في 27 سبتمبر/ أيلول 1997، اعترض إرهابيون حافلة صغيرة كان على متنها 11 معلمة خلال توجههن إلى مدرسة في منطقة نائية، لتدريس أطفال تلك المنطقة وإشعال شمعة العلم في منطقة سيدي بلعباس غربي الجزائر. كانت حينها أزقة المدن والبلدات في الجزائر تغرق في الدم، وكانت الجدران ملطخة بأشلاء ضحايا الفتنة الدامية، وكان الإرهاب الأعمى يقتل على الاسم والهوية والمهنة والانتماء. وكان المتشددون قد أصدروا قبل فترة "قانونهم" الذي يمنع تعليم البنات والنساء من العمل. في ذلك اليوم كان أحد أمراء الموت والجهل والكهنوت غربي الجزائر، بانتظار القديسات في طريق جبلي.
جفت الأرض من الدم وتجاوز البلد الفتنة والمحنة، لكن غصة الألم ما تزال تسكن ذكرى القديسات الـ11، حين يحل الثامن من مارس من كل عام أو سبتمبر الأسود. تقفز إلى الذاكرة صور الزهرة وحفيظة وفتيحة وعزيزة ونعيمة وخيرة وفاطمة ورشيدة وسحوبية والأمينتين، وهن اللواتي كن يصعدن الجبل للوصول إلى أطفال رمت بهم الجغرافيا على سفح جبل مهجور، وقُدر لهم العيش بين نار الفقر والإرهاب في ذلك الزمن العصيب، حين فضل بعض "جهابذة الوطنية" ممن يملؤون الجزائر راهناً بصخب سياسي، الهروب من جحيمه الى أزقة باريس أو الاختفاء في شوارع مراكش.
في الثامن من مارس تحتفل نساء الجزائر والكون بعيدهن العالمي، لكن قديسات سيدي بلعباس المكافحات لأجل العلم، الكادحات لأجل الغد الجميل، اللواتي دثرن برداء العلم مئات التلاميذ الذين صاروا اليوم صحافيين وأطباء وأساتذة ومهندسين وطيارين ورجال أمن، هن أكثر من يستحق التقدير في هذا اليوم وفي كل يوم. هن أهل لاحترام العالم الذي يعرف الكثير عن الأم تيريزا ولا يعرف عن قصة خديجات سيدي بلعباس شيئاً، ولم يبلغه الكثير عن محنتهن الأليمة، ويستحققن أكثر من كتاب وأكثر من رواية وأكثر من فيلم.
لم تكن تخشى طيور الظلام في الجزائر إلا من العلم وجسارة المعلمات اللواتي تحدين جماعات الدم، ولذلك حرصت كما "داعش" في أيامنا هذه، على كسر كل قلم وتمزيق كل كتاب، لكن صفحة قديسات سيدي بلعباس الجزائرية عصية على كل تمزيق وباقية في الذاكرة، في كل ثامنٍ من مارس وفي كل سبتمبر.