27 ابريل 2016
في السجال على الاتفاق النووي
في السباق المحتدم، بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الفوز في الكونغرس، بموقف مؤيد للاتفاق النووي مع إيران؛ أحس الأول أن روايته لتمرير الاتفاق هشة ومعرضة للكسر، بفعل ضربات نتنياهو، فأضاف أوباما إلى عناصر الإقناع قوله "إذا أطاح الكونغرس الاتفاق، سنفقد أكثر من القيود على برنامج إيران النووي، أو العقوبات التي فرضناها بدقة. سنفقد شيئاً أكثر قيمة: المصداقية الأميركية كقائدة للديبلوماسية، وكمرتكز للنظام العالمي"!
نحن، هنا، بصدد ثلاث حقائق تتعلق بالإرادات، واجبة التأمل. الأولى أن المصداقية التي يتحدّث عنها أوباما لم تنشأ إلا بسبب هُزال الدول التي طاوعت واشنطن، ولم تعترض على سياساتها، وفتحت لها باباً واسعاً للتأثير في خياراتها، أو حتى لحسمها، علماً أن احترام الدول خيارات شعبها الوطنية، في السياسة وفي التنمية، وعلى صعيد الشراكة الاقتصادية، يمكن أن يوفر على الشعوب المظلومة شقاءً كبيراً، وأن يفيد النظام الدولي والعلاقات بين الأمم، ويرفد المنظومة الأممية بكل ما يساعد على تكريس العدالة والاحترام المتبادل. الحقيقة الثانية، أن إيران التي حوصرت اقتصادياً تمكّنت، بموقفها المعاند وجهة السياسة الأميركية، والقادر، في الوقت نفسه، في البرهنة على الأرض (في العراق مثلاً) على أن كسب ودها أمر محمود في السياسة الأميركية الرشيدة، وهذا ما تفتقده الغالبية العظمى من دول آسيا وإفريقيا. وفي الحقيقة الثالثة، استطاع نتنياهو أخذ موقف الهجوم على الإدارة، بدل الدفاع عن سياساتٍ لا يختلف اثنان في العالم على قبحها ومجافاتها السلم العالمي، على الرغم من اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة في بقائها، وفي التمسك بسياسات غليظة ومستفزة للمجتمع الدولي، وفي تطوير مؤسستها العسكرية.
في الحقيقة الأولى، المتعلقة بالمصداقية الديبلوماسية، بدا أوباما متعامياً عن فقدان الإدارة أية مصداقية حيال قضايا أخرى. وهو، في هذا التعامي، يعتمد على رضوخ حكومات ودول لخيارات الولايات المتحدة في سياساتها الداخلية والخارجية. فعلى صعيد القضية الفلسطينية، كان عجز الحكومات المؤيدة حلاً متوازناً، والرافضة نظرياً عربدة إسرائيل، سبباً في تخليق الشعور لدى الرئيس الأميركي بأن ديبلوماسية واشنطن على ما يرام، ولا زيادة بعدها لمستزيد. فلو تبنت هذه الحكومات وقفة موضوعية مع الإدارة الأميركية، وخيّرتها بين التعاون البناء أو الخصومة؛ لكان لهذه الإدارة موقف آخر، ولما رأت نفسها ذات دبلوماسية تتمتع بالمصداقية.
في هذه الحقائق الثلاث، تعبّر اثنتان منها على الأهمية الحاسمة لبناء القوة. فإيران التي ثابرت على برنامج نووي، واعتمدت سياسة مستقلة، وصمدت في وجه عقوبات لم تؤذها وحدها، وإنما أضرّت بشركائها الاقتصاديين، واستفادت من موقعها الجغرافي المطل على منابع البترول، وعلى طرق مواصلاته، وعلى مسارح التوتر في المشرق العربي؛ فرضت على الولايات المتحدة أن تحسب جيداً، قبل الإقدام على أي عمل أخرق، أو قبل أن تحسم أمر إيران، باعتبارها دولة فاقدة للقدرة على التمسك بخياراتها. فعلى هذا الصعيد، كان جوهر خطاب أوباما، في الدفاع عن الاتفاق النووي، تخيير إسرائيل والكونغرس في بلده، بين السيئ والأسوأ، واتضح هذا جلياً، في خطاب أخير لأوباما، عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" أمام ممثلي 20 منظمة يهودية، شرح لهم أن التخلي عن الاتفاق مع إيران يعني الحرب التي ستدفع إسرائيل، قبل غيرها، ثمنها الباهظ. وفي خطاب، في الجامعة الأميركية في واشنطن، اعتبر أن الاتفاق النووي الخيارَ الذي سيُجنب المنطقة حرباً طويلة، محذّراً من رفض الكونغرس الاتفاق، وقال: "إن رفض الاتفاق سيجعل أيّة إدارة أميركية مصممة على منع إيران من حيازة سلاح نووي؛ تواجه خياراً وحيداً: حرب أخرى في الشرق الأوسط. لا أقول ذلك لأكون تحريضياً. إنه واقع".
كأنما اللعبة الآن، في المنطقة، بين قوتين مدججتين بالسلاح، وتضيع بين الأقدام مصالح وقضايا أمةٍ أكثر إنفاقاً على السلاح، وأقل احتراماً لنفسها.
نحن، هنا، بصدد ثلاث حقائق تتعلق بالإرادات، واجبة التأمل. الأولى أن المصداقية التي يتحدّث عنها أوباما لم تنشأ إلا بسبب هُزال الدول التي طاوعت واشنطن، ولم تعترض على سياساتها، وفتحت لها باباً واسعاً للتأثير في خياراتها، أو حتى لحسمها، علماً أن احترام الدول خيارات شعبها الوطنية، في السياسة وفي التنمية، وعلى صعيد الشراكة الاقتصادية، يمكن أن يوفر على الشعوب المظلومة شقاءً كبيراً، وأن يفيد النظام الدولي والعلاقات بين الأمم، ويرفد المنظومة الأممية بكل ما يساعد على تكريس العدالة والاحترام المتبادل. الحقيقة الثانية، أن إيران التي حوصرت اقتصادياً تمكّنت، بموقفها المعاند وجهة السياسة الأميركية، والقادر، في الوقت نفسه، في البرهنة على الأرض (في العراق مثلاً) على أن كسب ودها أمر محمود في السياسة الأميركية الرشيدة، وهذا ما تفتقده الغالبية العظمى من دول آسيا وإفريقيا. وفي الحقيقة الثالثة، استطاع نتنياهو أخذ موقف الهجوم على الإدارة، بدل الدفاع عن سياساتٍ لا يختلف اثنان في العالم على قبحها ومجافاتها السلم العالمي، على الرغم من اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة في بقائها، وفي التمسك بسياسات غليظة ومستفزة للمجتمع الدولي، وفي تطوير مؤسستها العسكرية.
في الحقيقة الأولى، المتعلقة بالمصداقية الديبلوماسية، بدا أوباما متعامياً عن فقدان الإدارة أية مصداقية حيال قضايا أخرى. وهو، في هذا التعامي، يعتمد على رضوخ حكومات ودول لخيارات الولايات المتحدة في سياساتها الداخلية والخارجية. فعلى صعيد القضية الفلسطينية، كان عجز الحكومات المؤيدة حلاً متوازناً، والرافضة نظرياً عربدة إسرائيل، سبباً في تخليق الشعور لدى الرئيس الأميركي بأن ديبلوماسية واشنطن على ما يرام، ولا زيادة بعدها لمستزيد. فلو تبنت هذه الحكومات وقفة موضوعية مع الإدارة الأميركية، وخيّرتها بين التعاون البناء أو الخصومة؛ لكان لهذه الإدارة موقف آخر، ولما رأت نفسها ذات دبلوماسية تتمتع بالمصداقية.
في هذه الحقائق الثلاث، تعبّر اثنتان منها على الأهمية الحاسمة لبناء القوة. فإيران التي ثابرت على برنامج نووي، واعتمدت سياسة مستقلة، وصمدت في وجه عقوبات لم تؤذها وحدها، وإنما أضرّت بشركائها الاقتصاديين، واستفادت من موقعها الجغرافي المطل على منابع البترول، وعلى طرق مواصلاته، وعلى مسارح التوتر في المشرق العربي؛ فرضت على الولايات المتحدة أن تحسب جيداً، قبل الإقدام على أي عمل أخرق، أو قبل أن تحسم أمر إيران، باعتبارها دولة فاقدة للقدرة على التمسك بخياراتها. فعلى هذا الصعيد، كان جوهر خطاب أوباما، في الدفاع عن الاتفاق النووي، تخيير إسرائيل والكونغرس في بلده، بين السيئ والأسوأ، واتضح هذا جلياً، في خطاب أخير لأوباما، عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" أمام ممثلي 20 منظمة يهودية، شرح لهم أن التخلي عن الاتفاق مع إيران يعني الحرب التي ستدفع إسرائيل، قبل غيرها، ثمنها الباهظ. وفي خطاب، في الجامعة الأميركية في واشنطن، اعتبر أن الاتفاق النووي الخيارَ الذي سيُجنب المنطقة حرباً طويلة، محذّراً من رفض الكونغرس الاتفاق، وقال: "إن رفض الاتفاق سيجعل أيّة إدارة أميركية مصممة على منع إيران من حيازة سلاح نووي؛ تواجه خياراً وحيداً: حرب أخرى في الشرق الأوسط. لا أقول ذلك لأكون تحريضياً. إنه واقع".
كأنما اللعبة الآن، في المنطقة، بين قوتين مدججتين بالسلاح، وتضيع بين الأقدام مصالح وقضايا أمةٍ أكثر إنفاقاً على السلاح، وأقل احتراماً لنفسها.