ولد إبراهيم عواد البدري في مدينة سامراء شمالي العراق عام 1971، لأسرة من وسط ثقافي بسيط وبيئة قبلية، وعرف عنه في حيه ولعه بكرة القدم وألعاب الذكاء أو الألغاز. واصل دراسته الإعدادية في سامراء ثم انتقل لكلية الدراسات الإسلامية في بغداد عام 1996، وفيها أكمل بعد حصوله على البكالوريوس شهادتي الماجستير والدكتوراه.
بقي البغدادي في حي الطبجي بالعاصمة بغداد حتى عام 2004، وكان يسكن في غرفة ملاصقة لمسجد الحي الذي عمل فيه إماماً لنحو 14 عاماً، لكنه غادر المنطقة إثر خلاف مع باني المسجد وأهل الحي.
في عام 2003 تبنّى البغدادي خيار جبهة المقاومة العراقية، وشارك في معارك كثيرة، أبرزها الفلوجة وسامراء والطارمية وأبو غريب ضد الجيش الأميركي واعتقل نهاية عام 2004 من قبل "المارينز" الأميركي، وأودع في سجن بوكا بالبصرة لأكثر من 10 أشهر وأطلق سراحه من هناك.
ويعتبر بوكا نقطة التحول للبغدادي من المقاومة الوطنية الإسلامية إلى "الجهادية التكفيرية"، إذ كان من المواظبين على الدروس والمحاضرات الدينية التي كان يقدّمها معتقلون عراقيون وأجانب داخل السجن.
وبحسب رواية أحد رفاقه في المعتقل، كان البغدادي قليل الكلام، لكنه متحدث فصيح حافظ للنصوص، ومنخرط بشكل دائم في النقاشات الدينية بين "الجهاديين الإسلامويين" والمقاومين الوطنيين للاحتلال المعتقلين في السجن ذاته. وذكرت مصادر صحافية عربية عن أستاذ درس البغدادي على يديه أن الأخير "لم يكن سلفياً، وتخصص في التجويد ولا علاقة له بغير التلاوة".
وبعد إطلاق سراحه، وجد البغدادي نفسه مع زملاء آخرين له من سجن بوكا مع تنظيم القاعدة، الذي سرعان ما تدرج فيه حتى وصل إلى مكانة مهمة لدى زعيمه السابق في العراق الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وبعد مقتل الزرقاوي في يونيو/ حزيران عام 2006، بغارة جوية أميركية في ديالى شرقي العراق، خلفه أبو أيوب المصري.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، قرر أبو أيوب المصري حل تنظيم القاعدة في العراق، وأسس ما يعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق"، وخيّر فصائل المقاومة العراقية بين البيعة أو إلقاء سلاحهم؛ ما أحدث اقتتالا بين التنظيم الجديد وعدة فصائل مقاومة رفضت الانضمام معهم.
عُين البغدادي رئيساً للجنة الشريعة في التنظيم الجديد، واختير عضواً في مجلس الشورى للتنظيم، الذي يضم 11 عضواً ويقدم المشورة لأمير التنظيم الجديد أبو عمر البغدادي.
وبعد مقتل مؤسس تنظيم القاعدة في العراق وأميرها في إبريل/ نيسان 2010، اختار مجلس الشورى أبو بكر البغدادي أميراً جديداً. وبدأ البغدادي إعادة بناء التنظيم، بعد أن تسببت قوات الصحوة العشائرية في إحداث أضرار كبيرة بصفوفه وإضعافه إلى حد كبير.
لدى البغدادي ابن واحد هو حذيفة البدري، وزوجتان هما أسماء فوزي محمد الدليمي، وإسراء رجب محل القيسي.
الانتقال إلى سورية
عقب الثورة السورية، استغل البغدادي الأوضاع هناك ليصدر فتوى بانتقال العراقيين من أعضاء التنظيم القادرين على السفر الى سورية إلى هناك، حيث أسس سراً فرعاً لتنظيم القاعدة في سورية، عُرف لاحقاً باسم "جبهة النصرة".
ظهرت خلافات عديدة وكثيرة، فقهية، وأخرى ميدانية، تتعلق بالزعامة وتوزيع القوات بين البغدادي وزعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، وفي ربيع عام 2013، أعلن البغدادي عن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي عرف باسم "داعش"، واعتبر "النصرة" جزءا منه.
ذلك أشعل خلافات أكثر حدة، تعدت إلى زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري الذي دخل بمماحكات مكتوبة مع البغدادي وصلت إلى حد تكفير الأخير للظواهري، وفي فبراير/ شباط عام 2014، أعلن الظواهري قطع كل علاقات القاعدة بـ"داعش".
ورداً على ذلك، بدأ "داعش" قتال جبهة النصرة، وعزز من قبضته على شرق سورية، حيث فرض البغدادي قوانين صارمة ونفذ مجازر مروعة بحق مخالفيه في دير الزور والرقة والبوكمال، من أبرزها مذبحة عشيرة الشعيطات السورية، ومن بعدها استهدف عناصر من فصائل سورية معارضة بتهمة "الردة عن الإسلام". وبعد أن عزز من تأمين معقله في شرق سورية، أمر البغدادي رجاله بالتوسع في غرب البلاد.
وفي يونيو/ حزيران عام 2014، سيطر "داعش" على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، وبعد فترة وجيزة أعلن المتحدث باسم الجماعة إقامة دولة الخلافة تحت اسم "تنظيم الدولة الإسلامية".
وبعد أيام، ألقى البغدادي خطبة الجمعة في الموصل وأعلن نفسه خليفة المسلمين. وسيطر التنظيم في خلال وقت قصير على مساحات واسعة في العراق وسورية يبلغ حجمها نحو 300 ألف كم مربع، وهي مساحة أكبر من بريطانيا، وتعادل في حجمها ثمانية أضعاف دولة مثل بلجيكا.
ذلك ما استدعى تشكيل تحالف عالمي من 69 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، انطلقت بعده بأسابيع قليلة معارك برية وعمليات جوية واسعة في شمال وغرب البلاد، وتأسس على أثرها ما يعرف بـ"الحشد الشعبي"، الذي مولته ودعمته إيران بشكل مباشر، لتستمر المعارك حتى نهاية عام 2017 بخسارة التنظيم كل ما سيطر عليه في السنوات الماضية.
غير أن الفاتورة العظمى دفعها السكان من أهالي تلك المناطق، الذين زعم البغدادي أنه جاء للدفاع عنهم، إذ تشير التقارير إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن ربع مليون عراقي من سكان الأنبار ونينوى وبغداد وديالى وبابل وصلاح الدين وكركوك ومناطق أخرى من البلاد، عدا عن فقدان الآلاف، وتهجير أكثر من 6 ملايين عراقي، وتدمير قرابة 50 مدينة وحاضرة عراقية مهمة، أبرزها الموصل والفلوجة وتكريت والرمادي، كما انتهت الصورة في تغول واسع للمليشيات المرتبطة بإيران على تلك المناطق التي مارست فيها عمليات تغيير ديموغرافي بدوافع طائفية.