27 يوليو 2020
في الحب
في جولة نهارية في الشارع لن تفتقد أسبابا إضافية للتعاسة. فإذا كنت محظوظا مثلي ولم يمتلئ إناؤك عن آخره بعد كل ما نعيشه، فها هو الشارع الذي أكل الدهر على أسفلته وشرب حتى لتتعجب من وصفه شارعا في مدينة كبرى في القرن الواحد والعشرين.
وها هي الألواح الخرسانية التي تحيط بمدخل الكنيسة معززة بجوالات الرمال المرصوصة وكأنها دشمة حربية وليست بيتا لله، ترمقها بطرف عينك بكل وجع القلب والخجل من إخوة الوطن المضطرين لحماية أرواحهم بهذا الشكل المهين للجميع.
ثم تتقدم قليلا لتجد قسم الشرطة الذي تطاول ليأكل الرصيف كله وجزءا من نهر الشارع، بل ويغلق الشارع المجاور للقسم تماما ويحوله مع الوقت إلى مرفأ لسياراته، ومجلس لكتبته ومن يحتاجهم من المواطنين، بالإضافة لمقلب قمامة مصغر للمجندين وزائري القسم.
ثم تُفاجأ بهدم فيلا أخرى من القلائل الباقية في الإسكندرية. متنفس آخر للشمس والهواء والخضرة والحياة يضنّون به علينا، لينمو مكانه تنين مجنح جديد على كامل المساحة وبسرعة البرق وبارتفاع عشرين طابقا حاجبا النور والهواء! ولن تعدم مصادفة قط صغير نافق بجانب الرصيف، أو كلب شارع أجرب نحيل متعب، أو شتلة صغيرة جافة تعاني الإهمال والعطش.
ولن تفتقد المكفهرين، والمتحفزين، والمتعاركين، ومن تلطم طفلها ذا السابعة على وجهه وسط الشارع وأمام المارة لأي سبب كان، مطلقة كل طاقات إحباطها وغضبها من نفسها ومن العالم! أو من يسبّ زميله بأبشع الألفاظ طلبا للضحك! أو من يخطئ ولا يعتذر، أو من لا يرد السلام ولا الشكر..ولا يبدأ أحدا بهما أبدا..
لكنني مع كل ذلك أضمن لك مشاهدة أحدهم يخرج من دكانه حاملا زجاجة مياه بلاستيكية ليسقي شجيرات الرصيف التائقة لجرعة محبته تلك لتتشبث مثلنا بالبقاء.
وأضمن لك أن تسمع صوت فيروز فجأة منطلقا من محل بقالة أو من نافذة سيارة فتدندن وراءه وكأنه قرص بانادول يسكّن صداع العالم.
أو أن تفرح لرؤية ضابط المرور الطيب الممتلئ متوسط العمر الذي يقف بجوار دراجته النارية قرب العصر ليؤدي مهمته في تيسير الحياة على الناس بجدية وتواضع.. والذي للعجب لا يحتاج في ذلك لارتداء نظارة شمسية ثمينة جدا!
أو أن ترى من يحمل الأكياس عن زوجته ويضاحكها وهما يسرعان للحاق بالترام، فتتأكد من أن الزوج خفيف الظل رزق كما يروق للنساء أن يمزحن ساخرات.. وكذلك الزوجة الضاحكة المتجاوبة رزق آخر!
أو أن يوشك سائق التريسكل الخمسيني البسيط على مزاحمتك في الشارع والاحتكاك بجانب السيارة، فتنظر له بلوم عارضا عليه أخذ مرآة السيارة الجانبية لو كان هذا هدفه! فيضحك كثيرا وكأنه بحاجة للضحك والله، ثم يميل برأسه لمواجهة نافذتك تماما قائلا من قلبه: نهارك زي العسل!
أو أن تصادف في إحدى الإشارات صغيرة جميلة في الخامسة، تستند بذقنها على نافذة السيارة وأمها بجوارها مشغولة بالقيادة وبحديث الهاتف، وهي سارحة في أحلام طفولتها التي تتمنى أن تكون سعيدة، فتفاجئها بالنظر لعينيها الخضراوين وشعرها المجعد الجميل وتقول باسما: إيه الجمال ده بس! لتجدها تلتفت للأمام بسرعة وبمنتهى الخجل.. ثم تلمح جانب وجهها المنمنم وقد انفرجت شفتاها الصغيرتان فيه عن ابتسامة واسعة تفتح لقلبك كل أقفال العالم!
