غزلية: امرأة
في الجهة الأخرى من النهر، في البستان على الهضبة، قالتْ
امرأة، أحيانًا قبضةٌ من ترابٍ أحمر يمكن أنْ تشبع امرأة.
ما تزال تتحدّثُ، رغم أنّها صامتة؛
ما تزال امرأة، رغم أنّها لامرئية.
أحببتُ رجلًا، أحببتُ مدينةً، أحببتُ لغةً.
أحببتُ، ظُنَّ ما شئتَ، امرأةً.
لم يعترض أحدٌ ضدّ قانون منع الكلام،
إلى أنّ صبيّاً، إلى أنّ راهبًا، إلى أنّ امرأة ...
مَن كان يظنّ أنّهم سيتردّدون في قتل طفل،
مَن كان يظنّ أنّهم سيتردّدون في قتل امرأة؟
تتنكّبُ ريتا بندقيّتها أمام الزجاج الرائي.
هناك أكثر من طريقة يمكن للِّباسِ الرسمي إثارة امرأة.
الحكواتي بشعر أشهب وبلا ثديين
يكتب كلمات ويشطبها ما يزال امرأة.
■ ■ ■
غزَلية: في الريح
(إلى سميّة)
أنينُ النّاي المنفيّ المعلّق هناك في الريح
يترجمُ لغةً نستطيع أن نتقاسمها في الريح.
كلماتُ الشاعر ألبَسها الخطّاطون الذهبيّ واللازوردي،
تسيلُ طريّة، سوداء عارية في الريح.
العلماءُ والسيّاح والحجّاج
حشدٌ تجاوزَ المقام، يخرج ويحدّق في الريح.
لا توجد حجرة خلف الألواح الفاصلة.
هي خرجتْ إلى الحقل، ركعتْ وصلّتْ في الريح.
وحيدةً، ألقت وشاحها برشاقة تحت شجرة ليمون،
ركضتْ دربَ العنزة بشعرها المجدول في الريح.
أنت تدري سيكون سلامٌ وعدل؟
أيّ صوتٍ أبلغك تاريخكَ كان عادلاً في الريح؟
ثعلبٌ حُذف من قصيدة أخرى
تقرفصَ بجانب مدخل عرينه في الريح.
ما كلّ هذا الهذر من المستشرقِ
في أيّ مكانٍ لم تُسمع الكثير من المفردات؟ في الريح.
ينسج الحكواتي قصّة أخرى،
ثوبًا يمكن للمسافر أنْ يرتديه في الريح.
■ ■ ■
غزلية: خارج الباب
(إلى فارخندة وبينا)
ضحكٌ، موسيقى، أصواتٌ تتغنّى بأشعارٍ يمكن سماعها خارج الباب.
الطفلةُ الصغيرة تحفظ كلّ كلمة خارج الباب.
ضوءٌ في بئرِ السُلّم، يُرى خلل ثُقبِ يهوذا:
أهذا الزائر الذي تتوق إليه أو الذي خِفته خارج الباب؟
لساعات طويلة في ضوء مصباح يتدرّب على نغمات،
مطابقة لصولفاج طائرٍ خارج الباب.
الدبلوماسي داخلًا مكتب القائد
يتركُ الأقباط، الشيوعيين، الأكراد خارج الباب.
مديحٌ للقائد، وفاءٌ حتى الموت!
شتيمةٌ أخرى يُهمس بها خارج الباب.
الحبيبة الأولى رحلَتْ، الثانية ترتّب حقائبها.
أتِلكَ خطوات الثالثة خارج الباب؟
الذاتُ مرآة، بوستر ملوّن ساطع،
لكن لاحظ كيف تتغبّش الألوان خارج الباب.
المرأة الغسّالة الثوريّة البلا اسم
تفكّر "ما الذي حدث لحلم أُجّل" خارج الباب.
■ ■ ■
غزلية: من أجلها
إيماءةُ اللحظة تغبّش الوقفة التي اتخذتها لها
كأنّك عرفتَ أيّ مستقبل نُبّئ لها.
