(كتاب ساكي 16).. مع أتلتيكو مدريد ونمر المقدم أركان

08 يناير 2017
ساكي وتجربته مع أتلتيكو مدريد (Getty)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة السادسة عشرة:

تواصل خيسوس خيل ونجله ميجل أنخل معي بصفتهما المالكين الرئيسيين لأتلتيكو مدريد من أجل تدريب الفريق. كانت فرصة جيدة للخروج بعيدا عن إيطاليا والتعرف على كرة قدم مختلفة في ظل رحلتي للبحث عن حوافز وتحديات جديدة.

كنت أعرف أن الرئيس خيل اشتهر بقدرته على "التهام المدربين"؛ بمعنى آخر كان قادراً على تغيير المدربين مرتين أو ثلاث مرات في الموسم الواحد، لهذا حينما وقعت معه كنت أرغب في عقد مليء بالضمانات. كان خيل عين 21 مدرباً في آخر 11 عاماً. لهذا وضعت شرطاً جزائياً كبيراً في العقد، لأجعله يفكر ألف مرة قبل الإقدام على أي إقالة محتملة.

لم أكن جشعاً. لم تكن النقود أبداً هي هدفي الأساسي. كنت أسعى فقط وراء العثور على طريقة تجعلني أعمل بهدوء واطمئنان. أصبح الأمر رسمياً في مايو/أيار 1998. خلفت رادومير أنتيتش حينما بقيت مباراتان على نهاية البطولة. في ذلك الصيف كان المقرر أن تقام فعاليات مونديال 1998 أيضا.

العقلية الإسبانية
كان المناخ في أتلتيكو يساعد على العمل بشكل جيد. الكل يتعامل بمهنية. شاركنا في عدة بطولات ودية ولكن للأسف مع بداية الموسم فقدنا كل اللاعبين الموهوبين الذين دائما ما يصنعون الفارق مثل كيكو أحد عباقرة الكرة الإسبانية الذي كان يعاني من مشاكل في الكاحل ويوجوفيتش الذي لعب قليلا أو جونينيو الذي بعد تعافيه من إصابته بكسر في الساق كان يلعب وهو في قمة الخوف.

تختلف العقلية الإسبانية كثيرا عن نظيرتها الإيطالية ويسري هذا الأمر بكل تأكيد على كرة القدم. كان اللاعبون قبل المباريات يستمعون للموسيقى بأعلى صوت. حينما كنت في إيطاليا كان بإمكانك أن تسمع صوت عود ثقاب إذا ما ألقيته على الأرض في غرفة الملابس من شدة الصمت.

في إيطاليا، تكفي نصف ساعة لتناول الطعام قبل المباريات، ولكن الإسبان كانوا يحتاجون إلى ساعة وربما أكثر. كانوا يتعاملون مع الأمر باسترخاء وبطريقة أكثر سعادة. لاحظت هذا الأمر مؤخرا في زيارة لي لأنشيلوتي مع ريال مدريد.

حينما بدأت مهمتي اجتمع ميجل أنخل خيل مع اللاعبين في وجودي، وقال لهم: "هذا العام ستكون هناك قواعد أكثر صرامة. لهذا على كل منكم الحذر. لا أرغب في أن يصل أي منكم متأخرا وعليكم بالنوم مبكرا. قبل الساعة الثانية يجب أن تكونوا جميعا في الفراش".

كان الأمر خياليا بالنسبة لي.. الساعة الثانية؟ كان لا يمكن للاعبين أن يظلوا مستيقظين حتى منتصف الليل في الفرق التي دربتها بإيطاليا. التوقيتات كانت غريبة للغاية عما اعتدت عليه. في ذلك العالم، كان من المستحيل أن تخوض مرانا مبكرا. أعتقد أنني قلت مازحا لأحد أصدقائي بخصوص الأمر إن "الإسبان لا ينامون أبدا".

فييري ونيدفيد
كنت أرغب في استمرار كريستيان فييري مع الفريق على الرغم من أن سمعته بين الإسبان لم تكن جيدة. كانوا يرونه كلاعب منغلق ومغرور. كانت يتحدث الإنكليزية بطلاقة لأنه ولد في أستراليا ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن الإسبانية. لم تكن لديه رغبة في التعلم ما عرضه لمشاكل كبيرة في عملية التواصل.

عقب نهاية المونديال أخبرني فييري بأنه يرغب في التحدث معي. جاء لي في فوسينانو وأخبرني بقصة تلك الفتاة التي كان يحبها ولكنها لم تكن تأبه به حتى مونديال فرنسا الذي تألق فيه. قال لي "لو كان الأمر بيدي لبقيت في مدريد ولكن أنا أفتقد إيطاليا".

كان يرغب في العودة إلى إيطاليا حيث توجد تلك الفتاة. على الرغم من أهميته الكبرى بالنسبة للفريق إلا أنني تركته يرحل لهذا السبب. كان لاتسيو يرغب في ضمه وسدد بالفعل المبلغ. كنت أرغب في جلب نيدفيد ولكن رئيس النادي رفع راتب اللاعب التشيكي واستمر في إيطاليا. بعدها بفترة قابلت نيدفيد وقلت له مازحا إنني يجب أن أحصل على نسبة من راتبه، ففي النهاية إذا فكرت في الأمر جيدا ستجد أنني كنت سببا في مضاعفته أربع مرات.

