في ظل زخم معارض الكتب العربية وازدحامها في هذه الأيام، تنبثق أسئلة تتعلّق بالقراءة والإنتاج الكتابي لا بدّ من طرحها. يتعلّق الأمر بازدياد حضور الكتاب في العالم العربي، وجودة ما يُقرأ، وما تُلاقيه هذه القراءة من استحسان وتفاؤل بمستقبل الكتاب في منطقتنا.
يمكن القول، ببعض الارتياح، إن هناك موجة قراءة تجتاح الشباب في العالم العربي، خصوصاً منطقة الخليج؛ لأسباب تعليمية واقتصادية، ليس هذا مجال تفصيلها. نستطيع تلمُّس هذه الموجة ابتداءً من دوائر الإنسان الضيقة؛ من أقارب ومعارف وأصدقاء، وليس انتهاءً بدوائر أكبر، مثل ما توفّره مواقع إلكترونية عديدة من كتب، وما نلاحظه عبر مواقع التواصل الاجتماعي من انتشار لإعلانات متكرّرة لأندية القراءة في الجامعات، أو تلك المبادرات التي يُقدم عليها مجموعة من الشباب، إلى جانب قيام مؤسسات ثقافية هنا وهناك، وكذلك بحضور معارض الكتب التي يزدحم الشباب على أبوابها في الخليج، بنسب متفاوتة.
لا يقتصر الأمر على القراءة فقط، بل ثمّة توجّه شبابي نحو الكتابة أيضاً. تطرح هذه المسألة إشكاليات متعدّدة، تتعلّق بتأثير الهوس بالكتابة، وتحويلها إلى فعل استهلاكي، لا إبداعي؛ إذ أصبح الشاب يكتب من أجل إبهار متابعيه في تويتر أو فيسبوك، من دون تقديم مقولة إبداعية. على أية حال، قد تبدو هذه النظرة متشائمة أيضاً، وبحاجة إلى تفكيك.
وإن كان من فائدة لهذا الحراك، الذي يُوصف بالاستهلاكي، فهي أن الحديث حول ازدياد انتشار القرّاء أصبح وارداً، ولم نعد مستسلمين لكليشيهات كثيرة تُتداول حول القراءة في عالمنا العربي، مثل "أمّة اقرأ لا تقرأ" أو أن الإنسان العربي "يقرأ لست دقائق في السنة فقط". هكذا، يبدو أنّه لا بدّ من الانتقال إلى مستوى آخر من النقاش؛ وهو الحديث عن نوعية ما يُقرأ ويُكتب.
على الأرجح، لن تُعجب الكتب "الجديدة"، التي يكتبها ويقرؤها الشباب، ذوق "المثقفين" والنقّاد. من الطبيعي ألّا تعجبهم، لأنها تمثّل موجةً مختلفة صنعتها ظروف أخرى اجتماعية وتقنية غير تقليدية، خارج سياق تشكُّل هؤلاء المثقفين أنفسهم.
فرواية مثيرة للجدل، كـ "بنات الرياض" للكاتبة السعودية رجاء الصانع، تجاوزت، عندما صدرت، قيمتها كرواية، لتصبح مدخلاً إلى القراءة لجيل في السعودية والخليج. كذلك بالنسبة إلى فوز الكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي، لاحقاً، بجائزة "البوكر" العربية، عن عمله "ساق البامبو"؛ حيث جاء ضمن سياق موجة قرائية وكتابية امتدت في الخليج العربي.
عدم الإعجاب بهذا الإنتاج أمر ضروريّ، شريطة أن يتجاوز مرحلة التذمّر في المقابلات الصحافية، وما يرد فيها من عبارات من قبيل "جيل يقرأ ويكتب التفاهات"؛ ليصبح فعلاً ثقافياً نقدياً مُنتِجاً، يخبرنا لماذا يعترض هذا "المثقف" على هذا الإنتاج.
افتقار هذه الموجة القرائية إلى موجة نقدية حقيقية تواكبها، سيطيل أمد بقائنا في قراءة استهلاكية واستعراضية؛ تشتري الكتب الأكثر قدرة على تسويق نفسها، لا الأكثر جودة وفائدة. هنا، يقع جزء من المسؤولية على عاتق هذا "المثقف" أو الناقد، الذي اكتفى بالتذمر من حراك ينبغي أن يكون جزءاً منه، وليس غريباً عليه.
ربما كان هذا "المثقف" خائفاً أيضاً، ويتمترس خلف التذمّر، إنكاراً لما يحظى هؤلاء بمكانة لا يستحقّونها، كما يرى. أو ربمّا، يخاف من نظرتهم إليه وإلى ما ينتجه؛ لذا يرفض إعطاءهم أي قيمة من الأصل، ليتجنّب أي إحراج معهم، من دون أن ينتبه إلى أنّهم أبناء تجربة وزمن آخرين، سيشكّلان لديهم رؤية مختلفة.
هكذا، نجد أنفسنا أمام هروب من جهتين؛ واحدةٌ تتمثّل بجيل يحاول أن ينتج بعيداً عن الذي سبقه، ولا يعتبر نفسه امتداداً لأحد، في مقابل جيل أكبر، يحاول بدوره قطع أي صلات بهذا الجيل الجديد.
اقرأ أيضاً: نويت أن أكون روائياً