تتفاوت التقديرات الدولية لحجم التراجع في الناتج المحلي الدولي، فحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي، فإن نسبة هذا التراجع ستصل إلى حوالي 4.3% خلال العام الحالي، (2020).
وقد يقوم صندوق النقد بمراجعة لتقديراته في ضوء النتائج الجديدة لأرقام الدول الكبيرة، وربما يعيد تقديرها إلى 5.2% دون الصفر.
أما الـ OECD (مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية)، والتي تضم في عضويتها 26 اقتصاداً كبيراً، فتقدّر أن يصل التراجع في الناتج المحلي الإجمالي للعالم إلى 6%، بناء على تقديراتها للدول الأعضاء، ولبعض الدول المهمة من خارج عضويتها.
وبالنسبة للدول العربية، سيصل التراجع في النمو الاقتصادي إلى 4.5% تقريباً، حيث يتركز معظمه في مجموعة دول الخليج العربية، ولأسباب تتجاوز فيروس كورونا إلى تأثيراته على مصدر الدخل الرئيسي لهذه الدول، وهو هبوط سعر النفط والغاز، وكذلك إلى وضع موازنات الدول التي يعتمد إنفاقها على إيرادات النفط والغاز.
وهنالك دول عربية ما زالت آلة الإنتاج فيها معطلة، وإذا عملت فإنها تفعل ذلك خارج الإطار الرسمي، مثل اليمن والصومال وليبيا وسورية، وكل من لبنان والعراق، لأسباب التصارع السياسي داخلها.
أما سورية، فإن الأذى الاقتصادي الذي يلحق بها قد ازداد بفعل تمرير قانون قيصر واعتماده من الكونغرس الأميركي والرئيس دونالد ترامب.
ولعل حالة اقتصاد الأردن تستحق التأمل، فهو الذي اعتمد، منذ منتصف شهر مارس/ آذار، سياسة الإغلاق الكامل، وتفضيل حياة الناس وصحتهم على المردود الاقتصادي.
واستمر هذا الوضع شهرين ونصف الشهر، حين بدأ الأردن بأخذ إجراءات تخفيفية، استقبلها المواطن بالترحاب. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن يتراجع النمو الاقتصادي الأردني بنسبة 3.5% تقريباً، وهي من أقل النسب.
السؤال إذن: ماذا لو حصلت موجة ثانية من كورونا؟ وحتى نجيب، لا بد من توضيح ماذا تعني عودة الجائحة ثانية، هل تعني السيطرة على الموجة الأولى من الجائحة بسبب عوامل مختلفة، ثم حينما يحل فصل الخريف، ببرودته وانتعاش فيروسات البرد فيه، وهبوط درجة المناعة في الأبدان، هل ستبدأ موجة ثانية من نقطة الصفر؟ أم هل ستبدأ الموجة الثانية عندما تعلن منظمة الصحة العالمية أن الوباء بات تحت السيطرة، وإنْ لم يختفِ تماماً، أو عندما نجد له لقاحاً شافياً؟
إذا عاد فيروس كورونا إلى الهجوم في وقت ما خلال هذا العام، بعدما انطلق الناس في حياتهم، فسيكون الأمر شاقاً عليهم، ولربما يرفض أناسٌ كثيرون الانصياع لإجراءات الوقاية منه، إلا إذا وصلت الإصابات إلى أعداد لا قِبلَ للدول بها.
ولكن إذا كانت الموجة الثانية مثل الأولى أو أقل قليلاً، فستكون الدول أكثر استعداداً لها، ولذلك لن يكون الضرر الناتج عنها كبيراً مثل الموجة الأولى. وهذا هو السيناريو الأقرب إلى المصداقية، إلا إذا طوّر الفيروس نفسه إلى نوعٍ جديد بتسمية كوفيد - 20.
وقد يثور السؤال: ما الفرق بين الموجة الثانية وارتفاع منحنى الإصابات؟ وبغض النظر عن شكل المنحنى، فإنه لن يصل، في تقدير علماء كثيرين، إلى ارتفاعه وامتداده نفسيهما، كما كان في الموجة الأولى.
وفي المقابل، لن يمارس العالم سياسة الحجر الكامل أو الإغلاق شبه الكامل. ولذلك ستعدل الأرقام لتقدير حجم التراجع الاقتصادي، بنسب تجعل مقدار الخسارة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي أقلّ من تقديرات الموجة الأولى.
بناء على ذلك، تقدّر منظمة OECD أن الاقتصاد العالمي سيتراجع، في حال حصول الموجة الثانية إلى 7.5%، بدلاً من 6% التي قدّرتها في الموجة الأولى.
أما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فقد يعدلان نسبة الهبوط من 4.5% إلى 5.5%. أما الدول العربية فستتراجع اقتصاداتها في حال حصول الموجة الثانية بنسبة 5.5%- 6%
أما البطالة فسوف تزداد بمقدار 120 مليونا مقابل 100 مليون عامل، وسترتفع نسب الفقر ارتفاعاً كبيراً، وخصوصا أن مليارديرات العالم هم الأكثر استفادة من استمرار جائحة كورونا.
وسوف يقدّم هذا الوباء صورة توزيع الدخل والثروة في العالم بشكلٍ محزن أكثر مما وصفه الفرنسي توماس بيكيتي، في كتابيه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" و"اقتصاد اللامساواة".
إذن، لو قسنا الجائحة بعدد الإصابات لبدت خفيفةً بموجب إحصاءات جامعة جونز هوبكنز الأميركية، حيث بلغ عدد الإصابات، حتى مساء الإثنين الماضي، حوالي 7.3 ملايين إصابة، شفي منها حوالي 60%.
ولكنها على الرغم من ذلك تشكل أقل من 0.1% من عدد سكان العالم. وبلغ عدد الوفيات حوالي 450 ألفاً، أو أقل من 0.05% من سكان العالم. ولكن هذا الداء كشف عيوباً كثيرة، فجاء كرفّة جناح فراشة في الشرق سببت أعاصير في العالم كله، وفي غربه تحديداً.
إذا تحققت، لا سمح الله، احتمالات الحروب في خريف الغضب المقبل، أو في نهايات صيفه، فإننا سنحمد الله على أيام "كوفيد – 19".