06 نوفمبر 2024
فيلسوف بوتين يميني ونازي
مثّلت خسارة مرشح حزب الحرية اليميني، نوربرت هوفر، في انتخابات الرئاسة النمساوية، يوم الأحد الماضي، بارقة أمل كسرت حلقات صعود اليمين الشعبوي في الغرب. مع ذلك، تبقى النمسا دولة هامشية في أوروبا التي غدت، بغض النظر عن قدرة تياراتها الشعبوية على الوصول إلى السلطة، محاصرة بين سندان اليمين القومي في روسيا ومطرقة اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة، ويسري غزل علني بينهما، يوشك أن يدمّر ما حققته الليبرالية الديمقراطية لأوروبا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما يتم التركيز على صعود اليمين الشعبوي في عموم الغرب، نادراً ما تجري الإشارة إلى الأجندة اليمينية المحافظة التي يتبناها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفيما يتم التركيز إعلامياً أيضاً على شخصية المفكر الروسي، ألكسندر دوغين، باعتباره العقل المدبر لسياسة بوتين الخارجية، قلما تجري الإشارة إلى الشخصية الأكثر تأثيراً في تفكير بوتين ورؤيته للعالم، وهو الفيلسوف إيفان إيلان.
بدأ بوتين يشير إلى إيلان في خطاباته العامة، اعتباراً من عام 2006، لترويج مفهوم "الديمقراطية السيادية" (sovereign democracy). لفت اسمه الانتباه على نطاقٍ واسع عندما طلب بوتين، أواخر 2014، من حكام الأقاليم الروسية تخصيص جزءٍ من عطلة عيد الميلاد في قراءة كتاب إيلان "رسالتنا" (OUR MISSION). تأثير إيلان ونفوذه بلغا الكنيسة الأرثوذكسية التي أخذت تعدّه من رموز الإحياء الديني في روسيا، فمن هو إيلان هذا، ولماذا يستأثر بكل الاهتمام في روسيا هذه الأيام، ولماذا يتمتع بكل هذا التأثير على عقل بوتين وروحه؟
لم يكن إيلان المولود في موسكو لعائلة أرستقراطية في 1883 مفكراً بالمعنى السائد، بل كان كاتباً شعبوياً، مسكوناً بنظرية المؤامرة، وقومياً روسياً متأثراً بنزعات فاشية. بدأ إيلان حياته الجامعية فوضوياً، قبل أن يتحوّل إلى اليمين، وعلى الرغم من أنه رفض القتال في جيش القيصر، إلا أنه تم نفيه من روسيا في 1922، باعتباره من ألد أعداء الثورة البلشفية، وذلك ضمن مجموعةٍ من 160 مفكراً وفيلسوفاً ومؤرخاً، أطلق عليهم اسم "الروس البيض". أمضى إيلان السنوات العشر التالية من عمره في ألمانيا يكتب البيانات، ويحاضر ضد حكم البلاشفة في موسكو، وكان مسكوناً بالفكرة "الأوراسية"، ليس باعتبارها كتلةً بشرية جغرافية فحسب، بل باعتبارها "أيديولوجيا" تنقض كلياً الفكرة البلشفية.
بدأ إيلان، اعتبارا من عام 1933، بتمجيد هتلر وموسوليني، وفي مقالته "الاشتراكية القومية: روح جديدة"، رحّب بصعود الفاشية، باعتبارها رداً طبيعياً على تجاوزات البلشفية الفكرية وشطحاتها الفلسفية، واعتبر أن الانضباط والانبعاث القومي والعدالة الاجتماعية من فضائل الحكم المستبد. وعلى الرغم من هزيمة ألمانيا وإيطاليا في الحرب، إلا أن إيلان لم يتخلّ عن إيمانه بقيم النازية والفاشية التي "تدعو إلى العدالة وسمو الوطن"، على الرغم من أنه انتقد أخطاء هتلر التي أدت إلى الهزيمة، تمنى أن يتمكّن فرانكو في إسبانيا وسالازار في البرتغال من تجنب هذه الأخطاء.
وبعدائه الشديد البلشفية السوفياتية والديمقراطية الليبرالية الغربية، أخذ إيلان يركز، منذ أواخر الأربعينيات، على مستقبل روسيا، محاولاً أن يرسم لها طريقاً ثالثاً، يقوم على إعادة الاعتبار للكنيسة الأرثوذكسية وزرع القيم المسيحية وإحياء التقاليد الوطنية. وفي 1950 نشر إيلان مقالة توقع فيها انهيار الاتحاد السوفييتي، ووضع برنامجاً من 12 نقطة لإنقاذ روسيا من المؤامرة الغربية، بمجرد حصول الانهيار، تعد اليوم برنامج عمل للكرملين في سياساته الداخلية والخارجية.
يرى إيلان أن العالم الروسي وحدة جغرافية تاريخية قائمة بذاتها، تسكنها الروح الأورو- آسيوية، وأن هدف الغرب النهائي تدمير هذه الروح، وفرط عقد الأمة الروسية، ابتداءً من أوكرانيا التي ينكر عليها الحق في إنشاء دولة خاصة بها، لأنه لا يوجد شيء اسمه الأمة الأوكرانية. ويحذّر إيلان من تبني قيم الديمقراطية، لأنها لا تتناسب وخصائص الأمة الروسية، التي تحتاج إلى زعيم فرد قوي، قادر على إبقائها قويةً وموحدة، فالقادة المنتخبون برأيه غالباً ما يكونون دمىً تابعة للغرب ومرتبطين بمصالحه. لا عجب إذاً أن يشعر الأوروبيون، أو بعضهم على الأقل، بقلق شديد، وقد حشروا بين يمين موسكو الأوراسي المطعّم بنكهةٍ نازية، ويمين واشنطن الانعزالي، في وقتٍ تتنامى فيه قوى اليمين بين ظهرانيهم.
