تبدو العلاقات بين كييف وموسكو أشبه بالثوب المهترئ، فما أن ترقّعه في مكان حتى يتمزق في مكان آخر، كاشفاً العري وتهافت النسيج. فإلى جانب الدفء النسبي الذي يسود تسوية أزمة الغاز بين البلدين وترتيبات على الأرض تعيد النبض إلى شرايين الحياة، مجسّدةً بخطوط المواصلات والاتصالات بين أجزاء أوكرانيا وبينها وبين روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي انسلخت عن أوكرانيا وانضمت إلى روسيا الأم، بدأت تحضر ملفات ساخنة أخرى، تنذر بأزمات جديدة بين البلدين.
ويبقى من أبرز الملفات المنذرة بمزيد من التباعد، وربما المواجهة الساخنة بين كييف وموسكو، ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. فسادة أوكرانيا الجدد لا يخفون مشاريعهم في هذا المنحى، وها هم، تمهيداً لذلك، ينسحبون من التزاماتهم السابقة بعدم الدخول في أحلاف، الأمر الذي يثير مخاوف موسكو وغضبها، فتنذر بالردّ مالياً وتقنياً كخطوة أولى. فمن الصعب تصور أن تقبل روسيا بوجود قواعد لحلف الأطلسي على أراضي أوكرانيا، كما من الصعب تصوّر الردّ الروسي في أقصاه، ومع ذلك، فما الذي تستطيعه موسكو حيال ذلك اليوم؟
لا تخفي كييف من جهتها، خطواتها المتتالية نحو الخندق المواجه لروسيا، مقابل حديث موسكو المتكرر عن ضرورة عودة القطبية إلى العالم. وحذّرت موسكو من جسامة الخطوة الأوكرانية، ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قوله "في ما يتعلق بحلف الأطلسي، هناك قانون في أوكرانيا حول وضعها خارج الأحلاف، ونحن ننطلق من أن هذا هو القانون، ويُعتبر من أهم العناصر الضامنة للأمن الأوروبي".
علماً بأن موسكو، وفي إطار ردها على عملية توسيع حلف شمال الأطلسي المستمرة نحو أراضيها، طرحت إعادة النظر بعقيدتها العسكرية بما يتيح لها استخدام السلاح النووي، بل بجعله واجباً في حال تهدد أمن روسيا، كما طرح منظّروها العسكريون ضرورة مضاعفة عدد الصواريخ النووية القصيرة المدى، وتوجيه صواريخ "اسكندر" نحو قواعد الدرع الصاروخية المنتشرة في أوروبا الشرقية وأبعد من ذلك، كما استأنفت طلعات قاذفاتها الاستراتيجية الحاملة للصواريخ النووية.
يشار هنا إلى أن الحكومة الأوكرانية صادقت على مشروع قانون لإلغاء وضع حيادية الدولة الأوكرانية، وأوصت باتخاذ الإجراءات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وقد رفع مشروع القانون إلى البرلمان الأوكراني، ويجري الحديث على أنه سوف يتم النظر في إقراره في جلسة البرلمان الآتية المقرر انعقادها في 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
إلى ذلك، يبدو أن موسكو عازمة على المطالبة بتسديد عاجل لمبالغ من شأنها أن ترهق الخزينة الأوكرانية المنهكة من دون ذلك، تحت وطأة تكاليف العملية العقابية التي شنتها جنوب شرقي البلاد تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، وكنتيجة لتجميد علاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
فكييف يمكن أن تصطدم، في حال إصرارها على تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي قبل عام 2016، بضغوطات روسية لإلزامها قانونياً بتسديد عاجل لقيمة السندات المالية التي اشترتها موسكو منها. فقد سبق لروسيا أن اشترت من أوكرانيا سندات خزينة، في ديسمبر/كانون الأول 2013، قبل ثورة المعارضة ضد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش في ساحة الميدان، بقيمة 3 مليارات دولار، وكانت بصدد شراء سندات أخرى تصل قيمتها الإجمالية إلى 15 ملياراً، كقرض تقدمه موسكو لكييف، لدعم استقرار نظام حليفها، وتقليل مخاطر اندلاع ميدان يطيح سلطته.
