بالصدفة البحتة، وقع بصر الفنانة الفلسطينية، براءة أبو محسن (24 عاماً)، من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، على فيديو عبر موقع يوتيوب لـ "فن المصغرات"، وهو فن تجسيد وتجسيم الأدوات والأشكال بطريقة صغيرة جداً، تعطيها إيحاء فنياً، ما أشعل فيها فضول تطبيق ذلك الفن العجيب. ذلك الفضول دفع الفتاة إلى البحث عن أدوات فن المصغرات الذي شَدّ انتباهها، لكنها لم تجد أياً منها في غزة، فقررت إيجاد بدائل، وقامت فعلاً بصنع عدد من القطع الفنية التي لاقت إعجاباً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعها إلى صنع المزيد، إذْ أنّ تشجيع العالم لها وإعجابهم بعملها، دفعها إلى صقل موهبتها وتنمية هوايتها الناشئة.
وتجد الفنانة أبو محسن في صنع تلك المصغرات التي باتت تستحوذ على جزء كبير من وقتها متعة خاصة، إذ تجسد خلالها الشخصيات الكارتونية والخضار والفواكه والحلويات والحيوانات والإشارات والمفاتيح الإلكترونية والأثاث، وغيرها من المُجسَّمات التي يتمّ التعبير عنها بأساليب فنيّة، والتي تكون مأخوذةً عادة من الحياة اليوميَّة وتفاصيلها. وتوضّح أبو محسن، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أهمية ممارسة الهوايات، وترجمتها إلى إنجازات تروي حكايات الإبداع، مضيفة: "داخل كل شخص إبداع معين، يجب أن يخرج للنور، وأن يتمّ التعبير عنه بكل الوسائل المتاحة، أو حتى صناعة تلك الوسائل، والظروف المحيطة وتنمية الموهبة تساعد في تجسيد الموهبة على أرض الواقع".
وتقول أبو محسن، وهي خريجة آداب وتربية إنكليزية من جامعة الأقصى، إنها بحثت عن وسيلة لقتل وقت فراغها بعد تخرجها عام 2017، إلى أن قررت دمج هواية إتقانها للرسم بالفنون التشكيلية، مضيفة: "اشتعلت تلك الرغبة بعد رؤية الفيديو الخاص بالمصغرات". الضجة التي سكنت مخيلة الفنانة العشرينية دفعتها إلى إيجاد البدائل عن الأدوات المفقودة نتيجة إغلاق معابر قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي، وعن ذلك تقول: "صنعت عجينة باستخدام مسحوق النشا، والصمغ الأبيض، والزيت والليمون، واستخدمت شفرة ودبابيس لتشكيل ملامح القطع الصغيرة، كذلك وفرت ألوان الغواش".
وتوضح أنها صنعت في البداية مشغولات كارتونية وشتلات صبار ودب باندا و"كوكيز" وأخطبوطاً، وغيرها من الأشكال الفنية، مضيفة: "صنعت تلك القطع لنفسي، كي أشغل وقت فراغي أولاً، وحتى أثبت للجميع قدرتي على تصنيعها على الرغم من عدم توفر الأدوات واللوازم". وتشير إلى أن فن المصغرات يرتكز بالأساس على القدرة على الرسم، مبينة: "يدخل الرسم في كل قطعة، إذ تحتاج إلى رسم زوايا معينة توضح تفاصيلها (..) تضعني كل قطعة أمام تحدٍّ معيّن، وهو أن أتمكَّن من تطبيق ملامحها وزواياها بطريقة صحيحة، تعطي ذات الملامح الخاصة بالمجسمات الكبيرة".
وقد بدا واضحاً عشقها لتصنيع تلك القطع، فقامت بنشر صورٍ لأعمالها على تطبيق "إنستغرام"، ولاقت إعجاباً كبيراً من صديقاتها اللواتي قمن بطلب قطع مشابهة، وقطع أخرى، مضيفة: "قمت بإنجاز تلك الطلبات، ونشر المزيد من الصور، ما ضاعف أعداد المتابعين، وزاد من كمية الطلبات". وتضيف: "ذلك التفاعل دفعني إلى التركيز أكثر، ومضاعفة ساعات العمل، على الرغم من أنني ما زلت أمارسه كهواية وليس كعمل، وما زلت أحلم بأن أعمل في مجال تخصصي"، مؤكدة على أهمية ممارسة الهوايات بما لا يؤثر على العمل، وعلى المكانة الشخصية في المجتمع. وتشير أبو محسن إلى أن إنجاز الأعمال وممارسة الهوايات على الرغم من الظروف الصعبة يعتبران من أهم التحديات الواقعيَّة.