وفيما يتم التركيز على صعود اليمين الشعبوي في عموم الغرب، نادراً ما تجري الإشارة إلى الأجندة اليمينية المحافظة التي يتبناها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفيما يتم التركيز إعلامياً أيضاً على شخصية المفكر الروسي، ألكسندر دوغين، باعتباره العقل المدبر لسياسة بوتين الخارجية، قلما تجري الإشارة إلى الشخصية الأكثر تأثيراً في تفكير بوتين ورؤيته للعالم، وهو الفيلسوف إيفان إيلان.
بدأ بوتين يشير إلى إيلان في خطاباته العامة، اعتباراً من عام 2006، لترويج مفهوم "الديمقراطية السيادية" (sovereign democracy). لفت اسمه الانتباه على نطاقٍ واسع عندما طلب بوتين، أواخر 2014، من حكام الأقاليم الروسية تخصيص جزءٍ من عطلة عيد الميلاد في قراءة كتاب إيلان "رسالتنا" (OUR MISSION). تأثير إيلان ونفوذه بلغا الكنيسة الأرثوذكسية التي أخذت تعدّه من رموز الإحياء الديني في روسيا، فمن هو إيلان هذا، ولماذا يستأثر بكل الاهتمام في روسيا هذه الأيام، ولماذا يتمتع بكل هذا التأثير على عقل بوتين وروحه؟
لم يكن إيلان المولود في موسكو لعائلة أرستقراطية في 1883 مفكراً بالمعنى السائد، بل كان كاتباً شعبوياً، مسكوناً بنظرية المؤامرة، وقومياً روسياً متأثراً بنزعات فاشية. بدأ إيلان حياته الجامعية فوضوياً، قبل أن يتحوّل إلى اليمين، وعلى الرغم من أنه رفض القتال في جيش القيصر، إلا أنه تم نفيه من روسيا في 1922، باعتباره من ألد أعداء الثورة البلشفية، وذلك ضمن مجموعةٍ من 160 مفكراً وفيلسوفاً ومؤرخاً، أطلق عليهم اسم "الروس البيض". أمضى إيلان السنوات العشر التالية من عمره في ألمانيا يكتب البيانات، ويحاضر ضد حكم البلاشفة في موسكو، وكان مسكوناً بالفكرة "الأوراسية"، ليس باعتبارها كتلةً بشرية جغرافية فحسب، بل باعتبارها "أيديولوجيا" تنقض كلياً الفكرة البلشفية.
بدأ إيلان، اعتبارا من عام 1933، بتمجيد هتلر وموسوليني، وفي مقالته "الاشتراكية القومية: روح جديدة"، رحّب بصعود الفاشية، باعتبارها رداً طبيعياً على تجاوزات البلشفية الفكرية وشطحاتها الفلسفية، واعتبر أن الانضباط والانبعاث القومي والعدالة الاجتماعية من فضائل الحكم المستبد. وعلى الرغم من هزيمة ألمانيا وإيطاليا في الحرب، إلا أن إيلان لم يتخلّ عن إيمانه بقيم النازية والفاشية التي "تدعو إلى العدالة وسمو الوطن"، على الرغم من أنه انتقد أخطاء هتلر التي أدت إلى الهزيمة، تمنى أن يتمكّن فرانكو في إسبانيا وسالازار في البرتغال من تجنب هذه الأخطاء.
وبعدائه الشديد البلشفية السوفياتية والديمقراطية الليبرالية الغربية، أخذ إيلان يركز، منذ أواخر الأربعينيات، على مستقبل روسيا، محاولاً أن يرسم لها طريقاً ثالثاً، يقوم على إعادة الاعتبار للكنيسة الأرثوذكسية وزرع القيم المسيحية وإحياء التقاليد الوطنية. وفي 1950 نشر إيلان مقالة توقع فيها انهيار الاتحاد السوفييتي، ووضع برنامجاً من 12 نقطة لإنقاذ روسيا من المؤامرة الغربية، بمجرد حصول الانهيار، تعد اليوم برنامج عمل للكرملين في سياساته الداخلية والخارجية.
يرى إيلان أن العالم الروسي وحدة جغرافية تاريخية قائمة بذاتها، تسكنها الروح الأورو- آسيوية، وأن هدف الغرب النهائي تدمير هذه الروح، وفرط عقد الأمة الروسية، ابتداءً من أوكرانيا التي ينكر عليها الحق في إنشاء دولة خاصة بها، لأنه لا يوجد شيء اسمه الأمة الأوكرانية. ويحذّر إيلان من تبني قيم الديمقراطية، لأنها لا تتناسب وخصائص الأمة الروسية، التي تحتاج إلى زعيم فرد قوي، قادر على إبقائها قويةً وموحدة، فالقادة المنتخبون برأيه غالباً ما يكونون دمىً تابعة للغرب ومرتبطين بمصالحه. لا عجب إذاً أن يشعر الأوروبيون، أو بعضهم على الأقل، بقلق شديد، وقد حشروا بين يمين موسكو الأوراسي المطعّم بنكهةٍ نازية، ويمين واشنطن الانعزالي، في وقتٍ تتنامى فيه قوى اليمين بين ظهرانيهم.