29 يونيو 2024
كتالونيا.. الأزمة وصعوبات الانفصال
لم يتوقع أحدٌ أن دستور 1978 الذي أرسى دعائم الانتقال الديمقراطي في إسبانيا الحديثة سينفجر في سنة 2017، من خلال مطالبة حكومة كتالونيا بالاستقلال. وهناك من شبّه فك كتالونيا ارتباطها بمدريد بأنه أخطر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن ترجمة مطلب استقلال الإقليم حقيقة ملموسة تعني ضربةً ماحقة لوحدة إسبانيا بشكل خاص، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، فهذه أسوأ أزمة تواجهها إسبانيا منذ أزيد من أربعين عاما. وهناك من يصف مبادرة رئيس حكومة الإقليم، كارليس بوتشمون، بالاختيار الانتحاري، لأنه سيؤجج الأوضاع بشكل غير مسبوق في منطقةٍ، تمثل خمس حجم اقتصاد إسبانيا.
تاريخيا، شكل مطلب الشعب الكتالاني الاستقلال ثابتا يكاد يكون بنيويا، فقد كانت هناك عدة محاولات وتجارب منذ القرن الثامن عشر، خصوصا أن عوامل اللغة والخصوصية الثقافية والعادات المحلية تقف وراء انتعاش الشعور بهويةٍ قائمة الذات. وتثير عملية الاستفتاء مسلسلا من التشويق والتسويق الإعلامي، فأغلبية تدافع عن وحدة إسبانيا، فيما هناك من يرى الاستفتاء ليس قعقعة رعد في سماء بلا غيوم، على حد وصف المؤرخ نيكولا مارتي، وهو يستند إلى العجز عن تجاوز شعور قوي وعميق في المجتمع الكتالاني، حيث هناك أحداث معاصرة عاشتها كتالونيا التي تعتبر نفسها أمة كاملة المواصفات، لكنها ليست قومية شوفينية، فسكان كتالونيا منفتحون على العالم، وإيجابيون وميالون إلى الفضاء الأوروبي. ولا يدّعي الشعب الكتالاني الدفاع عن قوميةٍ تؤمن بالقوة، بل قومية تؤمن بحقها في الوجود، كما أن أنصار الاستقلال في كتالونيا ليسوا متطرفين، والحركة الاستقلالية الكتالونية تحتل مجالا حيويا في الحقل السياسي المحلي، وتتكون من أحزاب وتيارات وكتل برلمانية متنوعة. هناك تحالفات بين أحزاب ممثلة في البرلمان الكتالوني، جمعت بين الجمهوري والمسيحي الديمقراطي واليساري والليبرالي والقومي المتشدد.
وكانت الحكومة المحلية لكتالونيا قد بحثت في العام 2010 إمكانية سن ميثاق ضريبي خاص بها، لكن الطلب قوبل بالرفض واللامبالاة، علما أن وضعا من هذا القبيل يتمتع به عدد من
الأقاليم، كالباسك الذي تتحكم حكومته المحلية في قطاعات أساسية، وتتوفر على جملة من اختصاصات موسعة. واللافت في هذا أن الأغلبية الصامتة في كتالونيا تعارض أي انفصال عن الأمة الإسبانية، وتناهض مبدأ الاستقلال، ففي استفتاء الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لم يصوت سوى 42% من سكان الإقليم. وهنا يطرح السؤال في حال إجراء استفتاء متفاوض بشأنه: هل ستخرج الأغلبية الصامتة عن صمتها لتدلي بأصواتها، فهي غائبة، لكنها وحدوية؟
في كتالونيا تتواجه شرعيتان، حق الشعب في أن يتمتع بدولةٍ مستقلة. والاستقلاليون هنا واثقون من عدالة قضيتهم، ويستغلون، بذكاء وبراغماتية، منطق الأمر الواقع. وهناك الحكومة المركزية، وهي أيضا واثقة من عدالة قضيتها وتلعب ورقة الضغط القانوني الشرعي. وهنا تكمن عناصر التراجيديا الكتالونية، فالمؤكد أن الشقين، السياسي والتاريخي، للأزمة، لا ينفصلان عن الشق الاقتصادي، وتبعا لذلك بدأت محموعة من الشركات مغادرة برشلونة. ولتطويق نزوعات كارليس بوتشيمون الانفصالية، طلبت الحكومة الإسبانية توضيحا مقنعا ودقيقا من رئيس حكومة كتالونيا، غير أنه لم يلتزم بالمطلب، وهذا ما يفسر وجود تصعيد سياسي وقضائي، فقد تلجأ المحاكم إلى متابعة مسؤولين أمنيين محليين. وقد هدّدت مدريد بجدية بتعليق العمل بالحكم الذاتي، طبقا للفصل 155 من الدستور، بما في ذلك بوضع منطقة كتالونيا التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي تحت وصايتها، إذا لم تتراجع الحكومة المحلية عن مطلب الاستقلال. ويبدو أن حكومة ماريانو راخوي تهيئ الأرضية والأجواء لاستعمال الفصل 155 من الدستور الإسباني الذي يسمح لها بتعليق العمل بالحكم الذاتي. وكان بوتشيمون تعمد، الثلاثاء الماضي، زرع الغموض والتشويش، عندما صرح بما سماه الإعلان الرمزي للاستقلال، مع وقف تفعيله، بهدف إبقاء الأبواب مشرعة على إمكانيات الحوار والتفاوض مع مدريد.
