كل الصحافيين كانوا يبدؤون بنفس السؤال

01 ديسمبر 2015
راشد دياب / السودان
+ الخط -

في ثقافتنا العربية، نعرف أن عليك أن تخفض بصرك حتى لا تفضح النظراتُ انفعالاتك أمام الآخرين. كان ابن حزم، وهو الأندلسي المهذّب، ينصح المحبّين بأن يتحكّموا في نظراتهم حتى لا تكشف ما يكنّونه، وذلك لأن العين، في رأيه، "باب للنفس الشارع، وهي المنقّبة عن سرائرها، والمعبّرة لضمائرها، والمُعرِبة عن بواطنها".

ويمكن أن نفسّر هذا الحياء الذي يتحدّث عنه ابن حزم، والذي يجبر المرأة، بصفة خاصّة، على غضّ البصر، بكونه تظاهراً ونوعاً من الكيد الذي تتسلّح به النساء لإخفاء ما يراود أذهانهنّ، وبالتالي فهو أقرب إلى الاستراتيجية منه إلى أي شيء آخر.

غير أن ما لا نعرفه هو أن الابتسامة يمكن أن تُعبِّر كالعين، وقد يتم ذلك بطرق عدّة. لقد كانت ابتسامات الصحافيين الغربيين الذين يتفحّصونني جدّ معبّرة ومختلفة في ما بينها، وكانت تتفاوت تبعاً للبلد الذي ينحدر منه الشخص، وللثقافة التي يمثّلها.

يمكن أن نقسم الصحافيين الغربيين إلى فئتين: الأميركيين من جهة، والأوروبيين من جهةٍ أخرى. حين ينطق الأميركيون لفظة "الحريم" يُبدون ابتسامةً تعبّر بصراحةٍ عن حرجهم، وأيّاً كان المعنى الذي يضفونه على الكلمة، يبدو بديهياً أنها تحيلهم على شيء ما باعث على الخجل.

أما الأوروبيون، فيعبّرون من خلال ابتساماتهم عن مشاعر أرحب، تتراوح بين الحرج المهذّب والمرح المبالغ فيه. يرتبط هذا التفاوت الواضح بالمسافة التي تفصل هؤلاء وأولئك عن ضفّتي البحر الأبيض المتوسّط، ذلك أن ابتسامات الفرنسيين والإسبان والإيطاليين الذين ينتمون إلى الجنوب، تكتسي الطابع المرح المعروف لدى أهل البحر الأبيض المتوسّط.

أما الإسكندنافيون والألمان المنحدرون من الشمال، فيبدون مدهوشين ومصدومين بشكلٍ أو بآخر: "لقد وُلدتِ حقّاً في حريم؟". ذلك ما كانوا يردّدونه وهم ينظرون إليّ بمزيج من الاندهاش والقلق.

لقد بدأتُ كتابي "نساء على أجنحة الحلم" بقولي: "وُلدتُ في حريم بفاس، المدينة المغربية التي تعود إلى القرن التاسع". ويبدو أن ما قلته يطرح شكلاً غامضاً لا أدري كنهه، والواقع أن كل الصحافيين الذين استجوبوني كانوا يبدؤون حديثهم بنفس السؤال الذي أصبح صيغة اعتيادية: "وإذن، لقد وُلدتِ حقّاً في حريم؟".

كنت أدرك من خلال النظرة الحادة التي تواكب الكلمات بأنه يتحتّم عليّ ألّا أراوغ أو أتفادى الموضوع الذي يخفي سرّاً باعثاً على الحرج، أيّاً كانت الأحوال وأيّاً كانت الأسباب.

إلّا أن الحريم يحيل لدي إلى العائلة قبل كل شيء، ولن يخطر ببالي أبداً أن أربطه بشيء مبهج، خاصّة وأن أصل الكلمة يعود إلى "الحرام"، أي الممنوع.


اقرأ أيضاً: عرض "تحرير المرأة" والمستقبل الذي صار حلماً

المساهمون