اعتبر مسؤولون ومحللون مغاربة أن قرار مجلس الأمن الدولي الصادر مساء الجمعة ـ السبت الماضي، بشأن نزاع الصحراء، هو انتصار للمغرب أمام ما اعتبروه مغالطات وتزييفاً للحقائق من طرف جبهة البوليساريو "ومن يقف خلفها"، فيما أبدى بعضهم تخوّفه من تداعيات تقليص مدة مهام بعثة "المينورسو" (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء) من عام إلى ستة أشهر فقط.
وقرر مجلس الأمن الدولي تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "المينورسو" مدة ستة أشهر تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعدما كانت صلاحياته تمتد عاماً كاملاً، وذلك ضمن تصويت صادقت عليه 12 دولة، فيما امتنعت روسيا والصين وإثيوبيا عن التصويت.
ويمكن تلخيص قرار مجلس الأمن الذي صوت على المسودة الأميركية في كونه دعا الأطراف المعنية بنزاع الصحراء، إلى "المضي قدماً في العملية السياسية استعدادا للجولة الخامسة من المفاوضات في إطار من الواقعية وروح التسوية، وأن الواقعية وروح التسوية ضروريان لإحراز تقدم في المفاوضات".
وطالب المجلس "الأطراف والبلدان المجاورة بالتعاون على أكمل وجه مع منظمة الأمم المتحدة ومع بعضها بعضاً"، داعياً المغرب والبوليساريو إلى "استئناف المفاوضات بروح واقعية، بهدف إحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي واقعي وعملي ودائم لقضية الصحراء، يكون قائماً على أساس التسوية".
وأبدى مجلس الأمن الدولي "قلقه" بشأن وجود عناصر البوليساريو في الكركرات، وطالبها بمغادرة المنطقة العازلة في الصحراء بشكل فوري، كما أبدى قلقه من نقل الجبهة منشآت إدارية إلى منطقة بير الحلو المشمولة بقرار وقف إطلاق النار منذ 1991.
وعبر وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عن "تثمينه لروح ومحتوى قرار مجلس الأمن بخصوص الوضع في الصحراء"، مبرزاً أن "القرار جاء مرة أخرى ليسجل نقطة لصالح الدبلوماسية الملكية التي تصدت بقوة لمناورات خصوم الوحدة الترابية للبلاد".
وشدّد بوريطة على أن "القرار الجديد جاء ليدحض ما سماها أكاذيب جبهة البوليساريو ويضع لها حداً، من خلال مطالبتها بالإخلاء الفوري لمنطقة الكركرات والمناطق العازلة. وهو ما سبق أن طالب به المغرب". واعتبر أن "البوليساريو تحدّت المنتظم الدولي بتحركاتها شرق الجدار الدفاعي، لكن يقظة المغرب ودبلوماسيته والإجماع الوطني كلها سياقات أحبطت هذه المناورات، وكبدت البوليساريو هزيمة جديدة تضاف إلى سابق هزائمها".
وفي قراءة لمضامين قرار مجلس الأمن الدولي، قال رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بن حمو، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار المذكور ينسف أطماع ومناورات المطالبين بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب"، مضيفاً أنه "قرار ينتصر للحل الذي اقترحه المغرب متمثلاً في إقامة حكم ذاتي موسع بالصحراء حلاً للنزاع المفتعل".
واستدل بن حمو على قوله إن "القرار يزكي قيمة وضرورة اعتماد مقترح الحكم الذاتي حلاً للنزاع بعبارات وردت في القرار، من قبيل (الواقعية لإحراز تقدم في المفاوضات، وضرورة إيجاد حل سياسي واقعي وعملي ودائم لقضية الصحراء)"، مؤكداً أن "هذه الواقعية تعني إحباط مطلب البوليساريو إجراء استفتاء أو الانفصال في مناخ إقليمي وجيوسياسي عالمي يرفض الانفصال".
