في نقد رواية "الإخوان" للربيع العربي
غالباً ما تُستَخدم أحداث الساحة المصرية، في السنوات الثلاث الماضية، من "الإخوان المسلمين" ومناصريهم في الوطن العربي، للتأكيد على روايةٍ تقول إنهم انحازوا لقيم الثورة في أحداث الربيع العربي، فيما انحازت القوى العلمانية إلى استبداد العسكر، مدللين على روايتهم بما حصل بعد 30 يونيو/حزيران 2013 في مصر، حيث يتم إسقاط أحداث ما بعد الانقلاب العسكري على مجمل الأحداث في السنوات الماضية.
في هذا الوقت بالتحديد، لا يصح نقد رواية "الإخوان" هذه، ومجمل مواقفهم بعد الثورات العربية، من دون الوقوف عند أمرين: الأول ضرورة التمايز عن النقد السائد تجاه "الإخوان"، فمن موقع الإيمان بقيم الديمقراطية والتعددية، لابد من التأكيد على أن هذا النقد لا يتطابق بأي حال، مع التشويه الممارس تجاه "الإخوان" في الإعلام الذي يحض على إخراجهم من المشهد السياسي، وأن نقد "الإخوان" لا يعني القبول بزجّهم في المعتقلات، وقتلهم في الشوارع، وإقصائهم تحت شعار الحرب على الإرهاب.
الأمر الثاني أن نقد الرواية الإخوانية ليس انتصاراً للجهات السياسية المعادية للإخوان، من القوى القومية والليبرالية واليسارية التي ركبت موجة الانقلاب العسكري، ولا تغاضياً عن انحيازهم ضد قيم الثورة، ولصالح عودة النظام القديم في مصر. إن حالة الاستقطاب الشديد في الوطن العربي تجعلنا مرغمين على إعطاء مقدمات من هذا النوع، رغبةً في الابتعاد عن ثنائية الاستقطاب القائمة.
ليست حركة الإخوان المسلمين ثورية بطبيعتها، بل هي تؤمن بالإصلاح المتدرج، وقد انعكس هذا على موقفها من ثورة 25 يناير، فهي كانت مترددة في البداية، ولم تكن متحمسة للمشاركة في المظاهرات، قبل أن تحسم موقفها بعد جمعة الغضب في 28 يناير، ولم يمنعها هذا الحسم من العودة إلى فكرة التفاوض مع النظام من خلال الاجتماع بنائب الرئيس، عمر سليمان، في أثناء الثورة، ولم يتوقف العقل الإخواني عن التفكير الإصلاحي بعد سقوط مبارك، فقد استمر في حالة توجس دائمة من الثورية التي تقود إلى المجهول.
تبدو لحظة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، في 19 مارس/آذار 2011، مشبعة بالرمزية والدلالات المهمة، فقد عارضت القوى الثورية هذه التعديلات، وكانت تطالب بدستور جديد للبلاد، عوضاً عن ترقيع الدستور السابق، فيما شارك "الإخوان" في اللجنة التي صاغت التعديلات، عبر ممثلهم صبحي صالح، وشجعوا على التصويت بـ"نعم" للتعديلات الدستورية. وقد كان هذا التباين بين الطرفين، في تلك اللحظة، معبراً عن اختلافٍ بين من رأى أن الحالة الثورية تقتضي رفض النظام بالكامل، ومن قَبِلَ بإمكانية إصلاح النظام، والعمل مع مؤسسات النظام القديم.
ربما لم تحصل صفقة شاملة ومكتملة الأركان بين العسكر و"الإخوان"، كذلك لا يمكن إنكار حصول توترات في العلاقة بينهما، منها مثلاً التوتر الذي حصل بعد الإعلان عن ما سُمِّي بوثيقة السلمي، والتي طرحت مجموعة من المبادئ فوق الدستورية في سبتمبر 2011، وعارضها الإخوان، غير أن هذا لا ينفي سعي الإخوان إلى التفاهم مع المؤسسة العسكرية. فكرة التفاهم مع الحكم ليست جديدة على الإخوان، هي استمرار لمسار التفاهم مع أنور السادات في السبعينيات، ومع نظام حسني مبارك في أكثر من محطة، وهو مسار قد يصلح في بعض الأوقات، لكنه، في وقت الثورة، لا يعبر أبداً عن الانحياز لحالة ثورية.
أدار الإخوان ظهورهم للقوى الثورية، وسعوا إلى التفاهم مع المؤسسة العسكرية التي تمثل الطرف الأقوى، وعملوا ليكونوا بديلاً للحزب الوطني ضمن مؤسسات الدولة، وليكون رجال أعمالهم البديل لأمثال أحمد عز. هكذا، طرح الإخوان إعادة إنتاج السياسات الاقتصادية والخارجية لنظام مبارك، لطمأنة الجيش والغرب معاً، وبالغوا في كيل المديح للجيش وقادته، وتغاضوا عن قمع القوى الأمنية المتظاهرين أكثر من مرة، في عهد المجلس العسكري، بل ورفضوا الهتافات المنادية بإسقاط حكم العسكر، وعارضوها بشدة.
عكس ما ادّعى الإعلام المعادي للإخوان، لم تقم الجماعة حين وصل مرشحها إلى الرئاسة بأخونة الدولة، بل كانت تسعى لطمأنة الجيش، الذي يشكل العمود الفقري للنظام القديم، فأبقت على معظم فلول النظام في مواقعهم، ولم تحاول التحرش بأهم مؤسستين في النظام القديم: الجيش ووزارة الداخلية، إنما أثنت على جهودهما، وبررت نشاطهما القمعي ضد المعارضين، كما قدمت للجيش ضمانات أرادها في دستور 2012.
لم يكن الرئيس محمد مرسي يسيطر على جهاز الدولة، لكن الإخوان كانوا قابلين بحدود دورهم داخل السلطة، وبدلاً من إقامة محاكم ثورية لرموز النظام السابق، والضباط الأساسيين في وزارة الداخلية، أو إحالة أعضاء المجلس العسكري إلى التقاعد، وتقديم وجوه جديدة في قيادة الجيش، استناداً إلى الشرعية الثورية، تم استبدال حسين طنطاوي بعبد الفتاح السيسي، وأبدى الإخوان ثقة بالعسكر والداخلية، وظنوا أن ما يقدمونه كافٍ لقبولهم داخل النظام، ما يعكس سذاجتهم السياسية.
تودد الإخوان للعسكر، فيما رفعوا سلاح "الشريعة" مع حلفائهم الإسلاميين، في وجه خصومهم من القوى العلمانية، وتشارك الطرفان في جعل العسكر مرجعاً للحكم، فأسهما في انتكاسة المسار الثوري، باستبدال صراع الثورة مع النظام القديم، بصراعٍ إسلامي – علماني.
لا يمكن قبول الرواية التي تبرِّئ الإخوان من المسؤولية، فهم أكبر قوة منظمة في مصر، وقد أسهموا في الوصول إلى الوضع الحالي، بسبب عدم فهمهم متطلبات اللحظة الثورية.