تتّجه الأنظار إلى واشنطن، منتصف الشهر المقبل، لمحاولة فهم ماذا يحمل حكّام الخليج لقمّتهم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وماذا سيقدم هو بدوره لضيوفه العرب. بين اليمن وسورية وإسرائيل وإيران خصوصاً، تبدو الإدارة الأميركية مستعدة لما قد تعرضه، أما من الجهة المقابلة، فلا شيء مضموناً.
وعقب المكالمة الهاتفية التي أجراها أوباما مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يوم الجمعة، بدا واضحاً أن البيت الأبيض أجرى بعض التعديلات الطفيفة على مكان وزمان وموضوعات القمة الأميركية الخليجية المقرر عقدها قبل منتصف الشهر المقبل في واشنطن. فبعد أن كان الرئيس الأميركي قد أعلن في السابق أنه يعتزم استضافة قادة الخليج لبضعة أيام في منتجع كامب ديفيد قرب العاصمة واشنطن، بغرض التشاور حول المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، تم اختصار القمة زمنياً إلى يومين فقط هما 13 و14 مايو/أيار المقبل (بدلاً من بضعة أيام). أما مكانياً فقد ارتأى ألا يقتصر مكان انعقادها على كامب ديفيد، بل تبدأ في يومها الأول في البيت الأبيض ثم يتجه القادة في اليوم التالي إلى كامب ديفيد لاستكمال المباحثات في جو أكثر هدوءاً.
وبعد أن كانت إيران هي الحاضر الوحيد بلا ممثلين لها في القمة، اتضح لاحقاً أن اليمن وإسرائيل، كما هو الحال مع إيران، سيكونان حاضرين أيضاً كموضوعين للنقاش لا بوفدين مشاركين بطبيعة الحال. ومما يؤكد ذلك أن البيت الأبيض أعلن في بلاغه الصحفي عن المكالمة الهاتفية بين أوباما والملك السعودي، أن الزعيمين اتفقا على أن التوصل لحل سياسي في اليمن من خلال التفاوض ضروري لتحقيق استقرار دائم. وقال البيت الأبيض إن أوباما أكد أيضاً التزام الولايات المتحدة بأمن السعودية.
ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت الغارات الجوية لـ"عاصفة الحزم" داخل الأراضي اليمنية ستتوقف قبل مجيء موعد القمة، أم أن العاصفة ستتوسّع إلى مواجهات برية قبل بدء القمة أو خلالها. غير أن الأمر شبه المؤكد هو أن الحل السياسي للأزمة اليمنية سوف يتطلب وقتاً طويلاً، ولن يتم التوصل إليه قبل بدء القمة، وهو ما يعني أن الزعماء المشاركين في القمة سيتداولون في الحلول الممكنة، وفي ضمان احتواء الأزمة حتى لا تصبح خارج السيطرة وفقاً لما يخشاه الأميركيون.
مقايضات متوقعة
تسهب مصادر جمهورية في توجيه الاتهامات لأوباما بأنه "مسكون بالرغبة في تحقيق إنجاز سياسي قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية والأخيرة، وأن هذا الإنجاز وفقاً لمعايير إدارته، إما أن يكون مصالحة أميركية مع إيران، وإما أن يكون مصالحة كبرى بين العرب وإسرائيل بناء على حل الدولتين الذي نصّت عليه المبادرة العربية".
غير أن تعقيدات القضية الفلسطينية ووجود رئيس وزراء إسرائيلي متشدد هو بنيامين نتنياهو، فضلاً عن غياب الحماسة العربية للتقارب مع إسرائيل، كلها عوامل ترجّح أن أوباما سيختار الإنجاز الأكثر تفضيلاً لديه وهو خلق نوع من التقارب الأميركي مع إيران بناء على مشروع الاتفاق المرتقب توقيعه نهاية الشهر المقبل بشأن المشروع النووي الإيراني. وتعتقد غالبية المحللين السياسيين الأميركيين والعرب على حد سواء، أن أوباما يهدف من استضافته لقادة الخليج، إلى العمل على تطمينهم بشأن الاتفاق المحتمل مع إيران، أو بتعبير آخر تأمين نفسه مسبقاً من أي ردود فعل عربية غاضبة محتملة من التقارب الأميركي الإيراني. وقد يلجأ أوباما إلى التلويح بورقة ضاغطة هي مطالبة العرب بالتقارب مع إسرائيل ظناً منه على ما يبدو بأن هذا التلويح قد يسكت الأصوات العربية القلقة من أن التقارب الأميركي الإيراني سيكون على حساب العلاقة الاستراتيجية مع العرب.
اقرأ أيضاً: أوباما والكونغرس: تقوية الاتفاق مع إيران... لا تقويضه
وفي الوقت الذي ينفي فيه أوباما دوماً في خطابه للعرب إمكانية تحوّل الاتفاق المحتمل بشأن المشروع النووي الإيراني إلى مصالحة أميركية شاملة مع الجمهورية الإسلامية، فإن خطابه الموجّه إلى الإيرانيين يختلف تماماً، إذ يقدّم لهم حججاً معاكسة عن الفوائد التي سيجنيها الإيرانيون من هذا الاتفاق محاولاً ترغيبهم به عن طريق الترويج بأن بلادهم سوف تصبح قوة إقليمية واقتصادية لا يستهان بها، وباعتراف وقبول دوليين.