ولفت إلى أن "التدخل الروسي لإحداث ما سُمّي توازناً بين أطراف نزاع الصحراء في قرار مجلس الأمن، وإرجاء القرار من الأربعاء إلى الجمعة، لم يؤثر في صميم القرارات المتخذة، خاصة دعوة المجلس للبوليساريو بمغادرة الكركرات والمنطقة العازلة واحترام اتفاق وقف إطلاق النار".
وارتباطاً بهذه النقطة علّق الأستاذ بجامعة مراكش محمد الزهراوي، لـ"العربي الجديد"، بأن "امتناع الصين وروسيا، وهما من الحلفاء التاريخيين للجزائر التي تدعم البوليساريو في مطلب تقرير المصير بالصحراء، دليل على أن هذا النزاع دخل مرحلة جديدة عنوانها الاستقطاب الحاد بين القوى الكبرى".
وأورد الزهراوي بأن "تصويت مجلس الأمن على قرار الصحراء أظهر بشكل واضح هذه الاصطفافات الدولية، فرغم عدم تصويت روسيا والصين ضد القرار، واكتفائهما بالامتناع، إلا أن هذا يعني في حد ذاته تقابلاً مع مواقف كل من الولايات المتحدة وفرنسا اللتين دعمتا الموقف المغربي. وهو الوضع الذي من شأنه أن يؤجج الوضع أكثر في الصحراء ويحولها إلى بؤرة ساخنة للأحداث".
وبالنسبة للموقف الأميركي، فقد أكدت المنسقة السياسية ببعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إيمي تاشكو، أمام مجلس الأمن الدولي على أن "المخطط المغربي للحكم الذاتي يظل جدياً وذا مصداقية وواقعياً، ويمثل مقاربة كفيلة بإيجاد تسوية نهائية لقضية الصحراء".
وأكدت المسؤولة الأميركية "ضرورة استئناف المفاوضات في إطار المسلسل الأممي ومهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر"، مشددة على "الدور الخاص والمهم الذي يمكن للدول المجاورة الاضطلاع به في هذا المسلسل"، في إشارة واضحة إلى الجزائر.
ملاحظة أخرى توقف عندها مراقبون بشأن قرار مجلس الأمن الدولي هو تمديده لمهام "المينورسو" ستة أشهر بدلاً من عام كامل كما كان معمولاً به من قبل. وهو وما يعني أن المغرب سيتعرض لضغوط أكبر بهدف الشروع في التفاوض السياسي قبل الموعد الجديد لانعقاد مجلس الأمن أي في نهاية أكتوبر المقبل.
محللون آخرون وجدوا في تقليص مدة عمل "المينورسو" من عام كامل إلى ستة أشهر فقط، وهي المهام التي من المقرر أن تنتهي في 30 إبريل/نيسان قبل قرار التمديد، نوعاً من الاستنزاف الذي قد تواجهه الدبلوماسية المغربية، باعتبار أن الرباط ستجد نفسها مدعوة خلال فترة قصيرة إلى التعاطي مع الأمم المتحدة بشكل مكثف. وهو قرار يحمل بصمة روسيا التي أدخلت هذا التعديل بهدف إحداث "التوازن".
وبالمقابل، أعربت قيادة جبهة البوليساريو عن انشراحها لقرار تقليص فترة عمل "المينورسو" إلى ستة أشهر، معتبرة أن "ذلك يعكس الحاجة الضرورية والماسة إلى استئناف عاجل للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لتجدد التزامها بالدخول فوراً وفي زمن محدد في مفاوضات مباشرة مع المغرب".
لكن البوليساريو أبدت أسفها في كون "مجلس الأمن الدولي أعطى هذا العام بعض المصداقية لمناورات المغرب لتحويل الانتباه عن المسار السياسي"، وفق تعبير بلاغ الجبهة، معربة عن ثقتها في "جهود المبعوث الأممي هورست كوهلر، شرط قيام مجلس الأمن بوضع حد للابتزاز المغربي الدائم والتواصل".