قالتها الست يا عزيزي: "وأهو من ده وده.. الحب كده" .. حب الحياة بالكدر والمسرات معا. خلطة الحب هي كده فعلا.. المهم ألا يعدمه قلبك أبدا..
مساء المحبة..
وها هي الألواح الخرسانية التي تحيط بمدخل الكنيسة معززة بجوالات الرمال المرصوصة وكأنها دشمة حربية وليست بيتا لله، ترمقها بطرف عينك بكل وجع القلب والخجل من إخوة الوطن المضطرين لحماية أرواحهم بهذا الشكل المهين للجميع.
ثم تتقدم قليلا لتجد قسم الشرطة الذي تطاول ليأكل الرصيف كله وجزءا من نهر الشارع، بل ويغلق الشارع المجاور للقسم تماما ويحوله مع الوقت إلى مرفأ لسياراته، ومجلس لكتبته ومن يحتاجهم من المواطنين، بالإضافة لمقلب قمامة مصغر للمجندين وزائري القسم.
ثم تُفاجأ بهدم فيلا أخرى من القلائل الباقية في الإسكندرية. متنفس آخر للشمس والهواء والخضرة والحياة يضنّون به علينا، لينمو مكانه تنين مجنح جديد على كامل المساحة وبسرعة البرق وبارتفاع عشرين طابقا حاجبا النور والهواء! ولن تعدم مصادفة قط صغير نافق بجانب الرصيف، أو كلب شارع أجرب نحيل متعب، أو شتلة صغيرة جافة تعاني الإهمال والعطش.
ولن تفتقد المكفهرين، والمتحفزين، والمتعاركين، ومن تلطم طفلها ذا السابعة على وجهه وسط الشارع وأمام المارة لأي سبب كان، مطلقة كل طاقات إحباطها وغضبها من نفسها ومن العالم! أو من يسبّ زميله بأبشع الألفاظ طلبا للضحك! أو من يخطئ ولا يعتذر، أو من لا يرد السلام ولا الشكر..ولا يبدأ أحدا بهما أبدا..
لكنني مع كل ذلك أضمن لك مشاهدة أحدهم يخرج من دكانه حاملا زجاجة مياه بلاستيكية ليسقي شجيرات الرصيف التائقة لجرعة محبته تلك لتتشبث مثلنا بالبقاء.
وأضمن لك أن تسمع صوت فيروز فجأة منطلقا من محل بقالة أو من نافذة سيارة فتدندن وراءه وكأنه قرص بانادول يسكّن صداع العالم.
أو أن تفرح لرؤية ضابط المرور الطيب الممتلئ متوسط العمر الذي يقف بجوار دراجته النارية قرب العصر ليؤدي مهمته في تيسير الحياة على الناس بجدية وتواضع.. والذي للعجب لا يحتاج في ذلك لارتداء نظارة شمسية ثمينة جدا!
أو أن ترى من يحمل الأكياس عن زوجته ويضاحكها وهما يسرعان للحاق بالترام، فتتأكد من أن الزوج خفيف الظل رزق كما يروق للنساء أن يمزحن ساخرات.. وكذلك الزوجة الضاحكة المتجاوبة رزق آخر!
أو أن يوشك سائق التريسكل الخمسيني البسيط على مزاحمتك في الشارع والاحتكاك بجانب السيارة، فتنظر له بلوم عارضا عليه أخذ مرآة السيارة الجانبية لو كان هذا هدفه! فيضحك كثيرا وكأنه بحاجة للضحك والله، ثم يميل برأسه لمواجهة نافذتك تماما قائلا من قلبه: نهارك زي العسل!
أو أن تصادف في إحدى الإشارات صغيرة جميلة في الخامسة، تستند بذقنها على نافذة السيارة وأمها بجوارها مشغولة بالقيادة وبحديث الهاتف، وهي سارحة في أحلام طفولتها التي تتمنى أن تكون سعيدة، فتفاجئها بالنظر لعينيها الخضراوين وشعرها المجعد الجميل وتقول باسما: إيه الجمال ده بس! لتجدها تلتفت للأمام بسرعة وبمنتهى الخجل.. ثم تلمح جانب وجهها المنمنم وقد انفرجت شفتاها الصغيرتان فيه عن ابتسامة واسعة تفتح لقلبك كل أقفال العالم!
قالتها الست يا عزيزي: "وأهو من ده وده.. الحب كده" .. حب الحياة بالكدر والمسرات معا. خلطة الحب هي كده فعلا.. المهم ألا يعدمه قلبك أبدا..
مساء المحبة..