يعدّ المؤلّف الموسيقي البولندي كرزيستوف بنيديريكي (1933- 2000) الذي رحل أمس الأحد بعد صراع طويل مع المرض، أحد الفنانين الطلائعيين الذين برزوا مطلع ستينيات القرن الماضي، باحثاً عن "تحرير الصوت الذي يتجاوز كلّ التقاليد" كما حدّد رؤيته تجاه الموسيقى الآلاتية.
وُلد الراحل في دبيتسا جنوب شرق بولندا، ودرَس في "جامعة جاغيلونيان" ثم التحق بـ"أكاديمية الموسيقى" في مدينة كراكوف، حيث تخرّج منها عام 1958 ليبدأ العمل مدرّساً إلى جانب التأليف، حيث وضع مقطوعته الشهيرة بعد أقل من عامين بعنوان "رثاء ضحايا هيروشيما"، ولقيت مثل بعض أعماله الأولى استحساناً شعبياً.
حقّق عمله "شغف القديس لوقا" (1966) حضوراً في الغرب، حيث اعتبرت قطعة موسيقية دينية مكتوبة بلغة موسيقية طليعية، واعتبر ذلك أمراً لافتاً في أوروبا التي كانت تحكمها أنظمة شيوعية، ونُظر إليها كجسر بين العناصر التقليدية والأكثر تجريبية.
منذ منتصف السبعينيات، أصبح مدرّساً في "مدرسة يال للموسيقى" بالولايات المتحدة، وتطوّرت أعماله في تلك المرحلة نغمياً، حيث ظهر ذلك في سيمفونيته الثانية "عيد الميلاد" (1980)، وكتَب أيضاً "الترنيمة البولندية" التي تحوي تراكيب نغمية أكثر تقليدية إحياء لذكرى القتلى خلال الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في بلاده اعتراضاً على ارتفاع الأسعار، وووجهت بقمع قوات الأمن.
تمّ استخدام مقطوعات لبنيديريكي في الموسيقى التصويرية لفيلم "طارد الأرواح الشريرة" (1973) للمخرج الأميركي وليام فريدكن، ليؤلّف بعدها عشرات الأعمال للعديد من الأفلام السينمائية مثل "البريق" (1980) لـ ستانلي كوبريك، و"قاسي القلب" (1990) و"إمبراطورية من الداخل" (2006) لـ ديفيد لينش، والتي وظّف في جميعها الأناشيد والترانيم وأصوات الكورال التي ظلّ يستخدمها بأساليب متنوّعة.
سعى الملحّن البولندي إلى التعامل مع الأروكسترا ككتلة صوتية ما جعلها قريبة من الجمهور، كما لجأ إلى تقنيات متعدّدة الألحان التي كانت متداولة لدى مؤلّفي عصر النهضة، مع اعتماده بشكل كبير على التعبيرات الصوتية الإيقاعية، والتدوين الموسيقي غير التقليدي.
صدرت المقالات التي نشرها بنيديريكي أثناء حياته وكتابات أخرى له ومقابلة صحافية في كتاب بعنوان "متاهة الزمن: خمسة عناوين لنهاية الألفية" عام 1998، كما حصل على العديد من التكريمات منها أربع جوائز غرامي كان آخرها عام 2016.
وضَع أكثر من عمل أوبرالي، أحدها للأطفال بعنوان "الفارس الأكثر شجاعة"، و"الفردوس المفقود" وهي أوبرا تستند إلى قصيدة جون ملتون التي تحمل العنوان ذاته، و"شياطين لودان" المأخوذة عن كتاب ألدوس هكسلي بالعنوان نفسه.