بعد أن أقدم متطرّفو ما يُعرف بـ تنظيم "داعش" على تدمير كنائس ومراقد ومراكز شرطة، بدأت أيديهم تطاول كل ما له صلة بالثقافة في المدن التي يسيطرون عليها. تشير إحصائياتٌ لوزارة الثقافة العراقية إلى أن التنظيم أغلق 32 بيتاً ثقافياً تابعاً لها، ودمّر 19 دار سينما وستة مسارح في تلك المناطق، فضلاً عن قتل تسعة شعراء محليين بتهمة "الردة" أو "الفجور".
يقول أحمد علي، وهو من الشعراء الشباب الناشطين في الموصل، في حديث إلى "العربي الجديد": "هربتُ من الموصل حيث كانوا يهمّون بقتلي". ويضيف: "حتى كتب الفلسفة الدينية والصوفية والغزل العفيف اعتبروها مُحرّمة، وأصدروا أمراً بجلد من ينظُم الشعر".
كان علي شاهداً على إغلاق الكثير من الأبنية الثقافية وإزالة بعضها عبر تفجيرها، خصوصاً تلك التي تحتوي على تماثيل ونصب تذكارية، حتى باتت مناطق سيطرته خالية من أي شيء فني أو ثقافي، وكأنها قرى من العصر الحجري.
ويوضّح الكاتب مضر الحديدي "يمنع التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها معظم الأعمال الفنية كنحت التماثيل، حتى لو كانت للزينة ورسم اللوحات التجسيدية للكائنات الحية".
لكن الحياة الثقافية في هذه المدن، لم تتأثر كثيراً بالهجمة "الداعشية"، فنفور المواطنين منها كان موجوداً من قبل، حيث كانت الثقافة تحت سيطرة أحزاب سياسية، تتخذ من فضاءاتها مقرّات لها ولمؤتمراتها.
يكشف الناقد عبدالسميع الدليمي أنَّ "المثقف الأنباري أو الموصلي لم يتغيّر عليه الشيء الكثير بعد سيطرة تنظيم "الدولة"، ففي السابق كانت الأحزاب الدينية السياسية تسيطر على المنتديات الثقافية، فلا يجد المثقف المستقل مكاناً ملائماً له".
وبيّن أيضاً أنَّ "داعش أغلق تلك الأماكن ومنع إقامة النشاطات فيها، ليس فقط لاعتراضه على بعض الفعاليات التي تخالف أفكاره، بل لاحتمال إقدام الطائرات العراقية أو طائرات "التحالف" على قصف تلك الأماكن إذا ما حصل فيها تجمّع بشري".
ومن جهته، يحدّثنا الناشط سعد الخطاب عن سماح "داعش" بـ"إقامة مهرجان شعري بالموصل الشهر الماضي، لكن رجاله أبلغوا الجميع بتعليمات قبل إقامته، وهي الابتعاد عن أشعار الغزل ووصف النساء وشعر الميوعة والابتذال، والالتزام بشعر إسلامي يدعو إلى الجهاد وقتال من يسمونهم بـ"الروافض والصليبيين"، وأن يكون شعراً مناصراً لهم. لذا قلنا لهم شكراً لكم، لا حاجة لنا بالمهرجان".
وأوضح الخطاب أنه "حين لا يكون هناك منع من "داعش" للنشاط الثقافي، فإن الطيران والقصف اليومي يمنعنا من أي تجمّع خوفاً من استهدافه".