مع اتخاذ الأحداث المرتبطة بسدّ النهضة الإثيوبي، تطوراً تصاعدياً، وصل إلى حدّ استخدام لغة عسكرية بين مصر والسودان وإثيوبيا وإريتريا، وصل رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسالين، إلى القاهرة، أمس الأربعاء، على أن يلتقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مساء اليوم الخميس. وعلى جدول أعمال الزيارة اجتماعات للجان الوزارية المشتركة، وهي تحصل للمرة الأولى في تاريخ البلدين. ومن المرتقب أن يزور ديسالين البرلمان المصري للمرة الأولى، أسوة بزيارة السيسي للبرلمان الإثيوبي خلال زيارته الرسمية إلى أديس أبابا مطلع عام 2015.
والزيارة هي الأهم لمسؤول إثيوبي للقاهرة خلال السنوات الأخيرة، لتزامنها مع التصعيد السياسي والاستراتيجي الصامت بين مصر وإريتريا من جهة وإثيوبيا والسودان من جهة أخرى، نتيجة مرور 3 سنوات تقريباً على توقيع اتفاق النوايا بشأن عدم إضرار سد النهضة بحقوق مصر المائية من دون تحقيق أي إنجاز على أرض الواقع، بالإضافة إلى وقوف السودان بجانب إثيوبيا في رفض التقرير الفني الاستشاري وتخليها عن المطالبات المصرية، ثم استدعاء الخرطوم سفيرها لدى القاهرة للتشاور. وهو ما ردّت عليه القاهرة باستقبال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الأسبوع الماضي، في ظل مناوشات إعلامية بين الدول الأربع، وتداول معلومات غير موثقة عن حشد عسكري متبادل على الحدود السودانية الإثيوبية.
وبدأت أمس، الأربعاء، لقاءات ثنائية بين وزراء التجارة والصحة والاستثمار والري والكهرباء بالبلدين، وذلك بمقر مجلس الوزراء المصري في قلب القاهرة، وتمّت مناقشة عدد من المشاريع المهمة للمرة الأولى، أبرزها دراسة بدائل للاستفادة المصرية من الطاقة الكهربائية المولدة من السدود الإثيوبية وعلى رأسها سد النهضة، في مقابل دعم إثيوبيا بالخبرات المصرية في مجال الطاقة الكهرومائية، وكذلك مشروع لإنشاء مستشفيات مصرية بالمناطق الإثيوبية الأكثر فقراً، وعقد اتفاقيات لتكثيف توريد الأدوية والمستحضرات الطبية المصرية لإثيوبيا التي تعتبر من الأسواق الرئيسية أفريقياً لتجارة الأدوية المصرية.
كما بحث وزيرا الاستثمار والتجارة في البلدين مقترحات بإنشاء منطقة تجارة حرة مصرية في إثيوبيا، لتجاوز مشاكل التصدير التي يعاني منها موردو الخامات والسلع الأكثر استيراداً من الجانب الإثيوبي، كالأخشاب المصنعة والأدوية والمنتجات الغذائية، وذلك على غرار المناطق التجارية الحرة المنشأة في إثيوبيا لعدد من الدول الكبرى كالصين وإيطاليا، فضلاً عن عقد اتفاقيات لاستيراد اللحوم الإثيوبية وبعض المنتجات الزراعية النادرة إلى مصر.
وأفادت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، بأن "الزيارة تعتبر محورية في العلاقات بين البلدين، فإما تعقبها انفراجة أو يعقبها مزيد من الانسداد"، مشيرة إلى "وجود رغبة من قبل الدولتين لاستغلال المشاكل القائمة حول سد النهضة ورغبة البلدين في حلحلتها لتنعكس إيجابياً على ملفات تشاركية أخرى. ويرى الجانبان أن تعزيز العلاقات في الملفات الاقتصادية قد يكون المدخل للتوصل لحلول وسط في أزمة السد، التي ما زالت العقدة فيها تتمحور حول قبول ورفض الدراسات الفنية التي تؤكد تضرر مصر الجسيم خلال فترة الملء الأولى للخزان بسد النهضة، وطرح مصر دخول البنك الدولي كطرف ثالث إلى جانب الدول المتفاوضة الثلاث والمكتبين الفنيين".
