24 نوفمبر 2020
في ذكرى الحرب الأميركية على العراق... تقييم وليست مقارنة
لا بد في البداية أن نثبت حقيقة أن النظام الشمولي في الحكم والإدارة مرفوض بحكم الطبيعة البشرية السوية، الإنسان لا يقبل بحكم متسلط باغٍ طاغٍ، فالمقارنة لن تكون بتفضيل نظام شمولي على وضع أُريد له بديل إنساني، يتعامل على أن الجميع متساوون، وأن العمران المادي والبشري هو الغاية بعد طيّ صفحات التدمير، النظم الشمولية انحراف عن الطبيعة الفطرية التي خلق الله عليها الإنسان، ولهذا المقاومة تتحرك من دون تفكير..
بمعنى أن تقييم المرحلة الحالية بعد 17 سنة من التغيير، لن يكون المعيار فيه هو النظام السابق، بل المعايير الإنسانية المثبتة -دينياً وكونياً-، الحديث عما يجري الآن في العراق ليس تفضيلا للعقود السابقة، فالعراقي لم ير شيئا سوى الحروب والمعارك، بل ما ينبغي الوصول إليه بعد دفع ثمن ثقيل..
يقول صاحب كتاب (خريف الدعوة) الدكتور طالب حمدان، وهو يتحدث بلغة القريب الخبير عن تجرية حزب الدعوة في العراق منذ 2006 لغاية آخر أيام حكومة حيدر العبادي، بأن ما يجري في العراق اليوم دفع بالناس إلى الرحمة على النظام السابق، ليس بمعنى القبول به، بل بمعنى أن الوعود الطرية المنمقة التي خرجت من أفواه القادة الجدد، في كل المجالات، لم تنفذ.
يعتبر التمزق المجتمعي إحدى أكبر الكوارث التي نزلت على العراقيين خلال الفترات الماضية، لم يحدث أن تخندق الشعب العراقي ضد بعضه كما هو الحال الآن، الهويات الفرعية بدل أن تكون عامل تنوع وتمكن، تحولت إلى عامل تفكيك وتراجع، القضية الكردية تاريخيياً، كانت الإشكالية مع نظام لا يعترف بالحقوق، وفكرة القومية العربية أسيئ استخدامها في وجه الأقوام الأخرى..
لكن التشبث بالهوية المقابلة من أجل تغيير مسار التأريخ كما يقال، لم يكن مساعدا على وضع الحلول للمشكلة الكردية بقدر ما كان مثيراً لأحقاد أخرى حديثة على الشعب العراقي، في مقدمتها الطائفية التي تجلت في أشرس صورها.. حيث تم القتل على الأسماء، هذا اسمه عمر يقتل، وهذا اسمه عبد الزهرة يقتل.. وهكذا دواليك.
قال أحد الصانعين للسياسة العراقية وهو يسخر مما آل إليه أمر البلد: "إذا لبست في بغداد الزي الكردي تقتل، وإذا لبست الدشداشة القصيرة تقتل لأنك وهابي، وإذا خرجت الفتاة بالتنورة القصيرة تختطف، وإذا زين الشاب رأسه بقصات شعر غربية يقتل، وإذا كان الحلاق يحفُّ الحاجب أو الوجه يقتل ويحرق المحل"، يعني أن التطرف الطائفي المذهبي والتخندق الهوياتي، أطاح الحرية التي كانت عنوان إطاحة النظام البعثي الذي حول العراق إلى مقبرة كبرى..
فالحرية في زمن حكم البعث كان الأمر واضحا وصريحاً، لا تتكلم، وإذا حدث وتكلمت فإنك خائن للثورة، لكن الآن يقول لك تكلم، لكنك قد تقتل، فالقضية هي بين المنع الأولي والمنع النهائي، لأن النقد الذي هو من حق كل إنسان بما هو إنسان، وهو حق الإنسان العام وحق الإنسان المواطن، مسموح دستوراً، ممنوع واقعاً..
نقد أداء الحزب الحاكم يتحول إلى نقد الطائفة، وإلى نقد المذهب، ومن ثم تكون مداناً بحكم القانون والدستور ومن ثم تحاكم بتهمة المادة 4 إرهاب، أو تغتال معنوياً، مع أن النقد ليس للمذهب ولا لأبناء طائفة في عمومها، بل نقد لأداء حزب أو مسؤول ليس أكثر، لكن الحرية المكفولة ممنوع ممارستها إلا إذا وافقت هوى هذه الجهة أو تلك..
التظاهرات الحالية -قبل أن توقفها كورونا-، وقودها من المناطق الشيعية بالدرجة الأساس، لكن تهمة العمالة للسفارات الأجنبية ظلت تلاحقها من اليوم الأول، القتل المباشر من الأجهزة الحكومية الظاهرة والخفية، دليل على أنّ حق التظاهر غير مكفول إذا كان المتظاهر معارضاً، ومواد الدستور تبقى معلقةً، في الفضاء..
حرية التجمع كانت ممنوعة إلا لمصلحة النظام، والآن لا يختلف الأمر كثيراً، عار على العراق العدد الكبير من القتلى من المتظاهرين، والعدد الكبير جدا من الجرحى، النظر إلى التظاهرات كمؤامرة على فئة محددة، هو نفسه الذي كان يقال عن المعارضين في السابق بأنهم خونة، ويعملون لصالح الأجنبي..
