04 نوفمبر 2024
كم بيترا لازلو عربية؟
أصدر القضاء المجري حكماً بالسجن على بيترا لازلو ثلاثة أعوام. وهذه، لمن لا يعرفها، هي المصوّرة التلفزيونية التي ركلت لاجئاً سورياً (وطفله) في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2015، بينما كان يركض ضمن اللاجئين الفارّين عبر الحدود المجرية الصربية. لم تقبل السلطات العدلية المجرية محاولات المصوّرة لتبرير فعلتها التي شاهدها العالم، وأثارت ردود فعل واسعة تباينت من استهجان الناس العاديين ذلك السلوك من منظور إنساني بحت إلى انتقاد المؤسسات الإعلامية تصرّفها واعتباره عملاً غير مهني، ينتهك معايير العمل الإعلامي الاحترافي.
وعلى الرغم من أن المصوّرة طُردت من القناة التي كانت تعمل لحسابها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإغلاق الملف، حيث استمر القضاء المجري في نظر القضية 15 شهراً، حاولت فيها بيترا تجنب العقوبة الجنائية. تارة بالقول إنها تصرّفت بدافع الخوف من تجمع العشرات حولها، وتارة أخرى بالاعتراف بأن سلوكها كان غير لائق ونادمة عليه. ولكن محاولاتها لم تقنع السلطات بالعفو عنها، وكذلك الرأي العام الذي كان انتقاده لها قاسياً وعلنياً. ليست المجر عريقةً في الديمقراطية، ولا تقارن قيمة الإنسان الفرد لديها بقيمته في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو فرنسا. لكن التعامل الرسمي مع القضية جعل من سلوك بيترا حالةً فردية واستثنائية. بينما هناك شعوب ودول عربية مشابهة للمجر، المقارنة معها أقرب وأكثر مدعاة للتأمل. فالتعامل العربي مع قضية اللاجئين يجسّد لا مبالاة العرب (شعوباً وحكومات) إلى ذلك "الآخر" الفارّ من أوضاع سيئة في بلده. ويكفي، هنا، ذكر أنها ليست الدول العربية، وإنما أوروبا، هي التي استقبلت عشرات آلاف من اللاجئين العرب. أما الأعداد المحدودة التي استقبلتها دولٌ عربية، فقد قوبلت بسوء معاملةٍ لا يجسد فقط موقف الحكومات المستقبلة من أسباب اللجوء، وإنما يعكس أيضاً النظرة الرسمية السلبية في بعض الدول العربية لمواطني دول أخرى، فرّوا من نظم حكمٍ تمارس بحقهم القمع والتنكيل. كأن هؤلاء ليسوا بشراً، ولا يستحقون أي مراعاةٍ أو اهتمامٍ ما داموا قد كفروا بنعمة البقاء في بلدانهم التي يجري تدميرها.
هذه هي معضلة العرب مع أنفسهم ومع الآخرين، أن قيمة الفرد ليست في ذاته، ولا في مجرد كونه إنساناً خلقه الله كذلك، وإنما يكتسب المرء قيمته ومكانته من موقفه السياسي، ودوره الذي يجب حتماً أن يكون إيجابياً تجاه بلده التي تعني (بهذا المنطق) الحاكم والحكومة.
أما ما تعرّضت له المصورة المجرية فمغزاه يتجاوز العقوبة المهنية، أو الإجراءات العدلية، إذ يجسّد ببساطة حالة غضب "إنساني" ضد تصرف "لا إنساني" قامت به هذه المرأة. لذا، وعلى الرغم من أن العالم الغربي كثيراً ما يُبدي قدراً كبيراً من التوحش واللا إنسانية، خصوصاً تجاه الشعوب العربية والإسلامية، إلا أنه عندما يكون التخلي عن الحس الإنساني علناً، وبشكل سافر وغير مبرّر، كونه يمارَس بحق "إنسان" في أضعف حالاته، فإن الغرب لا يملك إلا أن يأخذ موقفاً ضد هذا التخلي، لإثبات الحياد في تطبيق القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، من دون استثناء أو ازدواجية معايير.