لكن، لماذا تطالب موسكو جارتها بإعادة أموال سندات الخزينة الآن؟ فكييف، وفقاً لوزارة المالية الروسية، انتهكت شرط الاتفاق المتعلق بالتسديد العاجل عند الطلب لقيمة السندات المالية، كما انتهكت شرطاً آخر بعدم زيادة نسبة الدين الحكومي عن ستين في المئة من إجمالي ناتج الدخل المحلي.
وفي هذا السياق، اعترف وزير المالية الأوكراني الكسندر شلاباك، بأن "نسبة الدين الحكومي الأوكراني إلى إجمالي ناتج الدخل المحلي تقارب اليوم 60 في المئة". ومما يزيد الطين بلة أنّ صندوق النقد الدولي يتوقع بلوغ نسبة دين أوكرانيا الحكومي إلى إجمالي ناتج دخلها المحلي 67.6 في المئة.
علماً بأن تقديرات خبرائه جاءت قبل اتفاق الطرفين، الروسي والأوكراني، على أن تسدد كييف لموسكو 3.1 مليارات دولار من ديون الغاز. أي أن الخلل إلى ازدياد، وموضع الألم الذي يمكن أن تضغط روسيا عليه يتسع يوماً بعد يوم. على الرغم من أن المؤشر كان أقل من 50 في المئة في بداية العام الجاري. وثمة إنذار آخر لكييف جاء في رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الأوروبيين وإلى الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في آن واحد.
فقد تناقلت وسائل إعلام مختلفة، خبر تلقي رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باروزو، رسالة من بوتين، حول النتائج التي ستترتّب على كييف إذا نفذت اتفاق الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي قبل الموعد المتفق عليه. وكان بوتين قد أرسل رسالة أخرى بمضمون مشابه إلى بوروشينكو، حذّره خلالها من أنّ موسكو ستغلق في هذه الحالة سوقها أمام السلع الأوكرانية.
وتتخوف السلطات الروسية من إعادة تصدير السلع الأوروبية التي ستدخل إلى السوق الأوكرانية بلا رسوم جمركية من أوكرانيا إلى روسيا، الأمر الذي تسمح به اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. ومن أجل الحيلولة دون ذلك، على الرغم من بقاء إمكانية التهريب والتلاعب قائمة، سواء من أوكرانيا إلى روسيا مباشرة أو عبر روسيا البيضاء، فقد أصدر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، في 19 سبتمبر/أيلول الحالي، قراراً يقضي بفرض رسوم جمركية على السلع الأوكرانية، على أن يسري مفعول هذا القرار في حال بدأت أوكرانيا تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، قبل عام 2016، وهو الموعد الذي اتفقت عليه روسيا مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لبدء تنفيذ الاتفاقية.
وهكذا، يتراجع الصراع في مكان ليشد في مكان آخر وبأشكال يبدو أن موسكو قادرة على مفاجأة العالم بمزيد منها، مقابل عجز كييف عن انتهاج سياسة مستقلة تحقق مصلحتها القومية وليس مصلحة موسكو أو واشنطن.
ويبقى من أبرز الملفات المنذرة بمزيد من التباعد، وربما المواجهة الساخنة بين كييف وموسكو، ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. فسادة أوكرانيا الجدد لا يخفون مشاريعهم في هذا المنحى، وها هم، تمهيداً لذلك، ينسحبون من التزاماتهم السابقة بعدم الدخول في أحلاف، الأمر الذي يثير مخاوف موسكو وغضبها، فتنذر بالردّ مالياً وتقنياً كخطوة أولى. فمن الصعب تصور أن تقبل روسيا بوجود قواعد لحلف الأطلسي على أراضي أوكرانيا، كما من الصعب تصوّر الردّ الروسي في أقصاه، ومع ذلك، فما الذي تستطيعه موسكو حيال ذلك اليوم؟
لا تخفي كييف من جهتها، خطواتها المتتالية نحو الخندق المواجه لروسيا، مقابل حديث موسكو المتكرر عن ضرورة عودة القطبية إلى العالم. وحذّرت موسكو من جسامة الخطوة الأوكرانية، ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قوله "في ما يتعلق بحلف الأطلسي، هناك قانون في أوكرانيا حول وضعها خارج الأحلاف، ونحن ننطلق من أن هذا هو القانون، ويُعتبر من أهم العناصر الضامنة للأمن الأوروبي".
