الواحد والعشرون من آب/ أغسطس 2013، موعد لن يُمحى من الذاكرة السوريّة الحديثة، سنتان مرَّتا على المجزرة والمذبحة الأكثر إيلاماً من مجموعة مجازر ارتكبها النظام الأكثر دمويةً وإجراماً في العصر الحديث وهو "النظام الكيماوي الأسدي".
في الساعة الثانية والدقيقة الواحدة والثلاثين فجراً، ابتدأ إطلاق صواريخ من نوع أرض أرض، تحملُ رؤوساً كيماوية من اللواء 155 في جبال القلمون، على عدة مناطق من الغوطة الشرقية (جوبر- زملكا - عين ترما)، وبشكلٍ أقل بلدات عربين والمعضمية، ولم ينتهِ إطلاق هذه الصواريخ الحاملة لغاز السارين السام إلا بحدود الخامسة والعشرين دقيقة فجراً من ذلك الصباح المشؤوم.
ذُهل السوريّون والعالم كلّهُ يومها أيضاً من الصور التي بدأت تظهر تباعاً لما ظهر بأنّه مجزرة مرّوعة، لكنها كانت متمايزة ًعمّا سبقها من مجازر (الحولة - القبير) وغيرهما الكثير. فهي بلا دماء تسيل ولا أشلاءٍ متناثرة وبيوت مدمّرة، بل موتٌ مستجدٌ لم يألفه السوريون من قبل.
المئات من الأطفال قضوا في مضاجعهم بلا حراكٍ، وبلا معالم للموت بادية ٌعليهم سوى زبد يخرج من أنوفهم وأفواههم، وأجسادُ شاحبة مُزرقّة، ونتيجة ً للحصار المفروض على هذه المناطق المنكوبة ونقص التجهيزات الطبية واجه الأهالي هذا الموت الغريب بالماء والبصل، فلا أقنعة واقية ولا أوكسجين يُسعف به المصابون، وحتى الأطباء والمُسعِفون أصيبوا بدورهم في ذلك اليوم.
أيُّ موت صامت ضرب هذه البقعة السوريّة المحاصرة أصلاً؟! في هذا اليوم لا نستطيع نسيان كلمات ذلك الأب المفجوع الذي كان يحملُ فلذات أكباده -بناته الثلاث- وهو يناجيهنَّ ويطلب منهن أن يقمن من سباتهنَّ العميق ويقول: "من يعيدهن ليّ"، وتلك الطفلة التي وجدت نفسها فجأة ًعلى سرير طبي تصرخُ بأعلى صوتها متسائلةً ما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة "أنا عايشة .. أنا عايشة"، أم ذلك العجوز الذي يحملُ حفيده المُسجّى بكفنٍ أبيض ليُري العالم ذاك "الإرهابي الصغير".
المئاتُ من الأطفال ماتوا بلا دماء في مجزرة العصر الكيماوي، وتحدّثت الأرقام أنّ عدد الشهداء وصل إلى "1400" شهيد، والآلاف من المصابين.
بدأ النظام المجرم بعدها حملته التضليلية التكذيبيّة لنفي كلّ ما جرى، وسانده "معارضون مفترضون" وأعضاء في هيئة التنسيق المعارضة كرئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "صالح مسلم" الذي صرَّح وقتها: "بأنه لا يعتقد أنّ الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجوم". وأضاف أنّ الرئيس السوري ليس غبياً ليستعملَ السلاح الكيميائي قرب دمشق وعلى بعد خمسة كيلومترات فقط من الفندق الذي يقيم فيه المفتشين الأمميين.
لكنَّ ردود الفعل الدولية كانت تحمّل النظام السوري مسؤولية الحادثة فالأميركيون كشفوا أنّ مخابراتهم رصدت نشاطاً في مواقع كيميائية سوريّة قبل 21 أغسطس/ آب، والمخابرات الألمانية كشفت عن اتصال جرى بين مسؤول كبير من حزب الله والسفارة الإيرانية في بيروت، يشيرُ لفقدان بشار الأسد لأعصابه واستخدامه للسلاح الكيميائي في الهجوم على الغوطة.