وتعتبر القوى الداعمة والمتبنية مطلب الاستقلال قرارها سياديا مسنودا بالشرعية الشعبية والتاريخية. وإذ لم تلتزم حكومة بوتشيمون باحترام المهلة الثانية، فإن مدريد ستضطر إلى تطبيق مقتضيات الدستور، واللجوء إلى وضع المنطقة تحت وصايتها، مع تنظيم انتخابات في ستة أشهر، علما أنها تعتبر ما تقوم به الأحزاب المناصرة للانفصال استفتاء غير مشروع وخارج القانون، ولن يؤدي سوى إلى تقسيم المجموعة الكتالونية وتفتيتها، ولن تكون لأي نتيجة سيسفر عنها الاستفتاء أية حظوظ في التطبيق، كما أن مدريد ترفض رفضا مطلقا قبول أي وساطة وطنية أو دولية، وتعتبرها مسألة مستحيلة في سياقٍ يطبعه التمرد والعصيان. وقال راخوي، في وقت سابق، "ليس هناك بلد يأخذ مأخذ الجد ما جرى"، في إشارة إلى الاستفتاء الذي نظمته حكومة كتالونيا. والحق في تقرير المصير، حسب راخوي، غير متضمن في أي دستور ديمقراطي، ولا يمكن أن ينسحب على الدولة الإسبانية سوى في حالة الدولة الخاضعة لسلطة استعمارية.
ويبدو أن أي قرار لا يمكن أن يتخذه راخوي وحده، من دون اللجوء إلى دعم الحزب الاشتراكي العمالي، والحصول على إشارة الضوء الأخضر من أمينه العام بيدور سانشيس. وكمقابل للحصول على هذا الدعم، على الحزب الشعبي الموافقة على مراجعة الدستور، وإعادة التفاوض بين مدريد والأقاليم السبعة عشر المكونة للشعوب الإسبانية. وقد شدد سانشيس على ضرورة تنصيب لجنة لتحديث المؤسسة الترابية، واشترط تفعيلها في أجل لا يتعدى ستة أشهر. والفكرة الجوهرية بحث كيفية بقاء كتالونيا داخل الفضاء الإسباني الوطني، وليس الانسحاب منه. وأعاد الحزب الاشتراكي العمالي التأكيد على التأويل الذي يمنحه للمادة 155 من الدستور الإسباني، بحيث يجب ألّا تنزلق الحكومة المركزية إلى تطبيقه، بل يجب أن يدفع بوتشيمون إلى أن يكون سببا في إعمال هذا الفصل، والذي لم يسبق أن استعمل، وهو صريح في دلالاته واختصاصاته، لكنه غامضٌ في تفاصيله، فهو يسمح لمدريد باتخاذ الإجراءات الضرورية إذا لم تحترم منطقةٌ ما تتمتع بالحكم الذاتي الالتزامات المنصوص عليها في الدستور، أو قوانين أخرى ذات الصلة، لكنه لا يحدّد لا الأجل ولا المدة ولا طبيعة الإجراءات الممكن اتخاذها، والتي من شأنها تعليق نشاط الحكومة المحلية، وحل البرلمان الجهوي. وهذا ما يطرح صعوبة قصوى في تطبيق الفصل 155، الأمر الذي يحتم على حكومة مدريد أن تقدم إلى مجلس الشيوخ، حيث يتوفر الحزب الشعبي الحاكم على الأغلبية المطلقة، وثيقةً تفصل الإجراءات المحتمل اتخاذها، والإنذار الموجه إلى رئيس حكومة كتالونيا، ثم على اللجنة العامة لمناطق الحكم الذاتي أن ترفع رأيا في الموضوع، كما أن الرئيس بوتشيمون سيمنح أجلا محدّدا لتقديم أجوبته.