ومن أبرز الأمثلة على هذا الخطاب ما قاله أوباما في العاشر من أبريل/نيسان الحالي لصحيفة "نيويورك تايمز" في مقابلة متلفزة بثت الصحيفة مقاطع مصوّرة منها في موقعها على الإنترنت. ولوحظ أن الصحيفة ربما بقرار ذاتي أو تلبية لرغبة البيت الأبيض، أرفقت بعض مقاطع المقابلة بترجمة إلى اللغة الفارسية حرصاً منها أو من البيت الأبيض على وصول الرسالة إلى أكبر قطاع من الشعب الإيراني، مثلما حرصت الصحيفة على وضع ترجمة باللغة العبرية لأسئلة وإجابات تهم الإسرائيليين.
الاستنجاد بالدين ضد الوطن
وفي المقابلة المشار إليها سُئل أوباما عما يمكن أن يقوله للإيرانيين عن الفوائد التي يمكن أن يجنيها الشعب الإيراني من التخلي عن الطموح النووي، أو بتعبير آخر كيف يمكن اعتبار مثل هذه الصفقة جيدة بالنسبة لهم؟ بدأ أوباما إجابته محاولاً الاستنجاد بمشاعر الإيرانيين الدينية ضد مشاعرهم الوطنية بقوله إن عليهم ألا يشعروا بالأسى لتخليهم عن طموح الحصول على قدرة إنتاج الأسلحة النووية، لأن هذا التخلي يتوافق تماماً مع فتوى زعيمهم الديني الراحل آية الله الخميني الذي حرّم شرعاً صناعة السلاح النووي.
ولفت أوباما إلى أنهم يخسرون كثيراً في سبيل برنامج له دلالة رمزية أكثر من فوائده العملية الواقعية، في حين أنهم بالتخلي عن الشق الحربي من البرنامج النووي سوف يحققون مكاسب كبرى ويصبحون جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، وسوف تتقدّم بلادهم بشكل كبير. وأضاف أوباما: "إيران لا تحتاج إلى سلاح نووي لكي تصبح قوة إقليمية يعتدّ بها"، في إشارة واضحة منه إلى أن الولايات المتحدة لن تمانع التوسّع الإيراني في نفوذها الإقليمي، في حين أنه يقول للعرب عكس ذلك بأن واشنطن لن تسمح بمثل هذا التوسّع حتى لو تم توقيع اتفاق مع إيران يقتصر فقط على مشروعها النووي. وتابع أوباما: "أقول للإيرانيين كذلك إنكم لا تحتاجون إلى معاداة السامية أو معاداة إسرائيل أو معاداة المسلمين السنّة لتصبحوا قوة إقليمية كبرى". واستدرك موضحاً أن عدم ممانعته بأن تصبح إيران قوة إقليمية أكبر مما هي عليه الآن وأكثر نفوذاً، مرتبط بتحوّلها إلى لاعب ذي مسؤولية في المجتمع الدولي من دون التورط في حروب إقليمية عن طريق وكلاء له في المنطقة.
وفي ما يتعلق باليمن، رجّحت مصادر "العربي الجديد" أن تسعى إدارة أوباما إلى تأكيد رؤيتها للقادة الضيوف بأن الحل السياسي للأزمة اليمنية هو الترجمة العملية لنجاح "عاصفة الحزم"، مع مناقشة الأزمة اليمنية معهم وفقاً لمتغيرات تتوقّع الإدارة الأميركية حدوثها قبل انعقاد القمة. وذكرت المصادر التي رفضت الإفصاح عن هويتها، أن إدارة أوباما كان يعتريها القلق مما وصفتها المصادر بأحاديث عن "ترسانة صواريخ سكود تعلم الإدارة الأميركية أن نظام (الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله) صالح استوردها من كوريا الشمالية قبل وبعد عام 2002"، لكن المصادر نفسها رفضت نفي أو تأكيد مشاركة الولايات المتحدة في تدمير الترسانة التي لا يُعرف مدى صلاحيتها من عدمه.
وتقول مصادر إعلامية يمنية إن صالح كان يخبئها في أنفاق أسفل جبل عطان جنوبي العاصمة صنعاء، وأن الولايات المتحدة شاركت في تدميرها بصواريخ "توماهوك" أُطلقت من بوارج حربية أميركية بالتنسيق مع غارات طائرات "الحزم".
ويشكك البعض في أن صالح وحلفاءه الحوثيين يملكون قدرات صاروخية صالحة للإطلاق، مرجحين أن هذه القدرات تأتي في سياق تسريبات الرئيس المخلوع الكاذبة لإرباك المشهد كعادته ونوع من الحرب النفسية اليائسة.
اقرأ أيضاً: اليمن: مناورات عسكرية وسياسية وبحاح يحدد شروط الحل