراوي بين زيرو وغوستاف والكاتب ويلكينسون، بما يشكّل طبقات من الفلاش باك مختلفة في الزمان والمكان والشخصيات، لكنها مترابطة ومنسجمة مع خطية القصة وسردها الممتع، الذي يحضر فيه الكثير من أسلوب أندرسون وطريقته الفريدة في بناء الصراع، إذ لا يعتمد الجدية المفرطة ولا الواقعية مثل ما فعل في أفلام سابقة.
كتب أندرسون سيناريو الفيلم بالتعاون مع هوغو غينيس، مقتبسين رواية النمساوي ستيفان زفايغ "احذر الشفقة"، ويعتبر الفيلم أحد أهم الأعمال المنتجة السنة الماضية، وقد فاز بأربع جوائز أوسكار أهمّها عن موسيقاه التصويرية. يثير فيلم "فندق بودابست الكبير" الفضول لمشاهدة أعمال أخرى لأندرسون صاحب الأساليب السينمائية المتجددة.