كانت الأصوات الدولية يومها تتعالى لضرورة محاسبة الأسد لتخطيه الخطوط الحمراء وبدت التهديدات جديّة ً في توجيه ضربة عقابية لنظامه، وتبلورت ملامح حلف ثلاثي (أميركي - بريطاني - فرنسي) لضرب الأسد، لكن وفي خضم المناقشات الحادة في الكونغرس الأميركي عن احتمالية الضربة العقابية للأسد ومآلاتها؛ أبرق نظام بشار وزير خارجيته إلى روسيا التي أعلنت أنّ النظام سيستغني عن أسلحته الكيميائية ويسلمها للمجتمع الدولي، وتلقفت إدارة أوباما هذه الصفقة التي أفلت من خلالها الأسد من العقاب المزعوم!.
أصيب السوريّون والعالم بخيبةٍ كبرى وبقدر عالٍ من المرارة والحسرة جرّاء هذا الاتفاق الذي جرَّد الأسد من "سلاح الردع الاستراتيجي" ومكّنه من مواصلة تقتيل السوريين ببراميل حقده، وكافة الأسلحة الأخرى من طيران وصواريخ بالستية وفراغية لا تُعتبر خرقاً أو فعلاً محرّماً بنظرٍ المجتمع الدولي!
وبعد نجاته من العقاب استخدم النظام بديلاً كيميائياً آخر وهو غاز الكلور الذي قامت قوات النظام الكيميائي برشه مرّات عديدة على مناطق مختلفة في سورية كـ (ريف حماة وإدلب) وغيرهما من المناطق الخارجة عن سيطرة قواته الإجراميّة.
مجزرةُ العصر الكيمياوية التي شكّلت حدثاً استثنائياً في الثورة السوريّة، كانت ستكون آخر فصول المعركة مع نظام مجرم كنظام الأسد، بيد أنّ المجتمع الدولي عاقب الأسد كما لو كان تلميذاً مشاكساً في مدرسةٍ ابتدائية سورية، يتلقى الوعيد والتهديد من أستاذهِ مراراً، ليفصل بعدها ثلاثة أيامٍ عن مدرسته كعقوبةٍ لعدم التزامه، ثمّ يعود لفصله الدراسي بعد انقضاء الأيام الثلاثة مفعماً بطاقاتٍ متجددة للشغب والمشاكسة، بصورةٍ أكثف من ذي قبل، وهذا ما فعله المجتمع الدولي مع نظام الإجرام الكيماوي، فتجريده من سلاح فتّاك دون غيره أطلق يده وبشكل أكبر في قتل الشعب السوري وبطرائق مختلفة ومتنوّعة.
(سورية)
في الساعة الثانية والدقيقة الواحدة والثلاثين فجراً، ابتدأ إطلاق صواريخ من نوع أرض أرض، تحملُ رؤوساً كيماوية من اللواء 155 في جبال القلمون، على عدة مناطق من الغوطة الشرقية (جوبر- زملكا - عين ترما)، وبشكلٍ أقل بلدات عربين والمعضمية، ولم ينتهِ إطلاق هذه الصواريخ الحاملة لغاز السارين السام إلا بحدود الخامسة والعشرين دقيقة فجراً من ذلك الصباح المشؤوم.
ذُهل السوريّون والعالم كلّهُ يومها أيضاً من الصور التي بدأت تظهر تباعاً لما ظهر بأنّه مجزرة مرّوعة، لكنها كانت متمايزة ًعمّا سبقها من مجازر (الحولة - القبير) وغيرهما الكثير. فهي بلا دماء تسيل ولا أشلاءٍ متناثرة وبيوت مدمّرة، بل موتٌ مستجدٌ لم يألفه السوريون من قبل.
المئات من الأطفال قضوا في مضاجعهم بلا حراكٍ، وبلا معالم للموت بادية ٌعليهم سوى زبد يخرج من أنوفهم وأفواههم، وأجسادُ شاحبة مُزرقّة، ونتيجة ً للحصار المفروض على هذه المناطق المنكوبة ونقص التجهيزات الطبية واجه الأهالي هذا الموت الغريب بالماء والبصل، فلا أقنعة واقية ولا أوكسجين يُسعف به المصابون، وحتى الأطباء والمُسعِفون أصيبوا بدورهم في ذلك اليوم.
