أخيراً حسم الأوروبيون خياراتهم بالنسبة لأرفع منصب اقتصادي في الاتحاد الأوروبي، واتفق زعماء الاتحاد على اختيار رئيسة صندوق النقد الدولي الفرنسية كريستين لاغارد رئيساً للبنك المركزي الأوروبي خلفاً للإيطالي ماريو دراغي الذي ستنتهي مهمته في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وتعد لاغارد المرأة الأولى التي تتولّى مثل هذا المنصب منذ إنشاء صندوق النقد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945.
وعلى ضوء تسمية الرئيس الجديد للمركزي الأوروبي، تتخلّى لاغارد عن صندوق النقد، من أجل المنصب الجديد، وقد خلفها في المنصب ديفيد ليبتون الذي تم تعيينه بشكل مؤقت رئيساً للصندوق.
ولاغارد من مواليد 1956 وتتولّى منذ عام 2011 منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي. وحصلت على المنصب المرموق خلفاً لمواطنها دومينيك ستروس كان الذي قد استقال من منصبه في شهر مايو/ أيار من نفس العام على خلفية فضيحة جنسية.
وكان من المقرر أن تنتهي ولايتها في الصندوق عام 2021، وهي تعد من أول النساء اللواتي شغلن منصب وزير المالية في فرنسا ومن أقوى أنصار تمكين المرأة وإن كانت لا تملك خبرة مباشرة في ما يخص السياسة النقدية.
لاغارد التي تبلغ من العمر 63 سنة شغلت قبل التحاقها بالصندوق منصب وزيرة المالية والشؤون الاقتصادية والصناعية بحكومة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي.
كما شغلت مناصب وزارية عدة في الحكومات الفرنسية المتعاقبة، أبرزها وزيرة الزراعة والصيد البحري ووزيرة منتدبة للتجارة الخارجية، قبل أن تتقلد في 2007 منصب وزيرة الاقتصاد في حكومة فرانسوا فيون.
وقالت لاغارد، في تغريدة عبر "تويتر"، مساء أول من أمس، "يشرفني ترشيحي لرئاسة البنك المركزي الأوروبي، وعلى ضوء ذلك، وبالتشاور مع لجنة الأخلاقيات التابعة للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، قررت التخلي مؤقتًا عن مسؤولياتي كمدير لصندوق النقد الدولي خلال فترة الترشيح".
وستكون أهم مهمة تضطلع بها لاغارد، التي نفت سابقاً أي اهتمام بشغل المنصب، إنعاش اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 دولة من أبرزها ألمانيا وفرنسا، وتواجه مشاكل خاصة في دول مثل إيطاليا واليونان.
وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي: "ستكون لاغارد رئيسة ممتازة للبنك المركزي الأوروبي. أنا واثق من أنها ستكون رئيسة مستقلة إلى حد بعيد".
وتواجه لاغارد في منصبها الجديد تحديات جسيمة من أبرزها منع اقتصادات منطقة اليورو من الانزلاق إلى هاوية الركود الاقتصادي، واتباع سياسة نقدية مرنة تعمل على شراء السندات الحكومية وتخفف من أزمة الديون داخل دول الاتحاد وخفض الفائدة على اليورو، وإن كانت ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، تعارض الاقتراح الأخير.
كما يأتي تعيين لاغارد وسط تحديات كبرى تواجهها الاقتصادات الأوروبية، إذ إن إحصائيات "يورو ستات" الصادرة خلال الشهر الماضي، تشير إلى ركود محتمل في المشتريات والإنتاج الصناعي، وهو ما جعل بعض الاقتصاديين يضعون المنطقة في خانة السالب ومرشحة للدخول في ركود خلال العام الجاري.
وتعرف لاغارد بجديتها في العمل وبخياراتها الليبرالية في تسيير الاقتصاد وبدفاعها عن أوروبا في ظل العولمة الاقتصادية.
ولعبت لاغارد دوراً، إلى جانب ساركوزي، من أجل وضع خطط لإنقاذ اقتصاد العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي واجهت مشكلات اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة، مثل البرتغال وأيرلندا، فيما سعت جاهدة إلى مساعدة اليونان التي تواجه مشاكل مالية كبيرة منذ بداية هذه السنة وتعاني من الإفلاس.
وكانت مجلة "فايناشيال تايمز" البريطانية قد صنفت لاغارد كأحسن وزيرة اقتصاد في منطقة اليورو لعام 2009؛ تقديراً منها للجهود التي بذلتها لمجابهة الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم وبأوروبا منذ عام 2008 ومعالجة أزمة الديون.
كما صنفتها مجلة "فوربس" التي تتابع شؤون الأغنياء في العالم في المرتبة السابعة عشرة، ضمن الشخصيات الأكثر قوة ونفوذاً في العالم قبل تسعة أعوام.
وما ساعد لاغارد في نجاحها على تولي منصب رئيسة النقد الدولي معرفتها الجيدة بالثقافة الأنغلوسكسونية وإتقانها للغة الإنكليزية، إذ عاشت سنوات عديدة في الولايات المتحدة؛ حيث كانت تعمل محامية في مكتب محاماة عريق يدعى "بيكر وماكنزي" لسنوات عديدة من 1995 إلى 2004.
وتملك لاغارد علاقات طيبة مع العديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية المؤثرة في العالم، كما تنظر إليها دول الاتحاد الأوروبي على أنها المرشحة المثالية لتولي مثل هذا المنصب كونها لها دراية بمشاكل هذه القارة المالية والاقتصادية.