من دون تعميم، يعاني العرب خللاً أخلاقياً معيارياً، يكمن في أن العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان مبادئ وقيم عليا ليست واجبة الاحترام والتطبيق على كل البشر، وإنما، عند العرب، هي لمن يستحق فقط. حيث "الإنسان" له تعريف محدّد ومعيار واضح لا لبس فيه، تقف حدوده عند من يتفق في الرأي والموقف والتوجه والسلوك. أما من يخالف أو فقط يختلف، فتنتفي عنه صفة "الإنسان"، وبالتالي كل الحقوق، بما فيها حق الحياة والبقاء.
وعلى الرغم من أن المصوّرة طُردت من القناة التي كانت تعمل لحسابها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإغلاق الملف، حيث استمر القضاء المجري في نظر القضية 15 شهراً، حاولت فيها بيترا تجنب العقوبة الجنائية. تارة بالقول إنها تصرّفت بدافع الخوف من تجمع العشرات حولها، وتارة أخرى بالاعتراف بأن سلوكها كان غير لائق ونادمة عليه. ولكن محاولاتها لم تقنع السلطات بالعفو عنها، وكذلك الرأي العام الذي كان انتقاده لها قاسياً وعلنياً. ليست المجر عريقةً في الديمقراطية، ولا تقارن قيمة الإنسان الفرد لديها بقيمته في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو فرنسا. لكن التعامل الرسمي مع القضية جعل من سلوك بيترا حالةً فردية واستثنائية. بينما هناك شعوب ودول عربية مشابهة للمجر، المقارنة معها أقرب وأكثر مدعاة للتأمل. فالتعامل العربي مع قضية اللاجئين يجسّد لا مبالاة العرب (شعوباً وحكومات) إلى ذلك "الآخر" الفارّ من أوضاع سيئة في بلده. ويكفي، هنا، ذكر أنها ليست الدول العربية، وإنما أوروبا، هي التي استقبلت عشرات آلاف من اللاجئين العرب. أما الأعداد المحدودة التي استقبلتها دولٌ عربية، فقد قوبلت بسوء معاملةٍ لا يجسد فقط موقف الحكومات المستقبلة من أسباب اللجوء، وإنما يعكس أيضاً النظرة الرسمية السلبية في بعض الدول العربية لمواطني دول أخرى، فرّوا من نظم حكمٍ تمارس بحقهم القمع والتنكيل. كأن هؤلاء ليسوا بشراً، ولا يستحقون أي مراعاةٍ أو اهتمامٍ ما داموا قد كفروا بنعمة البقاء في بلدانهم التي يجري تدميرها.
هذه هي معضلة العرب مع أنفسهم ومع الآخرين، أن قيمة الفرد ليست في ذاته، ولا في مجرد كونه إنساناً خلقه الله كذلك، وإنما يكتسب المرء قيمته ومكانته من موقفه السياسي، ودوره الذي يجب حتماً أن يكون إيجابياً تجاه بلده التي تعني (بهذا المنطق) الحاكم والحكومة.
أما ما تعرّضت له المصورة المجرية فمغزاه يتجاوز العقوبة المهنية، أو الإجراءات العدلية، إذ يجسّد ببساطة حالة غضب "إنساني" ضد تصرف "لا إنساني" قامت به هذه المرأة. لذا، وعلى الرغم من أن العالم الغربي كثيراً ما يُبدي قدراً كبيراً من التوحش واللا إنسانية، خصوصاً تجاه الشعوب العربية والإسلامية، إلا أنه عندما يكون التخلي عن الحس الإنساني علناً، وبشكل سافر وغير مبرّر، كونه يمارَس بحق "إنسان" في أضعف حالاته، فإن الغرب لا يملك إلا أن يأخذ موقفاً ضد هذا التخلي، لإثبات الحياد في تطبيق القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، من دون استثناء أو ازدواجية معايير.
من دون تعميم، يعاني العرب خللاً أخلاقياً معيارياً، يكمن في أن العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان مبادئ وقيم عليا ليست واجبة الاحترام والتطبيق على كل البشر، وإنما، عند العرب، هي لمن يستحق فقط. حيث "الإنسان" له تعريف محدّد ومعيار واضح لا لبس فيه، تقف حدوده عند من يتفق في الرأي والموقف والتوجه والسلوك. أما من يخالف أو فقط يختلف، فتنتفي عنه صفة "الإنسان"، وبالتالي كل الحقوق، بما فيها حق الحياة والبقاء.