لا تقتلوا الأحلام في أطفالنا

07 نوفمبر 2017
+ الخط -
الطفولة كلها أحلام. فمن منا لا يتذكر أحلام الطفولة ويبتسم؟ من منا لا يتذكر ذلك السؤال الذي يسأله المدرسون للأطفال: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ أنا أتذكر جيدًا؛ لقد قلت: أريد أن أكون طبيباً. بالرغم من أنني لم أصبح طبيباً، ولا أريد ذلك الآن، إلا أنه كان حلماً، وتلك الأحلام الصغيرة لو وجدت من يسقيها بالأمل، فإنها حتماً ستصير واقعاً، لأن عالم الطفولة عالم لا يعرف المستحيل، إنه عالم لا حدود له... لكن؟

لكننا ويا للأسف ابتلينا بمجتمعات قاتلة لأحلام الطفولة؟ مجتمعات مجرمة بكل المقاييس! أبادت أحلاماً وعطاءات كبيرة؛ هدّمت مشاريع كانت تبنى في عالم الطفولة، مشاريع اكتملت هندستها النظرية... كانت تنتظر فقط أن تنطلق كأوراش على أرض الواقع، تسألني كيف؟ لاحظ كيف يتم الاستهزاء بأطفالنا عند البوح بأحلامهم.

هب أنك سألت طفلاً، كم مدينة زرت في بلادك؟ فقال لك: مدينتين أو ثلاثاً؛ لكنه أضاف: إني أحلم بأن أزور الصين، واليابان، وأن أتجول في أدغال أفريقيا، وأن أتسلق أعلى قمم العالم. هل ستنظر إليه كأنه طفل رحّالة، يحمل خبرات التجول في بلدان عديدة؟ أم ستسخر منه لمجرد أنه نطق بكلمة "أحلم"؟ أم أنك لن تعطيه فرصة التعبير أصلاً؟؟ 

هل لاحظت الفرق؟ 

أزيد فأسألك: هب أن طفلاً حمل عدة مستكشف آثار وبدأ ينقب؟ لا بل أسألك: هب أن طفلاً حمل كتاباً؟ هب أن طفلاً طرح أسئلة خارج المألوف؟ هل ستنظر إليه على أنه مشروع عبقري؟ أم ستسفه أحلامه؟ يؤسفني القول بأن أغلب أطفالنا أبيدت أحلامهم بهذه الطريقة السخيفة، فقط لأننا كنا فاشلين، أو لم نستطع أن نحلم، أو كنا ضحية مجتمع قاتل للأحلام؛ نعطي لأنفسنا حق تعميم فشلنا وإخفاقنا على من سيخلفنا على هذه الأرض، فنقول تلك العبارة التي تختلف لهجات نطقها على اختلاف لهجات أوطاننا، لكنها تتفق في كونها عبارة مجرمة: "ماذا عساك تفعل أكثر مما فعل أبوك؟".

بهذه الطريقة تباد أحلام الطفولة مع سبق إصرار. ببرودة الأبالسة نعطي أنفسنا الحق في أن نحكم على فشل جيل؛ كُلّه أحلام، كُله طاقات، كُله همم، كله عبقريات، فقط محتاج لمن يبتسم في وجهه ويقول: "نعم! إنك يا جيل الطفولة تستطيع أن تغير واقع شعوبنا، تستطيع أن تعيد لأمتنا ريادتها وعطاءها الحضاري بما لديك من همة عالية، وبما عقدت من عزم على صنع الفرق ، شعارك إن لم يستطع آباؤنا فقد فعلها أجدادنا؟!" 

نعم ذلك هو جيل الطفولة؛ بذور عطاء تحتاج لمن يسقيها بماء الأمل، تحتاج لتلك البسمة التي توقد شرارة الإبداع. تحتاج لتلك الكلمات. "نعم واصل". تحتاج لذلك الحضن الدافئ لكي يترعرع ويثمر أزهارا تقر بها أعين الخلق، تحتاج لهدي النبوة: "يا غلام إني أعلمك كلمات".

فيا مجتمع الجريمة، كفاكم قتلاً لأحلام أجيال سترفع رؤوسكم عاليًا بين الأمم، كفاكم صنعاً للتافهين، في مصانع تفاهتكم، فهذه الأجيال خلقت لتحمل همّ نهضة أمتها. خلقت لتعيش كريمة. خلقت لتقول لا لكل أصنامكم.

فرجاءً، لا تقتلوا الأحلام في أطفالنا.

 

20CD6031-C171-4110-A3C0-B3B4183CBDA9
عمر السطي

طالب جامعي. باحث ومدوّن مغربي. يقول:باحث عن متنفّس لقلمي باحث عن متنفس لقلمي

مدونات أخرى