لا مكان آمناً... الاعتداءات الإسرائيلية تطاول 82% من مساحة لبنان

17 أكتوبر 2024
آثار الغارة الإسرائيلية على أيطو، 15 أكتوبر 2024 (كارل كورت/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ 23 سبتمبر 2023، توسعت الاعتداءات الإسرائيلية في لبنان لتشمل 82% من الأراضي، مستهدفة 20 قضاءً من أصل 26، مما يعكس نية إسرائيل في تحويل لبنان إلى ساحة استهداف شاملة وفرض "حصار عسكري".

- الاعتداءات شملت مناطق واسعة مثل صيدا، جزين، صور، النبطية، وبيروت، بينما بقيت أقضية مثل عكار وطرابلس خارج دائرة الاستهداف، مع تدمير شبه كامل للمعابر البرية في الشرق والشمال الشرقي.

- النائب عبد الرحمن البزري أشار إلى أن الأمان في لبنان أصبح نسبيًا، حيث تهدف الاعتداءات الإسرائيلية إلى زعزعة الجبهة الداخلية، بينما يسعى نجيب ميقاتي لتعزيز العلاقات الدولية لضمان السلامة.

اختلفت أنماط الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بدءاً من الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بالاعتداءات السابقة تاريخياً، سواء لجهة الحرب طويلة الأمد، أو في سياق استهداف مناطق ومواقع لم تتعرّض إلى أي عدوان على مدى عقود. وكان واضحاً أنه منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، تاريخ توسيع الاحتلال اعتداءاته الجوية المكثفة ضد لبنان، أن حكومة بنيامين نتنياهو رفعت شعار "لا مكان آمناً في لبنان"، وذلك مع تمدد غاراتها الجوية في عدة مناطق لبنانية بعيدة عن خريطة المواجهات الأمامية. وكانت الغارة التي طاولت بلدة أيطو، الواقعة في قضاء زغرتا، شمالي لبنان، الاثنين الماضي، نموذجاً عن نيّات إسرائيل تحويل لبنان برمّته إلى ساحة للاستهداف. ومع الاعتداء على زغرتا، تكون إسرائيل قد اعتدت على 20 قضاءً لبنانياً من أصل 26، أي أن اعتداءاتها طاولت 82% من الأراضي اللبنانية، وشملت أقضية بمساحة 8614 كيلومتراً مربعاً من أصل 10452 كيلومتراً مربعاً هي مساحة لبنان، وظلت 1838 كيلومتراً مربعاً خارج نطاق الاستهداف.


طاولت الاعتداءات الإسرائيلية 8614 كيلومتراً مربعاً من لبنان

الاعتداءات الإسرائيلية تمتد عبر الأقضية

وطاولت الاعتداءات الإسرائيلية حتى أمس الأربعاء، أقضية صيدا وجزين وصور (في محافظة الجنوب)، والنبطية ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل (في محافظة النبطية)، وراشيا والبقاع الغربي وزحلة (محافظة البقاع)، وبعلبك والهرمل (محافظة بعلبك ـ الهرمل)، وبيروت (محافظة بيروت) والشوف وعاليه وبعبدا وكسروان وجبيل (محافظة جبل لبنان)، والبترون وزغرتا (محافظة الشمال). وظلّت أقضية عكار والضنية ـ المنية وطرابلس والكورة وبشري (محافظة الشمال)، والمتن (محافظة جبل لبنان) خارج دائرة الاستهدافات، حتى أمس الأربعاء.

وتُظهر خريطة لبنان أن الأقضية الستة "الناجية" حتى الآن من الاعتداءات الإسرائيلية تبقى تلك المتصلة بالساحل السوري شمالاً أو البحر غرباً، فيما المعابر البرية في الشرق والشمال الشرقي، باتت شبه مدمّرة بفعل النيران الإسرائيلية. وبما أن الاحتلال قد أعلن فرضه "حصاراً عسكرياً" على لبنان في 28 سبتمبر الماضي، ثم طلب من رواد الشاطئ اللبناني الجنوبي والصيادين، بين الناقورة جنوباً، باتجاه نهر الأولي، شمالي صيدا، مغادرته، وذلك في السابع من أكتوبر الحالي، فإن الوضع الميداني بات أكثر خطورة على اللبنانيين والمسافرين من لبنان وإليه، بحراً وبراً وجواً. ويبلغ طول المنطقة البحرية المشمولة بالتهديدات الإسرائيلية نحو 60 كيلومتراً، مع وقوع نهر الأولي على بعد نحو 20 كيلومتراً جنوبي مطار بيروت. 

 والاعتداءات الإسرائيلية سابقاً كانت تتركز في مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع الغربي، وفي حالات نادرة كان يتم استهداف العمق البقاعي. وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان في إبريل/نيسان 1996، طاول القصف عدة محطات للكهرباء في العمق اللبناني ومنها محطتا بصاليم (في المتن) والجمهور (في بعبدا)، وأعاد الاحتلال قصفهما مرة أخرى في عام 1999، خلال مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من قضاء جزين الجنوبي. وإبان عدوان يوليو/تموز 2006، طاول قصف إسرائيل جسوراً وطرقات وأعمدة إرسال ورادارات مرافئ في بيروت وجبل لبنان والشمال، بغية تقطيع أوصال المناطق من جهة، ومنع التنقل للنازحين من جهة أخرى، وذلك بحجة "منع حصول حزب الله على الأسلحة".

واعتباراً من 23 سبتمبر الماضي، وسّعت إسرائيل من أهدافها باعتدائها على مناطق نزح إليها سكان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وأكثرية هؤلاء الساحقة من الطائفة الشيعية. وسُجلت في السياق، غارات إسرائيلية على مناطق مثل المعيصرة (مرات عدة، آخرها السبت الماضي) في كسروان، وراس أسطا (في 25 سبتمبر الماضي) في جبيل، وهما بلدتان بهما أكثرية شيعية في محيط مؤلف من قرى مسيحية. كذلك طاول القصف منطقة بعدران (في 27 سبتمبر الماضي) في الشوف، وهي منطقة بغالبية درزية، نزح إليها لبنانيون. كما طاول القصف طريق منطقة عيناتا الأرز (في 30 سبتمبر الماضي) لجهة بعلبك، وهي منطقة بغالبية مسيحية. واستهدف الاحتلال موقعاً لنازحين في دير بلا في قضاء البترون، السبت الماضي، وهي منطقة بغالبية مسيحية.

وتتذرّع إسرائيل في غاراتها بأنها تطاول قياديين وعناصر من حزب الله، رغم أنه غالباً ما يظهر بعد المجازر استشهاد مدنيين. وفي السياق، يبدو منطق الاحتلال أقرب إلى محاولة خلق فتن متنقلة في الداخل اللبناني، لا سيما عبر محاولة ترهيب الأهالي الذين يستضيفون النازحين.


عبد الرحمن البزري: العدوان لم يعد يطاول منطقة واحدة

الأمان موضوع نسبي

في السياق، اعتبر النائب عن منطقة صيدا، عبد الرحمن البزري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأمان في لبنان أصبح موضوعاً نسبياً، إذ لا أحد يعرف طبيعة اختيار العدو الإسرائيلي أماكن العدوان، والحجج الواهية التي يتحجّج بها"، مشيراً إلى أنه "ارتكب مجزرة أيطو (الاثنين) في قضاء زغرتا شمالاً واليوم (أمس الأربعاء) النبطية، ويوسّع من استهدافاته". ورأى البزري أنه "بفعل التطورات الأخيرة يصح القول إن العدوان أصبح شاملاً وعلى كل لبنان، ولم يعد يطاول فئة واحدة أو فريقا واحدا أو منطقة واحدة، ونتوقع أن يستمرّ وتتصاعد وحشيته ووتيرته لعدة أسباب، أولها طبيعة العدو والتجارب السابقة معه في هذا الإطار، كما يبدو أن الأفضلية الوحيدة التي يتمتع بها هي الجوية وقدرته على التدمير، فيما السبب الثالث فهو أنه رغم الارتكابات والجرائم يبدو أنه منيع وحصين على الإدانة الدولية".

وتبعاً لذلك، أشار البزري إلى أن "العدو يحاول أن يضعضع الجبهة الداخلية التي بدت على المستوى الشعبي إلى حدٍّ معيّن وكبير متماسكة، بعكس تلك السياسية، وبالتالي فإن محاولة قصف جميع المناطق، وما يتبعها من ردود بإلقاء اللوم على الأشخاص الذين يلجأون اليها وتركوا قراهم، إلى جانب أسلوب ينتهجه العدو بالاتصالات الهاتفية والرسائل سواء بالعبرية أو حتى بالعربية من خارج لبنان، بتهديد الناس بإخلاء المباني والمنشآت التي يقيمون فيها. وهذا كله هدفه إرباك الجبهة الداخلية، ونحن نعلم أنه في الحروب هناك طابور خامس، وإرباك الجبهة الداخلية هو نوعٌ من الأسلحة التي تُستخدم فيها".

ولفت البزري إلى أن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يقوم بجهد دبلوماسي ولبنان أحد الخيارات التي يملكها استنهاض علاقاته الدولية والعربية، ونشد على يده بذلك، ولكن موضوع الضمانات سواء صحيحة أم لا هي مرتبطة بالجهة الضامنة، وكم تمون على العدو سواء كانت أميركا أو أوروبا أو المؤسسات الدولية، لكن التجارب السابقة علمتنا ألا نستكين للضمانات فقط، لكن ذلك لا يمنع أن نلحّ عليها والتركيز يجب أن يكون على كامل الأراضي اللبنانية أي مساحة 10452 كيلومتراً مربعاً، علماً أنّ حديثه عن بيروت يأتي باعتبارها وضع خاص من حيث الكثافة السكانية العالية جداً، خصوصاً أن قسماً كبيراً من أهالي البقاع والجنوب ومن الذين شعروا بالخطر انتقلوا إلى العاصمة ومناطق في محيطها. من هنا التركيز على سلامة كل المواطنين، وعلى أن الضمانة يجب أن تكون فعّالة وتشمل كل المناطق اللبنانية".