وفي مرافعته عن موقفه، يراهن راخوي كذلك على موقف حزب سيودادونوس، ذي التوجه
الوسطي والمناهض لاستقلال كتالونيا، وقد دعا هذا الحزب، منذ اندلاع الأزمة مع مدريد، صراحة، إلى تطبيق الفصل 155، بما في ذلك تنظيم انتخابات جديدة في الإقليم، غير أن اللجوء إلى هذه الفصل يطرح أيضا إشكالا ديمقراطيا، لأنه يعيد إلى الأذهان العهد الفرنكوي الديكتاتوري.
وينظر الكاتب العام السابق للمجلس الدستوري الفرنسي، والمستشار الشرفي للدولة الفرنسية، جون إيريك شوتل، وهو يعرف عن كثب الأزمة التاريخية لكتالونيا، بقلق تجاه الأزمة التاريخية التي تجتازها إسبانيا، فهو يرى أنه "حتى مفهوم الأمة أصبح هشّا، وهدف الشعب الكتالاني هو التخلص من الإرث الإسباني". ويبدو أن هروب حكومة كتالونيا إلى الأمام لا يترجم مشروعا إيجابيا، بل يعكس إرادة استئصالية، لأن العاطفة الثقافية المتدفقة، والتي تصل إلى حد التعصب والمذهبية، هي العامل الذي يحرك مشاعر الانفصال في المجموعة الكتالونية، وقد تذهب إلى درجة الرغبة في التطهر مجازا من "رجس" الإسبان.
فهل سيكون مشروع الاستقلال في كتالونيا ثقافيا، مع العلم أن اللغة الكتالونية أصبحت اللغة الرسمية منذ عقود؟ وهل مشروع الاستقلال اقتصادي، خصوصا أن منطقة كتالونيا تهيمن منذ سنوات على النشاط الاقتصادي الإسباني، وتساهم بحصة كبيرة في الناتج الداخلي الخام، كما أن المنطقة تعرف أدنى نسبة بطالة؟ وهل المشروع سياسي، فكتالونيا تتمتع بنظام حكم منذ تبني دستور 1978، وهو وضع جد متقدم يصل، في كثير من صلاحياته، إلى حد الاستقلال؟ يكتسي مشروع الاستقلال بعدا سلبيا، حسب جون إيريك شوتل، ويسعى إلى صياغة "نحن" في مقابل "هم"، كما يهدف إلى قطع أي صلةٍ تربط بين المجموعة الكتالانية والشعب الإسباني، وهنا تسقط فكرة انتعاش كتالونيا وتحرّرها.
تاريخيا، شكل مطلب الشعب الكتالاني الاستقلال ثابتا يكاد يكون بنيويا، فقد كانت هناك عدة محاولات وتجارب منذ القرن الثامن عشر، خصوصا أن عوامل اللغة والخصوصية الثقافية والعادات المحلية تقف وراء انتعاش الشعور بهويةٍ قائمة الذات. وتثير عملية الاستفتاء مسلسلا من التشويق والتسويق الإعلامي، فأغلبية تدافع عن وحدة إسبانيا، فيما هناك من يرى الاستفتاء ليس قعقعة رعد في سماء بلا غيوم، على حد وصف المؤرخ نيكولا مارتي، وهو يستند إلى العجز عن تجاوز شعور قوي وعميق في المجتمع الكتالاني، حيث هناك أحداث معاصرة عاشتها كتالونيا التي تعتبر نفسها أمة كاملة المواصفات، لكنها ليست قومية شوفينية، فسكان كتالونيا منفتحون على العالم، وإيجابيون وميالون إلى الفضاء الأوروبي. ولا يدّعي الشعب الكتالاني الدفاع عن قوميةٍ تؤمن بالقوة، بل قومية تؤمن بحقها في الوجود، كما أن أنصار الاستقلال في كتالونيا ليسوا متطرفين، والحركة الاستقلالية الكتالونية تحتل مجالا حيويا في الحقل السياسي المحلي، وتتكون من أحزاب وتيارات وكتل برلمانية متنوعة. هناك تحالفات بين أحزاب ممثلة في البرلمان الكتالوني، جمعت بين الجمهوري والمسيحي الديمقراطي واليساري والليبرالي والقومي المتشدد.
