كاتب انتهازي وجائزة رخيصة
ظل الروائي الألباني، إسماعيل كاداريه، يحلم بجائزة نوبل ويتوقعها، شأن الشاعر العربي أدونيس. ولكثرة ما تردد اسمه، في أحاديث التوقعات، فائزاً محتملاً؛ أصبح الرجل يتوهم أن التداول المديد لاسمه، يكفيه كجائزة، وإن لم ينل "نوبل"، لأن الناس، كما يظن، باتت تعتقد أنه من الفائزين السابقين.
لم يغب إسماعيل عن إسرائيل، فيما يشبه الإلحاح عليها، لكي تمنحه جائزة "أورشليم" التي تقدمها كل عامين، لأحد أصدقاء الصهيونية، في ختام "معرض أورشليم للكتاب"، وتمنحها أحياناً لكتّاب مرموقين من الغرب، على سبيل التمحك. وإسرائيل، بدورها، لم تخيّب أمل إسماعيل، ومنحته إياها، مع الإشارة، في إعلان فوزه، الى أنه "من أصل مسلم"، كما أحب أن يُوصف.
يُقال، وليس كل القول صحيحاً، إن "جائزة أورشليم" تفتح الطريق إلى "نوبل". لكن، لم يظفر بهذه الأخيرة سوى أربعة من الـ 27 الذين حصلوا على "جائزة أورشليم" التي تأسست في 1963. كان أولهم برتراند راسل، الكاتب والمؤرخ والناشط الاجتماعي المناهض للإمبريالية وللعنف وللحرب. منحته إسرائيل الإمبريالية، نديمة الحرب، الجائزة رياءً وذراً للرماد في العيون، علماً بأنه عارض بشدة العدوان الثلاثي على مصر. وبخلاف تهافت إسماعيل كاداريه وتهتكه، كان راسل، بعد أن سمته بلدية القدس لجائزة معرضها؛ يختم حياته المنتهية في عام 1970 ببيان إدانة إسرائيل، بسبب غاراتها على مصر في "حرب الاستنزاف"، ويدعو إلى انسحابها من الأراضي المحتلة في 1967.
إسماعيل كاداريه الانتهازي هذا، كان الوجه الأدبي لألبانيا الشيوعية، وصديقاً شخصياً لزعيمها، أنور خوجا. اقتطع نظام ألبانيا الشيوعي، آنذاك، من أكلاف خبز الألبان، لكي يترجم روايات إسماعيل وأشعاره، ويطبعها بنحو أربعين لغةً، لكي يجعله عالمياً. ولمّا شارف النظام على الانهيار، التقط اللحظة وهرب، وبدأ يهجو الشيوعية، وأنظمتها وزعماءها، ويطرح نفسه، كما تطرح إسرائيل نفسها، منافحاً عن حرية الفرد في المجتمع، وعن الكرامة الإنسانية. وفي ذلك السياق، بذل جهداً كثيراً، لكي يتنصل من أصوله كمسلم، ويذم مجتمعه وثقافة شعبه، فاحتقره الألبان، من كارهي النظام السابق، ومن مؤيديه على السواء.
أصبحت زياراته المتكررة إلى إسرائيل ذات نفع مزدوج، كما يراها. فهي برهان التنصل، وفي الوقت نفسه، إشارة يظنها واجبةً ونافعة إلى لجنة جائزة نوبل، لكي تنظر إليه بعين التقدير. لكن هذه اللجنة، لم تنس أنه كتب أهم أشعاره ورواياته، في ظل حكم صاحبه أنور خوجا، وكان عضواً في "برلمان" ألبانيا الشيوعي، صاحب كل القوانين المقيدة للحريات، وشغل منصب نائب رئيس حزب السلطة. وعندما كان الانتقال من مدينة إلى أخرى صعباً، وغير متاح للألبان؛ كان هو من بين قلائل يسافرون إلى الخارج ويعودون. بالتالي، لن يشفع له عند "نوبل"، هجاؤه أنور خوجا ونظامه بعدئذٍ، مثلما لم يشفع لأدونيس قيامه ونومه على هجاء الثقافة الإسلامية والدين. فليس أقبح عند الأسوياء والمحترمين، وربما عند "نوبل"، من أن ينقطع ذوو الأقلام السيالة لذم ثقافة شعوبهم والتودد لأعدائها، وإن كانت لجنة نوبل تقدر من يدافع منهم عن الحريات، وعن الكرامة الإنسانية، ويهجو الأنظمة المشوهة عندما تستبد. هناك فارق بين الانتهازي الذي يذم ثقافة شعبه، ويبدل قناعاته ومبادئه، ويبرهن على أنه كان يكذب، وصاحب القضية الذي يعارض الاستبداد، وتهز قلمه وقلبه الانتهاكات ضد الكرامة الإنسانية لشعبه.
لم يجد هذا الانتهازي سوى إسرائيل، لكي تقدر أعماله، وتمنحه "جائزة أورشليم"، الرخيصة في المعنى، وفي المبلغ الذي تقول إنه رمزي (عشرة آلاف دولار). غير أن هذه الجائزة الرخيصة، في المعنى وفي الدراهم، من شأنها أن تفعل في إسماعيل فعل السحر، أي على النقيض مما فعلت في البريطاني برتراند راسل، الذي ازداد بغضاً لممارساتها، وظل كما هو، لا يؤيد دولة تقوم على أساس الديانة، ويتحدث ويكتب بتلقائية.