أيُّ موت صامت ضرب هذه البقعة السوريّة المحاصرة أصلاً؟! في هذا اليوم لا نستطيع نسيان كلمات ذلك الأب المفجوع الذي كان يحملُ فلذات أكباده -بناته الثلاث- وهو يناجيهنَّ ويطلب منهن أن يقمن من سباتهنَّ العميق ويقول: "من يعيدهن ليّ"، وتلك الطفلة التي وجدت نفسها فجأة ًعلى سرير طبي تصرخُ بأعلى صوتها متسائلةً ما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة "أنا عايشة .. أنا عايشة"، أم ذلك العجوز الذي يحملُ حفيده المُسجّى بكفنٍ أبيض ليُري العالم ذاك "الإرهابي الصغير".
المئاتُ من الأطفال ماتوا بلا دماء في مجزرة العصر الكيماوي، وتحدّثت الأرقام أنّ عدد الشهداء وصل إلى "1400" شهيد، والآلاف من المصابين.
بدأ النظام المجرم بعدها حملته التضليلية التكذيبيّة لنفي كلّ ما جرى، وسانده "معارضون مفترضون" وأعضاء في هيئة التنسيق المعارضة كرئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "صالح مسلم" الذي صرَّح وقتها: "بأنه لا يعتقد أنّ الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجوم". وأضاف أنّ الرئيس السوري ليس غبياً ليستعملَ السلاح الكيميائي قرب دمشق وعلى بعد خمسة كيلومترات فقط من الفندق الذي يقيم فيه المفتشين الأمميين.
لكنَّ ردود الفعل الدولية كانت تحمّل النظام السوري مسؤولية الحادثة فالأميركيون كشفوا أنّ مخابراتهم رصدت نشاطاً في مواقع كيميائية سوريّة قبل 21 أغسطس/ آب، والمخابرات الألمانية كشفت عن اتصال جرى بين مسؤول كبير من حزب الله والسفارة الإيرانية في بيروت، يشيرُ لفقدان بشار الأسد لأعصابه واستخدامه للسلاح الكيميائي في الهجوم على الغوطة.
كانت الأصوات الدولية يومها تتعالى لضرورة محاسبة الأسد لتخطيه الخطوط الحمراء وبدت التهديدات جديّة ً في توجيه ضربة عقابية لنظامه، وتبلورت ملامح حلف ثلاثي (أميركي - بريطاني - فرنسي) لضرب الأسد، لكن وفي خضم المناقشات الحادة في الكونغرس الأميركي عن احتمالية الضربة العقابية للأسد ومآلاتها؛ أبرق نظام بشار وزير خارجيته إلى روسيا التي أعلنت أنّ النظام سيستغني عن أسلحته الكيميائية ويسلمها للمجتمع الدولي، وتلقفت إدارة أوباما هذه الصفقة التي أفلت من خلالها الأسد من العقاب المزعوم!.
أصيب السوريّون والعالم بخيبةٍ كبرى وبقدر عالٍ من المرارة والحسرة جرّاء هذا الاتفاق الذي جرَّد الأسد من "سلاح الردع الاستراتيجي" ومكّنه من مواصلة تقتيل السوريين ببراميل حقده، وكافة الأسلحة الأخرى من طيران وصواريخ بالستية وفراغية لا تُعتبر خرقاً أو فعلاً محرّماً بنظرٍ المجتمع الدولي!
وبعد نجاته من العقاب استخدم النظام بديلاً كيميائياً آخر وهو غاز الكلور الذي قامت قوات النظام الكيميائي برشه مرّات عديدة على مناطق مختلفة في سورية كـ (ريف حماة وإدلب) وغيرهما من المناطق الخارجة عن سيطرة قواته الإجراميّة.
مجزرةُ العصر الكيمياوية التي شكّلت حدثاً استثنائياً في الثورة السوريّة، كانت ستكون آخر فصول المعركة مع نظام مجرم كنظام الأسد، بيد أنّ المجتمع الدولي عاقب الأسد كما لو كان تلميذاً مشاكساً في مدرسةٍ ابتدائية سورية، يتلقى الوعيد والتهديد من أستاذهِ مراراً، ليفصل بعدها ثلاثة أيامٍ عن مدرسته كعقوبةٍ لعدم التزامه، ثمّ يعود لفصله الدراسي بعد انقضاء الأيام الثلاثة مفعماً بطاقاتٍ متجددة للشغب والمشاكسة، بصورةٍ أكثف من ذي قبل، وهذا ما فعله المجتمع الدولي مع نظام الإجرام الكيماوي، فتجريده من سلاح فتّاك دون غيره أطلق يده وبشكل أكبر في قتل الشعب السوري وبطرائق مختلفة ومتنوّعة.
(سورية)