وكانت الحكومة المحلية لكتالونيا قد بحثت في العام 2010 إمكانية سن ميثاق ضريبي خاص بها، لكن الطلب قوبل بالرفض واللامبالاة، علما أن وضعا من هذا القبيل يتمتع به عدد من
في كتالونيا تتواجه شرعيتان، حق الشعب في أن يتمتع بدولةٍ مستقلة. والاستقلاليون هنا واثقون من عدالة قضيتهم، ويستغلون، بذكاء وبراغماتية، منطق الأمر الواقع. وهناك الحكومة المركزية، وهي أيضا واثقة من عدالة قضيتها وتلعب ورقة الضغط القانوني الشرعي. وهنا تكمن عناصر التراجيديا الكتالونية، فالمؤكد أن الشقين، السياسي والتاريخي، للأزمة، لا ينفصلان عن الشق الاقتصادي، وتبعا لذلك بدأت محموعة من الشركات مغادرة برشلونة. ولتطويق نزوعات كارليس بوتشيمون الانفصالية، طلبت الحكومة الإسبانية توضيحا مقنعا ودقيقا من رئيس حكومة كتالونيا، غير أنه لم يلتزم بالمطلب، وهذا ما يفسر وجود تصعيد سياسي وقضائي، فقد تلجأ المحاكم إلى متابعة مسؤولين أمنيين محليين. وقد هدّدت مدريد بجدية بتعليق العمل بالحكم الذاتي، طبقا للفصل 155 من الدستور، بما في ذلك بوضع منطقة كتالونيا التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي تحت وصايتها، إذا لم تتراجع الحكومة المحلية عن مطلب الاستقلال. ويبدو أن حكومة ماريانو راخوي تهيئ الأرضية والأجواء لاستعمال الفصل 155 من الدستور الإسباني الذي يسمح لها بتعليق العمل بالحكم الذاتي. وكان بوتشيمون تعمد، الثلاثاء الماضي، زرع الغموض والتشويش، عندما صرح بما سماه الإعلان الرمزي للاستقلال، مع وقف تفعيله، بهدف إبقاء الأبواب مشرعة على إمكانيات الحوار والتفاوض مع مدريد.
وتعتبر القوى الداعمة والمتبنية مطلب الاستقلال قرارها سياديا مسنودا بالشرعية الشعبية والتاريخية. وإذ لم تلتزم حكومة بوتشيمون باحترام المهلة الثانية، فإن مدريد ستضطر إلى تطبيق مقتضيات الدستور، واللجوء إلى وضع المنطقة تحت وصايتها، مع تنظيم انتخابات في ستة أشهر، علما أنها تعتبر ما تقوم به الأحزاب المناصرة للانفصال استفتاء غير مشروع وخارج القانون، ولن يؤدي سوى إلى تقسيم المجموعة الكتالونية وتفتيتها، ولن تكون لأي نتيجة سيسفر عنها الاستفتاء أية حظوظ في التطبيق، كما أن مدريد ترفض رفضا مطلقا قبول أي وساطة وطنية أو دولية، وتعتبرها مسألة مستحيلة في سياقٍ يطبعه التمرد والعصيان. وقال راخوي، في وقت سابق، "ليس هناك بلد يأخذ مأخذ الجد ما جرى"، في إشارة إلى الاستفتاء الذي نظمته حكومة كتالونيا. والحق في تقرير المصير، حسب راخوي، غير متضمن في أي دستور ديمقراطي، ولا يمكن أن ينسحب على الدولة الإسبانية سوى في حالة الدولة الخاضعة لسلطة استعمارية.
ويبدو أن أي قرار لا يمكن أن يتخذه راخوي وحده، من دون اللجوء إلى دعم الحزب الاشتراكي العمالي، والحصول على إشارة الضوء الأخضر من أمينه العام بيدور سانشيس. وكمقابل للحصول على هذا الدعم، على الحزب الشعبي الموافقة على مراجعة الدستور، وإعادة التفاوض بين مدريد والأقاليم السبعة عشر المكونة للشعوب الإسبانية. وقد شدد سانشيس على ضرورة تنصيب لجنة لتحديث المؤسسة الترابية، واشترط تفعيلها في أجل لا يتعدى ستة أشهر. والفكرة الجوهرية بحث كيفية بقاء كتالونيا داخل الفضاء الإسباني الوطني، وليس الانسحاب منه. وأعاد الحزب الاشتراكي العمالي التأكيد على التأويل الذي يمنحه للمادة 155 من الدستور الإسباني، بحيث يجب ألّا تنزلق الحكومة المركزية إلى تطبيقه، بل يجب أن يدفع بوتشيمون إلى أن يكون سببا في إعمال هذا الفصل، والذي لم يسبق أن استعمل، وهو صريح في دلالاته واختصاصاته، لكنه غامضٌ في تفاصيله، فهو يسمح لمدريد باتخاذ الإجراءات الضرورية إذا لم تحترم منطقةٌ ما تتمتع بالحكم الذاتي الالتزامات المنصوص عليها في الدستور، أو قوانين أخرى ذات الصلة، لكنه لا يحدّد لا الأجل ولا المدة ولا طبيعة الإجراءات الممكن اتخاذها، والتي من شأنها تعليق نشاط الحكومة المحلية، وحل البرلمان الجهوي. وهذا ما يطرح صعوبة قصوى في تطبيق الفصل 155، الأمر الذي يحتم على حكومة مدريد أن تقدم إلى مجلس الشيوخ، حيث يتوفر الحزب الشعبي الحاكم على الأغلبية المطلقة، وثيقةً تفصل الإجراءات المحتمل اتخاذها، والإنذار الموجه إلى رئيس حكومة كتالونيا، ثم على اللجنة العامة لمناطق الحكم الذاتي أن ترفع رأيا في الموضوع، كما أن الرئيس بوتشيمون سيمنح أجلا محدّدا لتقديم أجوبته.
وفي مرافعته عن موقفه، يراهن راخوي كذلك على موقف حزب سيودادونوس، ذي التوجه
وينظر الكاتب العام السابق للمجلس الدستوري الفرنسي، والمستشار الشرفي للدولة الفرنسية، جون إيريك شوتل، وهو يعرف عن كثب الأزمة التاريخية لكتالونيا، بقلق تجاه الأزمة التاريخية التي تجتازها إسبانيا، فهو يرى أنه "حتى مفهوم الأمة أصبح هشّا، وهدف الشعب الكتالاني هو التخلص من الإرث الإسباني". ويبدو أن هروب حكومة كتالونيا إلى الأمام لا يترجم مشروعا إيجابيا، بل يعكس إرادة استئصالية، لأن العاطفة الثقافية المتدفقة، والتي تصل إلى حد التعصب والمذهبية، هي العامل الذي يحرك مشاعر الانفصال في المجموعة الكتالونية، وقد تذهب إلى درجة الرغبة في التطهر مجازا من "رجس" الإسبان.
فهل سيكون مشروع الاستقلال في كتالونيا ثقافيا، مع العلم أن اللغة الكتالونية أصبحت اللغة الرسمية منذ عقود؟ وهل مشروع الاستقلال اقتصادي، خصوصا أن منطقة كتالونيا تهيمن منذ سنوات على النشاط الاقتصادي الإسباني، وتساهم بحصة كبيرة في الناتج الداخلي الخام، كما أن المنطقة تعرف أدنى نسبة بطالة؟ وهل المشروع سياسي، فكتالونيا تتمتع بنظام حكم منذ تبني دستور 1978، وهو وضع جد متقدم يصل، في كثير من صلاحياته، إلى حد الاستقلال؟ يكتسي مشروع الاستقلال بعدا سلبيا، حسب جون إيريك شوتل، ويسعى إلى صياغة "نحن" في مقابل "هم"، كما يهدف إلى قطع أي صلةٍ تربط بين المجموعة الكتالانية والشعب الإسباني، وهنا تسقط فكرة انتعاش كتالونيا وتحرّرها.