المقدم أركان
في كأس اليويفا، كنا سنلعب أمام أوبيليتش الصربي، الذي كان هناك أمر بحث واعتقال دولي صادر بحق رئيسه. إنه المقدم أركان الذي كان قد مزق عبر "نموره" أحشاء البوسنة. لم يلعب يوغوفيتش لأنه كان مرتبطا بشقيقة أركان في وقت سابق، وتلقى تهديدات جادة للغاية بالقتل.

كنت قد تعرفت على أركان بصورة غير مباشرة حينما كان رئيسا لجماهير الألتراس لفريق رد ستار بلغراد في تلك المباراة الشهيرة التي خيم فيها الضباب على الملعب أثناء تدريبي للميلان.

لم يأت أركان بنفسه بالطبع في لقاء الذهاب بمدريد بل أرسل زوجته. بعدها بـ15 يوما وقبل مباراة العودة لم نتناول الغذاء مع إدارة أوبيليتش في مطعم بسبب مخاوف لدى أركان الذي دعانا لمنزله. تناولنا الطعام وسط كم كبير من رجال الحراسة مسلحين من قمة رأسهم حتى أخمص قدميهم.

حينما ذهبنا في اليوم التالي لملعب التدريبات سمعت صوتا غريبا كما لو كان زئيرا أو شيئا من هذا القبيل. حينما ذهبت لأتفقد الأمر وراء غرف الملابس، وجدت نمرا محبوسا في قفص من الحديد. لم يكن (ويفا) قد صادق على اللعب باستاد أوبيليتش، لذا فإن المباراة أقيمت على ملعب بارتيزان بلغراد. كان الجمهور يقف معنا ضد أركان الذي تواجد قبل المباراة في الملعب مع نمره، كما لو كان يحاول مجددا إظهار سطوته أمام الكل.

فزنا دون أن نلعب بصورة جيدة وأثناء سيري نحو غرف الملابس شعرت بشخص ما يضع يده على كتفي من الخلف. كان أركان. قال لي بالإيطالية وعلى وجهه ابتسامة خبيثة "السيد ساكي.. حالفكم التوفيق بشكل كبير اليوم". أومأت برأسي لأنه كان محقا وثانيا لأنني لم أكن أرغب في النقاش مع شخص مثله. شخص انتهت حياته بتعرضه للاغتيال في الوقت الذي كان يحاكم فيه على جرائمه.

كنت أعرف مدى خطورة هذا الرجل. كانت هناك صحافية تعمل بالتليفزيون الإسباني وألقت أكثر من مزحة بخصوص أركان وزوجته وقبل مباراة الإياب في صربيا أوقفها شاب وسلمها ظرف وقال لها "هذا من أجلك!". حينما فتحته وجدت صورة التقطت لها قبلها بدقائق، نظر لها الرجل مبتسما وقال "تذكري أنه كما التقطنا لك هذه الصورة، فنحن نستطيع قتلك برصاصة في الرأس".

عادت الفتاة للفندق شاحبة وقصت علينا الموضوع، ونصحتها بألا تتحدث مجددا عن أركان أو زوجته. كانت تلك الرحلة مليئة بالأشياء الغريبة، فرئيس النادي كان يجري حوارا تليفزيونيا وفجأة وقع زلزال وظل الجميع يركض في كل الاتجاهات. كان الكل سعيدا ونحن في طائرة العودة لأننا نجينا من كل هذا.

الرحيل
لاحظت بدقة في إسبانيا الأعراض الأولى لأزمة لا حل لها كانت تراكمت داخل كياني، وهي أنه بمرور الوقت لم أكن قادرا على التعامل مع التوتر، ولم يعد الأمر مسليا بالنسبة لي. إسبانيا جميلة ورائعة، ولكن كنت أقضي الليل والنهار بين مشاهدة المباريات والتجهيز لها عبر إعداد الخطط المناسبة.

خلال الدور الأول من الدوري لم تكن البداية سيئة، كنا ضمن أول ثلاثة أو أربعة فرق، ولكن بدأنا في الخسارة: رباعية نظيفة من مايوركا، وهزيمة بأربعة أهداف لاثنين في الدربي أمام ريال مدريد، ثم تسع هزائم متتالية بعد الفوز على سيلتا.

كانت الإدارة بالطبع تشعر بالاستياء، وقيل لي صراحة إن ما يمنعهم من إقالتي هو الشرط الجزائي. كان ميغل أنخل لا يرى الأمور بهذه الصورة، وكان يرغب في استمراري، ولكن على أي حال قدمت في النهاية استقالتي في 14 فبراير/شباط 1999.

خلال المؤتمر الصحافي، قرأت بيانا مقتضبا قلت فيه: "منذ هذه اللحظة لم أعد مدربا لأتلتيكو مدريد. أنا مرهق. أرحل عن كرة القدم للأبد ولن أصبح مدربا مجددا. ليس لدي شيء إضافي يمكنني قوله".

كان من المقرر أن ينتهي تعاقدي في 30 يونيو/يونيو عام 2000، ولكن قررت التخلي عن كل النقود التي كنت سأحصل عليها، بل تنازلت أيضا عن الشرط الجزائي. المال لم يكن أبدا الغاية بالنسبة لي، ولكن لم أعد قادرا على الضغط. كنت أحبس نفسي في المنزل داخل مدريد. لم أتعرف أبدا على إسبانيا. لم أستمتع بها. هذا هو ما اكتشفته لاحقا حينما كنت أتحدث عن أصدقائي ويقصون لي عن عروض الفلامينكو التي لم أحضرها من قبل. الحياة الليلية. كل هذه الأشياء.