لو كان المجرم الذي قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، يعرف كلفة جريمته الاقتصادية والمالية، قبل الكلفة الأخلاقية، هل كان سيُقبل على هذه الجريمة؟
ولو عرف هذا المجرم، الذي لا نعرفه حتى الآن، أن قتل ريجيني سيكبّد اقتصاد البلاد خسائر بمليارات الدولارات هي في أشد الحاجة إليها، هل كان سيعدل عن جريمته التي هزت كل دول العالم، أم كان سيصرّ على تنفيذها؟
ولو عرف هذا المجرم أن قتل الطالب سيقضي على ما تبقى من آمال في تنشيط السياحة المصرية ويؤجل استعادة القطاع الحساس والمهم عافيته، هل كان ضميره سيقبل بقرار القتل حتى ولو كان الطالب القتيل مشاغبا من الناحية السياسية أو يعد أبحاثاً لصالح جهة أجنبية؟
ما الذي جنته مصر من مقتل ريجيني، ومن قبله مقتل السياح المكسيكيين ثم السياح الروس؟ وما الذي جنته من قبل من محرقة رابعة والنهضة وغيرها من ميادين مصر؟ وما الذي عاد على السياحة والاستثمارات الأجنبية من قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع، واعتقال ما يزيد عن 40 ألف مواطن لا ذنب لهم سوى الحلم بمستقبل أفضل لبلادهم، مستقبل خال من القمع والفساد وانتهاك حقوق الإنسان والبيروقراطية؟
أول من أمس السبت، قررت جمعية السياحة الإيطالية غير الحكومية، تعليق رحلاتها ووقف جميع أنشطتها مع مصر، لحين التوصل إلى حقيقة مقتل جوليو ريجيني.
القرار الإيطالي صادم وله توابع وتداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري ونشاط السياحة، خاصة إذا ما علمنا أن جمعية السياحة تلك تعد واحدة من المنظمات الإيطالية الرئيسية النشطة في مجال السياحة، وتضم عددا ضخما من الشركات الإيطالية، وأن هذه الشركات وافقت جميعها على تعليق رحلاتها لمصر.
لم تتوقف خسائر مصر من حادث مقتل الطالب الإيطالي عند هذا الحد، فقد سبق قرار جمعية السياحة الإيطالية إعلان رئيس جمعية مرسى علم السياحية، عاطف عبداللطيف، أن السياحة تعاني من أزمة حادة، بسبب تراجع الحجوزات الإيطالية بنسبة 90% بعد مقتل ريجيني.
خسائر الاقتصاد المصري فادحة من حادث مقتل طالب أجنبي واحد.
وحسب الأرقام، فإن السياحة الإيطالية في مصر تحتل المركز الثالث بعد روسيا وألمانيا، وأنه قبل عام 2010 كان السياح الإيطاليون في المركز الثاني بين الدول الأكثر إقبالًا على مصر، حيث كان يصل عددهم إلى أكثر من مليون سائح.
وإذا ما أضفنا للتطورات السابقة إعلان لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيطالي أن مصر دولة غير آمنة، نصبح هنا أمام خسائر فادحة سيتحملها الاقتصاد المصري حالياً ومستقبلاً نتيجة غياب السياحة والاستثمارات الإيطالية وربما الأوروبية.
لقد تحمّل المصريون كلفة أغلى قتيل في العالم، في وقت تبحث فيه البلاد عن أي نقد أجنبي يوقف الارتفاع المستمر في أسعار السلع والدولار والخدمات، ويوفر للبلاد نقداً أجنبياً يغطي ولو حتى نصف كلفة الواردات البالغة قيمتها 62 مليار دولار.