يشار هنا إلى أن الحكومة الأوكرانية صادقت على مشروع قانون لإلغاء وضع حيادية الدولة الأوكرانية، وأوصت باتخاذ الإجراءات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وقد رفع مشروع القانون إلى البرلمان الأوكراني، ويجري الحديث على أنه سوف يتم النظر في إقراره في جلسة البرلمان الآتية المقرر انعقادها في 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
إلى ذلك، يبدو أن موسكو عازمة على المطالبة بتسديد عاجل لمبالغ من شأنها أن ترهق الخزينة الأوكرانية المنهكة من دون ذلك، تحت وطأة تكاليف العملية العقابية التي شنتها جنوب شرقي البلاد تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، وكنتيجة لتجميد علاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
فكييف يمكن أن تصطدم، في حال إصرارها على تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي قبل عام 2016، بضغوطات روسية لإلزامها قانونياً بتسديد عاجل لقيمة السندات المالية التي اشترتها موسكو منها. فقد سبق لروسيا أن اشترت من أوكرانيا سندات خزينة، في ديسمبر/كانون الأول 2013، قبل ثورة المعارضة ضد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش في ساحة الميدان، بقيمة 3 مليارات دولار، وكانت بصدد شراء سندات أخرى تصل قيمتها الإجمالية إلى 15 ملياراً، كقرض تقدمه موسكو لكييف، لدعم استقرار نظام حليفها، وتقليل مخاطر اندلاع ميدان يطيح سلطته.
لكن، لماذا تطالب موسكو جارتها بإعادة أموال سندات الخزينة الآن؟ فكييف، وفقاً لوزارة المالية الروسية، انتهكت شرط الاتفاق المتعلق بالتسديد العاجل عند الطلب لقيمة السندات المالية، كما انتهكت شرطاً آخر بعدم زيادة نسبة الدين الحكومي عن ستين في المئة من إجمالي ناتج الدخل المحلي.
وفي هذا السياق، اعترف وزير المالية الأوكراني الكسندر شلاباك، بأن "نسبة الدين الحكومي الأوكراني إلى إجمالي ناتج الدخل المحلي تقارب اليوم 60 في المئة". ومما يزيد الطين بلة أنّ صندوق النقد الدولي يتوقع بلوغ نسبة دين أوكرانيا الحكومي إلى إجمالي ناتج دخلها المحلي 67.6 في المئة.
فقد تناقلت وسائل إعلام مختلفة، خبر تلقي رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باروزو، رسالة من بوتين، حول النتائج التي ستترتّب على كييف إذا نفذت اتفاق الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي قبل الموعد المتفق عليه. وكان بوتين قد أرسل رسالة أخرى بمضمون مشابه إلى بوروشينكو، حذّره خلالها من أنّ موسكو ستغلق في هذه الحالة سوقها أمام السلع الأوكرانية.
وتتخوف السلطات الروسية من إعادة تصدير السلع الأوروبية التي ستدخل إلى السوق الأوكرانية بلا رسوم جمركية من أوكرانيا إلى روسيا، الأمر الذي تسمح به اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. ومن أجل الحيلولة دون ذلك، على الرغم من بقاء إمكانية التهريب والتلاعب قائمة، سواء من أوكرانيا إلى روسيا مباشرة أو عبر روسيا البيضاء، فقد أصدر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، في 19 سبتمبر/أيلول الحالي، قراراً يقضي بفرض رسوم جمركية على السلع الأوكرانية، على أن يسري مفعول هذا القرار في حال بدأت أوكرانيا تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، قبل عام 2016، وهو الموعد الذي اتفقت عليه روسيا مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لبدء تنفيذ الاتفاقية.
وهكذا، يتراجع الصراع في مكان ليشد في مكان آخر وبأشكال يبدو أن موسكو قادرة على مفاجأة العالم بمزيد منها، مقابل عجز كييف عن انتهاج سياسة مستقلة تحقق مصلحتها القومية وليس مصلحة موسكو أو واشنطن.