وأعلن تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد سقوط الطائرة، مباشرة، مسؤوليته عن إسقاطها، مشيراً في بيان بثّه عبر موقعه أنّه سيعلن كيفية تنفيذه العملية لاحقاً. وفي رد فعل سريع على سقوط الطائرة الروسية، قرّر عدد من الدول الأجنبية والعربية تعليق الرحلات الجوية فوق سيناء إلى حين انتهاء التحقيقات. ومع بداية الحديث عن ترجيح تعرض الطائرة لهجوم إرهابي، وهو موقف بريطانيا والولايات المتحدة، على وجه التحديد، لجأ بعض الدول إلى تعليق الرحلات الجوية إلى مصر بشكل كامل وليس إلى مطار شرم الشيخ فقط.
وباتت مصر تعيش في أجواء حظر دولي، وما يبدو أنّه تخلٍّ من أكبر وأبرز حلفاء السيسي وداعميه وهو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقب قراره بتعليق الرحلات الجوية من وإلى مصر، حتى انتهاء التحقيقات. وتلقى السيسي، قبل الموقف الروسي مباشرة، صفعة ترجمها قرار بريطانيا هي الأخرى تعليق الرحلات الجوية، لتستأنفه لاحقاً.
وتعرض السيسي لحرج شديد، وخصوصاً مع إعلان هذا القرار خلال زيارته إلى لندن، وامتد القرار إلى إجلاء ما يزيد عن 20 ألف بريطاني في مصر. كذلك لجأت بعض الدولة الخليجية والأوروبية إلى وقف الرحلات إلى مطار شرم الشيخ، ومنع التحليق فوق سيناء، فيما حذرت بعض الدول رعاياها من السفر إلى مصر.
في هذا الصدد، يقول دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، إنّ القرارات المتلاحقة لبعض الدول بتعليق الرحلات الجوية إلى مصر أمر لا يمكن التعامل معه دبلوماسياً فقط، مشيراً إلى أن وزارة الخارجية لن تتمكن دائماً من حل الأزمات التي يقوم بها النظام الحالي في الداخل، وخصوصاً أن الإعلام الغربي لا يفوّت شيئاً، لافتاً إلى أنّ مصر مفروض عليها نوع من العزلة المؤقتة، ما يضرّ في الوقت عينه بالاقتصاد والسياحة، والأخطر أنها تضرّ بالاستثمارات الخارجية بشكل كبير. ويشدّد الدبلوماسي المصري على أن كارثة واحدة فقط تشهدها مصر، كفيلة بتراجع عشرات المستثمرين عن التوجه إلى مصر، وبالتالي فإن حادثة الطائرة عمّقت الأزمة.
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية، الدكتور حسن نافعة، إنّه "من دون شكّ أنّ مصر الآن بدأت تعيش في ظل عزلة دولية، بعد تعليق الرحلات الجوية سواء إلى شرم الشيخ أو مصر بشكل عام"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ مصر تتعرض لضغوط كبيرة على خلفية سقوط الطائرة الروسية، في ظل عدم الانتهاء من التحقيقات الخاصة بالحادثة.
ويشير نافعة إلى أن النظام الحالي حاول على مدار عام إصلاح العلاقات مع الدول الأجنبية، وخصوصاً عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم، لكن حادثة الطائرة أعادت الأمور إلى نقطة الصفر. ويؤكد الأستاذ الجامعي أنّ المسألة لم تعد مواقف دول من النظام الحالي على خلفية الأوضاع المضطربة مع جماعة "الإخوان المسلمين"، بل أصبحت أمراً يتعلق بأرواح مواطنيهم ورعاياهم في مصر، محذراً من التهاون في التعامل الفوري مع هذه العزلة المفروضة على مصر، بسبب اتهامات وتخوفات بضعف مستوى الأمن في المطارات المصرية، ومشدّداً على أنّه لا بد من بذل جهود داخلية أولاً بإنهاء التحقيقات وإعلانها بشكل رسمي وشفاف.
اقرأ أيضاً: رسائل إيقاف الرحلات البريطانية... إحراج السيسي سياسيّاً وأمنيّاً
ويطالب نافعة بضرورة زيادة إجراءات الأمن وفرض حظر جوي على سيناء إلى حين الانتهاء من عمليات مواجهة الجماعات المسلحة هناك، ثم تأتي مرحلة الجهود الدبلوماسية لإقناع تلك الدول بالتراجع عن قراراتها تجاه مصر.
بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، الدكتور عبد الفتاح ماضي، أن "الخيارات المتاحة لا تعتمد على النظام فقط، بمعنى أن استمرار النظام ونجاحه في مواجهة هذه الأزمات أو فشله وتغييره، يعتمد أيضاً على عوامل أخرى. فالكثير من الأنظمة الاستبدادية ظلّت في الحكم لسنوات، ليس بسبب سياساتها ودعم حلفائها الإقليميين والدوليين، وإنما بسبب ضعف المعارضين لها وانقسامهم وعدم تكتلهم حول هدف استراتيجي واحد وتجاوزهم لخلافاتهم".
ويشير ماضي إلى أن مصر مرّت في العامين الماضيين بالكثير من الأزمات التي كانت كفيلة بتغيير الأمور، لكن لم يتم الاستفادة منها. فعلى سبيل المثال، مُرِّر عدد كبير من القوانين، إنْ في تقييد الحريات وقتل السياسة أو في تأمين مرتكبي جرائم الاعتداء على مصالح الدولة كقانون 16 لتحصين العقود.
ويؤكد ماضي أن "الأزمات المتلاحقة والتخبط الدائم في الأداء السياسي والاقتصادي والأمني والسياسات الخارجية المتضاربة، باتت تمثل خطراً ليس فقط على الديمقراطية (تم اجهاض مسارها الوليد منذ عامين)، وإنما هي اليوم تمثل خطراً على المجتمع والدولة ومؤسساتها بما في ذلك مؤسسة الجيش نفسها في ظل أوضاع إقليمية ودولية في غاية الخطورة، وذلك على عكس ما يروّج الإعلام"، معتبراً أن "هذه الأزمات تراكم الغضب الشعبي وقد تؤدي إلى انفجارات شعبية قريبة".
أمّا الخبير السياسي، محمد عز، فيعتبر أن "أبرز حلفاء السيسي تخلّوا عنه"، في إشارة إلى روسيا، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي فقد كل حلفائه خلال الأيام القليلة، حتى إن العلاقات الجديدة التي حاول بناءها في لندن، تحطّمت". ويشير عز إلى أن "رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون، لم يأخذ الزيارة على محمل الجد، وهو ما ظهر خلال المؤتمر الصحافي بين الطرفين، فلم يكن الرجل منتبهاً تماماً لحديث السيسي".
ويؤكد الخبير السياسي أنّ العزلة الدولية المفروضة إجبارية لعدم قدرة مصر على تأمين المطارات والخطوط الجوية، مؤكداً أن "اللعب على ورقة الإرهاب يمكن أن يصدَّر للشعب، لكن لا تنطلي تلك الحجج في الخارج"، مرجّحاً "تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر مع عدم قدوم سياح جدد، وهروب الموجودين حالياً، وبالتالي كل هذا يصبّ ضد السيسي وشعبيته بين مؤيديه في الأساس".
اقرأ أيضاً استنفار لتأمين أمن المطارات: تعليق رحلات وحظر سفر لمصر