وأضافت أن "وزيري خارجية البلدين، المصري سامح شكري، والإثيوبي ووركنيه غيبييهو، عقدا، أمس، سلسلة اجتماعات مطولة حول المقترح المصري بدخول البنك الدولي طرفاً، فتمسكت مصر بهذا الحل، بينما لم تعبّر إثيوبيا عن موقف نهائي بشأنه حتى الآن، وأن الوزير الإثيوبي طرح على نظيره تساؤلات وشكوكاً عدة حول اختيار مصر للبنك الدولي تحديداً، وحول الخبرات المتاحة لدى البنك الدولي تؤهله للعب هذا الدور". وأوضحت المصادر أن "شكري نفى خلال الاجتماع بشكل قاطع الادعاءات التي نشرتها وسائل إعلام سودانية وإثيوبية عن وجود قوات عسكرية أو أسلحة مصرية في إريتريا"، مؤكداً أن "مصلحة مصر تقتضي إبعاد المنطقة برمتها عن الصراعات المسلحة". كما تبرأ شكري من دعم حركات التمرد في منطقة الأورومو التي تشهد تراجعاً خلال الفترة الأخيرة، مثمناً الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية لدمج المنطقة وإفراجها عن القيادات المعارضة البارزة التي كان بعضهم معتقلاً بدون محاكمات منذ عهد رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي، وعلى رأسهم القيادي مرارا جودنا.
وكشفت المصادر عن أن "لقاء القمة بين السيسي وديسالين سيستغرق 3 ساعات تقريباً، نظراً لانشغال السيسي بحضور عدد من الفعاليات الأخرى، أبرزها مؤتمر (حكاية وطن) الذي يعتبر تدشيناً لحملته الانتخابية في صورة عرض لإنجازاته والمشاريع التي تحققت في فترته الرئاسية الأولى. لكن السيسي خلال اللقاء الموسع الذي سيحضره وزراء الخارجية والري بالبلدين سيعرض على ديسالين صيغة جديدة لاشتراك مصر في إدارة فترة ملء الخزان الأولى، فضلاً عن مقترح لتشكيل لجنة قانونية من الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، لتفسير بعض البنود العالقة وغير المفعلة في اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في الخرطوم في مارس/ آذار 2015".
واتفاق المبادئ ظلّ حبراً على ورق، بسبب العراقيل العديدة التي وضعتها إثيوبيا أمام إنجاز الدراسات الفنية الاستشارية التي اتفقت الدول الثلاث على إجرائها لبيان مدى خطورة السد على مستقبل مصر والسودان وأمنهما المائي، إلّا أن تلك الفترة شهدت تدريجياً ميلاً سودانياً نحو الجانب الإثيوبي بسبب تنامي العلاقة الثنائية بين الدولتين الأخريين، إلى حدّ إجراء محادثات ثنائية بشأن تأمين السد وكيفية استفادة السودان منه تنموياً، وعدم تعرض السودان لنقص حاد في المياه بسبب السد نظراً لتنوع مصادرها المائية وانخفاض عدد سكانها بالنسبة لمصر. وهو ما وضع القاهرة عملياً في موقف منفرد لا تحسد عليه، خصوصاً بعد تكريس السيسي خطاباً يستبعد اللجوء للحل العسكري، ما أنقص أوراق الضغط المصرية ومنح أديس أبابا مساحة أوسع لتحركات دولية وإقليمية لإقناع الدول الكبرى، التي بدأت بالاتجاه للاستثمار في إثيوبيا، بأهمية السد القصوى للاقتصاد الوطني.
وأكدت المصادر أن "لقاء اليوم، الذي تم تأجيله لشهر كامل بسبب الخلافات بين البلدين، لن يكون مثل لقاءاتهما السابقة. وسيكون الأول الذي سيتطرق بوضوح إلى المسائل الفنية، بعدما كان الرئيسان يكتفيان بوضع الخطوط السياسية العريضة للمناقشات الفنية التي تجرى بين وزيري الري ووزيري الخارجية، وذلك لأن علاج المسار الفني في الوقت الحالي والعودة به إلى المربع الذي شهد انطلاقة التنسيق حول الشواغل المشتركة، أصبح ضرورة ملحة، خصوصاً أن القرار النهائي بشأن هذا المسار لن يكون في صالح مصر إذا استمر التفاهم السوداني الإثيوبي على تغيير النتائج التي انتهت إليها التقارير الفنية".
وكانت إثيوبيا قد رفضت سلفاً مطلبين مصريين، أحدهما بالمشاركة في الإشراف على تشغيل السد وعملية ملء الخزان، وهي العملية التي من المتوقع أن تعرض مصر لأزمة طاحنة مع بداية التشغيل، والمطلب الثاني يتعلق بزيادة عدد فتحات السد، وهو أمر تقني استراتيجي كان المفاوض المصري يرى أنه سيعطل مرحلة ملء الخزان لمزيد من الوقت ريثما تستطيع مصر تدبير احتياجاتها من المياه، ببدء تنفيذ برامج جديدة تشرف عليها الهيئة الهندسية للجيش لإقامة محطات تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي.