04 نوفمبر 2024
قمة عربية جديدة قديمة
لم تختلف قمة تونس عن سابقاتها من القمم العربية، فقد تبنّت الخطاب نفسه الذي يصاحب كل قمة.. وعود للشعوب ووعيد للخصوم، ورفع لسقف التوقعات، من دون آليات أو خطط تنفيذية قابلة للتطبيق.. وإن كان هذا حال القمم العربية عموماً، فإن بعض القمم امتازت عن غيرها بصعوبة وتعقيد الظروف المحيطة بها، خصوصاً إن كانت القمة مسبوقةً بتحدٍّ أو أزمة. كما هو الحال في قمة تونس، حيث أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراراً تنفيذياً يقرّ بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، قبل انعقاد القمة بأيام قليلة.
وفضلاً عن الإهانة المتعمدة في إقدام ترامب على هذه الخطوة قبل القمة، تتجاوز أهمية الملفات المطروحة على القمة هذا العام، كل القمم السابقة. إذ وصلت التحديات الماثلة أمام الأمة العربية إلى مستوى التهديد المباشر لبقاء الدول والشعوب، إلا أن طبيعة استجابة القمة العربية في تونس وحدودها لم تختلف عن القمم السابقة.
إنها المعضلة نفسها التي واجهت القمم العربية نصف قرن، الفجوة بين القرارات المكتوبة والسياسات المطبقة لاحقاً بعد القمة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تفاقماً للضعف العربي في شتى الاتجاهات، انعكس بالتبعية على جامعة الدول العربية، فلم تعد أزمتها قاصرة على عدم تنفيذ قرارات قوية، بل أيضاً في ضعف القرارات نفسها، فأصبحت مشكلة الجامعة عدم الاستجابة للتحديات بالشكل المطلوب، ولو نظرياً، من خلال القرارات والبيانات التي تصدر عن الجامعة، سواء المجلس الوزاري أو اجتماعات القمة.
يرجع هذا الانحدار في جدوى فعاليات الجامعة إلى حالة الاضطراب الداخلي التي أصابت دولا عربية كثيرة، مهمة ومحورية، في النظام العربي، خصوصاً بعد عام 2011، فالدول العربية إما مفكّكة، وفي حالة احتراب داخلي فعلي وانهيار شبه كامل لمكونات الدولة، أو مهدّدة بالمصير نفسه، ومهمومة بالعمل على تجنب الانهيار والتفكك. وقلة فقط من الدول العربية تملك حالياً رفاهية الانشغال بالوضع العربي العام، ولديها إرادة السعي إلى لملمة الشتات العربي، وتشكيل مواقف عربية منسقة تجاه التحدّيات والمشكلات المتوالية.
ولكن قبل التهديد الداخلي الذي لم يظهر إلا من سنوات قليلة، هناك سبب آخر لا يقل أهمية وراء ضعف جامعة الدول العربية، وتحوّلها إلى كيان شكلي، وليس تنظيما إقليميا حقيقيا. وهو اختلاف أولويات الدول العربية، على مستويي التهديدات والمصالح، فحتى الغزو العراقي للكويت عام 1990، كانت إسرائيل هي التهديد الأكبر والرئيس للدول العربية بشكل عام.
وفي أقل من عشرين عاماً، صارت إسرائيل طرفاً في تحالفاتٍ وترتيباتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ مع دول عربية. بعضها ثنائي وبعضها الآخر متعدّد الأطراف. بل وصلت وضعية إسرائيل في المنطقة إلى حد الدخول شريكاً في مواجهة تهديداتٍ أخرى، في مقدمتها إيران.
ونتيجة هذا التحول الجوهري في الأولويات، صار الاتفاق والتنسيق العربي بشأن قراراتٍ وتطوراتٍ يرتبط مباشرة بالموقف من إسرائيل مستبعدين إلى حد الاستحالة، إن لم يكن نظرياً في الظاهر والمواقف المعلنة، فواقعياً عند السلوك الفعلي. وبالتالي، لا يمكن أن تتفق الدول العربية على موقف واحد مضاد لإسرائيل، فيما هي طرف مباشر في تعاون متعدّد الأشكال والدرجات مع بعض تلك الدول. وإذا وصل الحال مع إسرائيل إلى هذا الحد، فليس مطروحاً تبنّي أي موقف أو اتخاذ أي قرار ضد الولايات المتحدة الأميركية، مهما بلغ انحيازها لإسرائيل وتعسّفها ضد الفلسطينيين.
وفي ظل التردي العربي الراهن، لم يكن مستغرباً أن تخرج قمة تونس ببيانٍ تضمّن رفضاً لقرار ترامب الذي يقر بسيادة إسرائيل على الجولان، فهو مجرد موقف شكلي على الورق، لا يتضمن أي تحركاتٍ فعلية، أو خطوات عملية لمواجهة التوجّه الأميركي، أو دفع واشنطن إلى التراجع عنه. فعلى الرغم من هذا الجديد الأميركي المؤسف، لم تأت قمة تونس بجديد في المقابل، بل انضمت إلى أخواتها من القمم السابقة، بقراراتٍ ضعيفةٍ أقل من مستوى الحدث، وبيان هزيل يؤكد العجز عن تنفيذها.
إنها المعضلة نفسها التي واجهت القمم العربية نصف قرن، الفجوة بين القرارات المكتوبة والسياسات المطبقة لاحقاً بعد القمة، لكن السنوات الأخيرة شهدت تفاقماً للضعف العربي في شتى الاتجاهات، انعكس بالتبعية على جامعة الدول العربية، فلم تعد أزمتها قاصرة على عدم تنفيذ قرارات قوية، بل أيضاً في ضعف القرارات نفسها، فأصبحت مشكلة الجامعة عدم الاستجابة للتحديات بالشكل المطلوب، ولو نظرياً، من خلال القرارات والبيانات التي تصدر عن الجامعة، سواء المجلس الوزاري أو اجتماعات القمة.
يرجع هذا الانحدار في جدوى فعاليات الجامعة إلى حالة الاضطراب الداخلي التي أصابت دولا عربية كثيرة، مهمة ومحورية، في النظام العربي، خصوصاً بعد عام 2011، فالدول العربية إما مفكّكة، وفي حالة احتراب داخلي فعلي وانهيار شبه كامل لمكونات الدولة، أو مهدّدة بالمصير نفسه، ومهمومة بالعمل على تجنب الانهيار والتفكك. وقلة فقط من الدول العربية تملك حالياً رفاهية الانشغال بالوضع العربي العام، ولديها إرادة السعي إلى لملمة الشتات العربي، وتشكيل مواقف عربية منسقة تجاه التحدّيات والمشكلات المتوالية.
ولكن قبل التهديد الداخلي الذي لم يظهر إلا من سنوات قليلة، هناك سبب آخر لا يقل أهمية وراء ضعف جامعة الدول العربية، وتحوّلها إلى كيان شكلي، وليس تنظيما إقليميا حقيقيا. وهو اختلاف أولويات الدول العربية، على مستويي التهديدات والمصالح، فحتى الغزو العراقي للكويت عام 1990، كانت إسرائيل هي التهديد الأكبر والرئيس للدول العربية بشكل عام.
وفي أقل من عشرين عاماً، صارت إسرائيل طرفاً في تحالفاتٍ وترتيباتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ مع دول عربية. بعضها ثنائي وبعضها الآخر متعدّد الأطراف. بل وصلت وضعية إسرائيل في المنطقة إلى حد الدخول شريكاً في مواجهة تهديداتٍ أخرى، في مقدمتها إيران.
ونتيجة هذا التحول الجوهري في الأولويات، صار الاتفاق والتنسيق العربي بشأن قراراتٍ وتطوراتٍ يرتبط مباشرة بالموقف من إسرائيل مستبعدين إلى حد الاستحالة، إن لم يكن نظرياً في الظاهر والمواقف المعلنة، فواقعياً عند السلوك الفعلي. وبالتالي، لا يمكن أن تتفق الدول العربية على موقف واحد مضاد لإسرائيل، فيما هي طرف مباشر في تعاون متعدّد الأشكال والدرجات مع بعض تلك الدول. وإذا وصل الحال مع إسرائيل إلى هذا الحد، فليس مطروحاً تبنّي أي موقف أو اتخاذ أي قرار ضد الولايات المتحدة الأميركية، مهما بلغ انحيازها لإسرائيل وتعسّفها ضد الفلسطينيين.
وفي ظل التردي العربي الراهن، لم يكن مستغرباً أن تخرج قمة تونس ببيانٍ تضمّن رفضاً لقرار ترامب الذي يقر بسيادة إسرائيل على الجولان، فهو مجرد موقف شكلي على الورق، لا يتضمن أي تحركاتٍ فعلية، أو خطوات عملية لمواجهة التوجّه الأميركي، أو دفع واشنطن إلى التراجع عنه. فعلى الرغم من هذا الجديد الأميركي المؤسف، لم تأت قمة تونس بجديد في المقابل، بل انضمت إلى أخواتها من القمم السابقة، بقراراتٍ ضعيفةٍ أقل من مستوى الحدث، وبيان هزيل يؤكد العجز عن تنفيذها.