الأمن، لم يحدث أن شعر المواطن العراقي بأن حياته مهددة كما كان الحال خلال السنوات الفارطة، في الزمن السابق كانت أجهزة النظام تعتقل وتعدم أو تسجن، أما الآن فإن القتل بالمجان وفي الشوارع، حالات الاختطاف للفتيات والفتيان بالآلاف، رمي الجثث في الأنهار، أو في الطرق، أو في المزابل العامة، ولا أحد يصرح عن المنفذ، حتى الحكومة تقول ما أدري، فلا أمن ولا عدل ولا حرية مصانة، والمناطق الوسطى والجنوبية نسبة الفقر ونسبة الأمية مرتفعة، وما زالت.
بمعنى أن تقييم المرحلة الحالية بعد 17 سنة من التغيير، لن يكون المعيار فيه هو النظام السابق، بل المعايير الإنسانية المثبتة -دينياً وكونياً-، الحديث عما يجري الآن في العراق ليس تفضيلا للعقود السابقة، فالعراقي لم ير شيئا سوى الحروب والمعارك، بل ما ينبغي الوصول إليه بعد دفع ثمن ثقيل..
يقول صاحب كتاب (خريف الدعوة) الدكتور طالب حمدان، وهو يتحدث بلغة القريب الخبير عن تجرية حزب الدعوة في العراق منذ 2006 لغاية آخر أيام حكومة حيدر العبادي، بأن ما يجري في العراق اليوم دفع بالناس إلى الرحمة على النظام السابق، ليس بمعنى القبول به، بل بمعنى أن الوعود الطرية المنمقة التي خرجت من أفواه القادة الجدد، في كل المجالات، لم تنفذ.
يعتبر التمزق المجتمعي إحدى أكبر الكوارث التي نزلت على العراقيين خلال الفترات الماضية، لم يحدث أن تخندق الشعب العراقي ضد بعضه كما هو الحال الآن، الهويات الفرعية بدل أن تكون عامل تنوع وتمكن، تحولت إلى عامل تفكيك وتراجع، القضية الكردية تاريخيياً، كانت الإشكالية مع نظام لا يعترف بالحقوق، وفكرة القومية العربية أسيئ استخدامها في وجه الأقوام الأخرى..
لكن التشبث بالهوية المقابلة من أجل تغيير مسار التأريخ كما يقال، لم يكن مساعدا على وضع الحلول للمشكلة الكردية بقدر ما كان مثيراً لأحقاد أخرى حديثة على الشعب العراقي، في مقدمتها الطائفية التي تجلت في أشرس صورها.. حيث تم القتل على الأسماء، هذا اسمه عمر يقتل، وهذا اسمه عبد الزهرة يقتل.. وهكذا دواليك.
قال أحد الصانعين للسياسة العراقية وهو يسخر مما آل إليه أمر البلد: "إذا لبست في بغداد الزي الكردي تقتل، وإذا لبست الدشداشة القصيرة تقتل لأنك وهابي، وإذا خرجت الفتاة بالتنورة القصيرة تختطف، وإذا زين الشاب رأسه بقصات شعر غربية يقتل، وإذا كان الحلاق يحفُّ الحاجب أو الوجه يقتل ويحرق المحل"، يعني أن التطرف الطائفي المذهبي والتخندق الهوياتي، أطاح الحرية التي كانت عنوان إطاحة النظام البعثي الذي حول العراق إلى مقبرة كبرى..
فالحرية في زمن حكم البعث كان الأمر واضحا وصريحاً، لا تتكلم، وإذا حدث وتكلمت فإنك خائن للثورة، لكن الآن يقول لك تكلم، لكنك قد تقتل، فالقضية هي بين المنع الأولي والمنع النهائي، لأن النقد الذي هو من حق كل إنسان بما هو إنسان، وهو حق الإنسان العام وحق الإنسان المواطن، مسموح دستوراً، ممنوع واقعاً..
نقد أداء الحزب الحاكم يتحول إلى نقد الطائفة، وإلى نقد المذهب، ومن ثم تكون مداناً بحكم القانون والدستور ومن ثم تحاكم بتهمة المادة 4 إرهاب، أو تغتال معنوياً، مع أن النقد ليس للمذهب ولا لأبناء طائفة في عمومها، بل نقد لأداء حزب أو مسؤول ليس أكثر، لكن الحرية المكفولة ممنوع ممارستها إلا إذا وافقت هوى هذه الجهة أو تلك..
التظاهرات الحالية -قبل أن توقفها كورونا-، وقودها من المناطق الشيعية بالدرجة الأساس، لكن تهمة العمالة للسفارات الأجنبية ظلت تلاحقها من اليوم الأول، القتل المباشر من الأجهزة الحكومية الظاهرة والخفية، دليل على أنّ حق التظاهر غير مكفول إذا كان المتظاهر معارضاً، ومواد الدستور تبقى معلقةً، في الفضاء..
حرية التجمع كانت ممنوعة إلا لمصلحة النظام، والآن لا يختلف الأمر كثيراً، عار على العراق العدد الكبير من القتلى من المتظاهرين، والعدد الكبير جدا من الجرحى، النظر إلى التظاهرات كمؤامرة على فئة محددة، هو نفسه الذي كان يقال عن المعارضين في السابق بأنهم خونة، ويعملون لصالح الأجنبي..
الأمن، لم يحدث أن شعر المواطن العراقي بأن حياته مهددة كما كان الحال خلال السنوات الفارطة، في الزمن السابق كانت أجهزة النظام تعتقل وتعدم أو تسجن، أما الآن فإن القتل بالمجان وفي الشوارع، حالات الاختطاف للفتيات والفتيان بالآلاف، رمي الجثث في الأنهار، أو في الطرق، أو في المزابل العامة، ولا أحد يصرح عن المنفذ، حتى الحكومة تقول ما أدري، فلا أمن ولا عدل ولا حرية مصانة، والمناطق الوسطى والجنوبية نسبة الفقر ونسبة الأمية مرتفعة، وما زالت.