هل هناك درس في الفقد وتقليل الخسائر،
وما يتوجّب عمله للانضمام إليها؟
يمكنني السير إلى الساقية ومشاهدة العبّارات
من قدم الجسر، لكنّ هذا الصباح باردٌ عليها.
كلّما مدح الدبلوماسيُّ الدكتاتور
أو هدّده، تمّ العفو على عشرة سجناء لأجلها.
مَن يرغب في فرض القصائد على القرّاء المتردّدين؟
خلِّها في الدفاتر، انتظرْ أنْ تداهن من أجلها.
تقترب يدُ العاشق ليد المحبوب،
كما تفعل يدك أيضا. هل هرمتَ لأجلها؟
يا عيني، إذا زلزلت الثورة غفوتك
استيقظ، افتح عينيك، ذراعيك، وكن جَلَدًا من أجلها.
■ ■ ■
مرآة الغريب
بجانب رفّ كتبها، في معطفه الشتوي،
سترة النديم محفّفة بألياف من قطن،
ومَن ذا الذي لم يقل له، "إذن ابقَ ..."
فقد كان هناك الكثير لقوله دفعة واحدة،
لكن كانت تلك دعوة قَرن آخر.
أسئلتها، مزحًا بلسانين جاءت
من شفتين مجعّدتين وحنجرة مسلوخة
لامرأة ستينية.
وحيدة، ومع أبجدية متاحة
لمْ تعد تجدّد الذهن الوقّاد،
مسكِّناً فعّالاً وحميميّاً،
ولم تتوقّف عند منضدتها المملوءة لتتوقع
كارثة قد تكون سبباً فيها
إذا كان عنقها ناعمًا. إذا كان لها نهدان.
* ترجمة: عاشور الطويبي
صديقة العرب
تعتبر مارلين هاكر واحدة من أهم شعراء بلادها المعاصرين، وهي أيضاً من أكثرهم قرباً إلى الثقافة العربية وقضاياها. ساهمت في كسر حواجز اللغة والأديان والأعراق، وذلك باتخاذها لمواقف تناصر المرأة، والمظلومين في كلّ مكان، ولم تخف حبّها الشديد للعرب وآدابهم، بل مضت - في سن متقدمة - إلى تعلّم لغتهم وكتابة قصائد بها. من شعرائها المحببين إليها من القدامى أبو العلاء المعري.
وُلدت مارلين هاكر عام 1942، وبدأت النشر منذ سبعينيات القرن الماضي وظهَرَ عملها الشعري الأوّل عام 1974. وهي تعيش، منذ عام 1985، بين نيويورك وباريس. تشغل اليوم باحث زائر في كرسي إدوارد سعيد في "الجامعة الأميركية" ببيروت.
إلى جانب تجربتِها الواسعة في ترجمة الشعر الفرنسي إلى الإنكليزية، وفي التحرير الأدبي (من بينها رئاسة تحرير مجلة Kenyon Review بين 1990 و1994)؛ تُدرِّسُ هاكر الأدب الفرنسي في الجامعة بالولايات المُتحدة الأميركية. أمّا نشاطُها بباريس فيتوزّع بين الترجمة والمشاركة في هيئة تحرير مجلة "القرن 21".
نالت مارلين هاكر جوائز أدبية وشعرية عديدة، وحصلت عام 2009 على "جائزة PEN" الأميركية في الشعر، وكُرّمت عربياً بـ "جائزة الأركانة" المغربية عام 2012. وقد شغلت موقع مستشارة أكاديمية الشعراء الأميركيين بين عامي 2008 و2014.
لها في الشعر قرابة سبعة عشر إصداراً، من بينها: "فراق" (1976)، "افتراضات" (1985)، "الحبّ، الموت، وتقلُّبات الفصول" (1986)، "العودة إلى النهر"، 1990، "باحات وميادين"، 2000، "أسماء"، 2009، "مرآة الغريب" (2015). من ضمن ترجماتها من المدونة الشعرية الفرنسية إلى الإنكليزية، ترجمت أعمالاً لشاعرات وشعراء عرب يكتبون بالفرنسية، وشاركت في ترجمة أعمال شعراء عرب معاصرين.