لا تمر مناسبة على لبنان، إلاّ ويعمل بعض الفنانين على استغلالها. لا شيء يمنعهم. الجميع يريد أن يتغنى بالوطن والجيش والقوى الأمنية، الجميع من دون استثناء. في المقابل، يختصر بعض هؤلاء أحياناً محبتهم للدولة أو للجيش، ويطلقون التصريحات أو المواقف المضادة تماشياً مع حادثة أو أزمة طارئة. هؤلاء أيضاً يعيشون "انفصاماً" صورياً في التوجه والانتماء، ليس فقط كمغنين، بل كأناس عاديين يعيشون في لبنان ويعانون مثل أي مواطن آخر.
في لبنان، لا تختصر الأغنية الوطنية محبة الفنانين أو الجمهور للوطن. الأحزاب اللبنانية اعتمدت صيغة مرادفة أثناء زمن الحرب، وأصدرت مجموعة من الأناشيد الحزبية التي تنافس بعض الأحيان الأغنية الوطنية الموحدة. الشعب يعاني من ازدواجية توجّه، الأولى للحزب الذي ينتمي طائفياً إليه، والثانية في الأغنية المحايدة التي تجمع أو تتوجه للمواطن اللبناني المستقل.
هكذا، يعيش اللبنانيون بين المناسبة الوطنية، والمناسبات الحزبية، من دون ولاء، أو انتماء فنّي جامع. على العكس، تتحول بعض الأغاني أحياناً إلى تراشق مذهبي بحسب ميول وهوية الفنان الذي يغنيها، خصوصاً بعض الفنانين الموالين للأحزاب، والبعض اليوم الذي يغالي في التوجه إلى السلطة وما يسمى بالعهد الحالي.
قبل أيام، أصدر المغنيان معين شريف وملحم زين أغنية بعنوان "حلم الأرض"، قيل إنها لمناسبة الذكرى 75 للاستقلال. الغريب أن يتخذ بعضهم من الاستقلال حجة، لتكريس الوجهة العسكرية أو التعبير عن محبة الشعب اللبناني لجيشه. تمجيد المؤسسات العسكرية، كليشيه يخرج في كل المناسبات. المعلوم أن الجيش لم يكن أثناء خلاص لبنان من الانتداب الفرنسي وفوزه بالاستقلال سوى مؤسسة بالشكل. لبنان اتخذ استقلاله تحت غطاء سياسي، ودعم شعبي واعتصامات؟ لم يكن هناك من معارك ولا "شهداء" كما يحاول الفنانون أو الشعراء تصوير ما حصل. هؤلاء يسعون إلى التوجه برمزية المناسبة إلى قيادة الجيش اللبناني من دون مناسبة.
ليست أغاني الاستقلال اليوم وليدة المناسبة. لطالما عمد اللبنانيون إلى استغلال ذلك عبر مجموعة من الأغاني التي حفظها الناس عن ظهر قلب، وأصبحوا يردودنها في المقاهي والمطاعم. بعض رواد السهر يرقصون عليها تماماً كما أغاني الحب و"الدبكة" لا فرق. من هذه الأغاني، نذكر "بيي راح مع العسكر"، للسيدة فيروز، و"بكتب اسمك يا بلادي" لـ جوزف عازار، و"تعلا وتتعمر يا دار" للفنانة الراحلة صباح، وغيرها من الأغاني التي تستخدم في كل الأوقات، وليس في مناسبة وطنية لبنانية جامعة فحسب.
في العودة إلى الأغنية، "حلم الأرض"، التي يؤديها ملحم زين وزميله معين شريف، بدت الأغنية متشابهة مع الألحان والكلمات التي دأب عليها الثنائي نزار فرنسيس كاتب كلماتها، وملحنها سمير صفير. صفير مقلّ جداً في التلحين، في السنوات الأخيرة، أما الكليب فجاء ضعيفاً بعيداً كل البعد عن المزايا الحماسية التي تشجع المتلقي للتفاعل مع الأغنية. كاميرا تدور بين المغنين المتكئين على أكتاف بعضهما. لا تعرف ما هي أسباب دوران الكاميرا، أو المغزى من ذلك، مجرد كليشيهات لها مدة زمنية محدودة، تخلص مع انتهاء صلاحية المناسبة وعودة الجميع إلى منازلهم.