ترجح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) فرضية وقوف مجموعة موالية لتنظيم "داعش" وراء الكمين الذي استهدف قبل نحو أسبوعين فرقة أميركية خاصة في الصحراء الكبرى، وأسفر عن مقتل أربعة جنود أميركيين، وإصابة اثنين. ورغم الضبابية التي ما زالت تحيط بأسباب وقوع 12 جندياً أميركياً في كمين مسلح في صحراء النيجر، وطبيعة المهمة التي كانوا يقومون بها، إلا أن الخبراء العسكريين في البنتاغون ينظرون إلى هذا الهجوم الإرهابي على أنه مؤشر على الاستراتيجية المستقبلية لـ"داعش" والتنظيمات والفصائل المتشددة الأخرى، التي أعلنت مبايعة التنظيم، بعد سقوط عاصمة "دولة الخلافة في الرقة".
وغرقت وسائل الإعلام الأميركية في مستنقع الاعتبارات السياسية الداخلية لتداعيات مقتل الجنود الأميركيين الأربعة، وسلطت الضوء على تفاصيل رد فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتأخره في مواساة عائلات الجنود، وتجنبه طوال 12 يوماً تناول كمين النيجر في تصريحاته وتغريداته، رغم أن الخسارة البشرية التي لحقت بالجيش الأميركي في هذا الكمين تعتبر الأسوأ منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وقد ذهب بعض المحللين إلى مقارنة هجوم النيجر بالهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في بنغازي في العام 2012، وأدى إلى مقتل السفير الأميركي وعدد من الموظفين الأميركيين، في دعوة مبطنة إلى تشكيل لجنة تحقيق في الحادث على غرار لجنة بنغازي التي شكلها الكونغرس، وعقدت جلسات استجواب مطولة مع وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون.
ونقلت نائبة ديمقراطية في مجلس النواب الأميركي عن زوجة أحد الجنود القتلى استياءها من طريقة تصرف ترامب خلال اتصال هاتفي أجراه معها من أجل مواساتها بعد 12 يوماً من مقتل زوجها في كمين النيجر. وزعمت الزوجة أن الرئيس لم يكن يعلم اسم الجندي القتيل. ونفى ترامب زعم النائبة الديمقراطية، مشدداً على أن ما جاء على لسانها بشأن الاتصال مع أرملة الجندي "فبركة" لا أساس لها من الصحة. ودافع الرئيس عن عدم اتصاله بعائلات عدد من الجنود الأميركيين الذين سقطوا في ساحات المعركة، معتبراً أن الكثير من الرؤساء السابقين لم يتصلوا بجميع العائلات، مشيراً إلى أن الرئيس السابق، باراك أوباما، واحد من هؤلاء. وقال ترامب إن كبير الموظفين في البيت الأبيض، جون كيلي، أبلغه أن أوباما لم يتصل به لمواساته بمقتل ابنه خلال خدمته في الجيش الأميركي. ودافعت متحدثة باسم البيت الأبيض عن موقف ترامب، وعزت تأخره في التواصل مع عائلات الجنود إلى إرباكات إدارية في البيت الأبيض. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب كان وعد بإعطاء والد أحد الجنود، خلال اتصال هاتفي لمواساته بمقتل ابنه، مبلغ 20 ألف دولار. ونقلت عن الوالد أنه لم يتسلم الشيك الذي وعد ترامب بإرساله. لكن بعض التقارير الإخبارية أشارت إلى أن البيت الأبيض سارع إلى إرسال الشيك الأربعاء الماضي، وذلك بعد نشر الصحيفة التقرير.
وأثار مقتل الجنود الأميركيين في النيجر موضوع الوجود العسكري الأميركي في بؤر التوتر في أفريقيا، والمخاطر التي يتعرض لها عناصر من الوحدات الأميركية الخاصة، الذين لا يكشف عن أماكن انتشارهم. وحسب "البنتاغون"، ينتمي الجنود الأربعة إلى فرقة القبعات الخضر في الجيش الأميركي، وهذه الوحدة موجودة في النيجر في مهمة عسكرية في إطار الحرب على الإرهاب ودعم السلطات الحكومية على محاربة المجموعات الإرهابية المتطرفة المنتشرة في دول مجاورة، مثل مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا. والأميركيون حاضرون في النيجر، وخصوصاً في مطار أغاديز، عبر قاعدة تقلع منها طائرات من دون طيار تراقب منطقة الساحل. لكن العسكريين العاملين في هذه القاعدة لا يخرجون منها سوى في حالات نادرة. وإضافة إلى القاعدة، ثمة قوات خاصة أميركية وعناصر لتدريب العسكريين النيجريين. وترجح وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية صحة البيان الذي نشرته وكالة "أعماق"، وأعلن فيه تنظيم "داعش" مسؤوليته عن قتل الجنود الأميركيين في الصحراء الأفريقية الكبرى، خصوصاً أنّ أياً من المجموعات المتطرفة الأخرى لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم. وتقول مصادر عسكرية أميركية إن أكثر من 50 مسلحاً من "داعش" في غرب أفريقيا هاجموا، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، الوحدة العسكرية الأميركية المؤلفة من 12 جندياً. ويحقق "البنتاغون" حالياً بالمعلومات الاستخبارية الخاطئة التي أدت إلى وقوع وحدة عسكرية خاصة، تقوم بمهمة سرية، في كمين محكم. ولأن العسكريين الأميركيين لم يكونوا يتوقعون عملاً معادياً، تولت القوات الفرنسية التي تكافح الإرهابيين في المنطقة تقديم دعم جوي لهم بعد الكمين، بما في ذلك مقاتلات وطوافات قتالية وطبية نقلت الجرحى جواً.
ودافع وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، عن العملية العسكرية الأميركية في النيجر، لكنه اعترف بعدم امتلاكه معلومات كافية عن الكمين الذي تعرضوا له. وقال ماتيس "نحن فخورون جداً بجنودنا،" موضحاً أنه تم فتح تحقيق، لكن "لا نملك كل المعلومات بعد". وأشار إلى أن الولايات المتحدة نشرت نحو ألف جندي في تلك المنطقة، بينما تُبقي فرنسا أربعة آلاف جندي هناك منذ سنوات. وأوضح أن الفرنسيين "خسروا عدداً أكبر بكثير من الجنود". وشدد على أن الوضع في أفريقيا "خطير في أحيان كثيرة"، لافتاً إلى أن "الخطر الذي تُواجهه قواتنا خلال عمليات مكافحة الإرهاب حقيقي جداً". ويعود حضور تنظيم "داعش" في الصحراء الأفريقية الكبرى إلى عام 2015، عندما أعلن عدنان أبو وليد الصحراوي الانفصال عن تنظيم "القاعدة" ومبايعة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي. وذكرت وكالة "أعماق" إن قيادة التنظيم باركت مبايعة الصحراوي، من دون الإعلان رسمياً عن قيام "داعش" في الصحراء الأفريقية الكبرى، والذي أعلن مسؤوليته عن عدد من العمليات الإرهابية، منها واحدة استهدفت نقطة أمنية في بوركينا فاسو. وتنشط في المنطقة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة إلى "القاعدة". وقد نفذت هذه الجماعة عمليات في مالي وبوركينافاسو وساحل العاج، وخطفت العام الماضي موظفاً أميركياً يعمل في منظمة إنسانية، ليصبح لديها ستة رهائن غربيين. ويطالب التنظيم بالحصول على فدية مالية كبيرة للإفراج عنهم. وتعتبر جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا من أبرز الجماعات الإرهابية وأعنفها، وقد أعلنت أيضاً مبايعتها للبغدادي.