أحلامٌ طال انتظارها

29 ابريل 2017
+ الخط -
بعد أن خطّت أنامل الحبيبة العنوان، وقبل أن أفكر؛ انطلق القلم يخطُّ كلمات خرجت من القلب مسرعة، كأن السد المنيع الذي حبسها قسراً قد انفجر. ولكم كنت أخشى الكتابة؛ ظنًّا أن قلمي قد تكسر، أو تجنباً لهم يتَّقد، ويزداد مرارة مع كل كلمة.

فحتى الحروف تصبح خناجر تطعن كل موضع سليم. أما الآن؛ وقد اخترت أنا عنواناً يحمل كلمة الحلم، فإني سأضع مداد الحزن جانباً، وسأحمل دواة الأمل، لأكتب عن الأمل، لا عن بصيص يشع كنور الصباح قبل بزوغ الفجر! بل عن نهر تفجر من الصخر، فانطلق يشق طريقه بين التلال والمنحدرات؛ ليس نزولاً فقط! بل وحتى صعوداً إن اعترضت طريقه عقبة حاولت أن تمنعه من المضي قدماً، فقوة التفجّر أول الأمر كفيلة بأن تمهد كل الصعاب والعقبات، و أن تجعل من الصعب ذليلاً. فيا رياح الشوق هبي، و احملي معك غيماً يغدق على هذه الأرض القاحلة ندى، فتخضر، وتنبت أشجاراً باسقة، وتتفجر معه الينابيع، وينتشر الزرع والورد، فيظهر ما تقر به العين ما امتد البصر.

أعتذر عن هذه المقدمة التي قد تبدو طويلة، لكن الموضوع ذو شجون، والحديث مع الأنا حديث يطول. لعلي الآن سأدخل في صلب الموضوع مباشرة. وقبله لا بد أن أصور لكِ مشهداً نكون فيه أنا وأنتِ حتى يأخذ الحلم طعمه. فأما الصورة يا حبيبي؛ فهي تصور طفلين جلسا على تلٍّ يطل على سهل أخضر. جلسا وقد اتكأت عليه وأمسك بيدها. لا أقول كانا يرقبان غروب الشمس، بل كانا يرقبان شروقها! وقبل أن تشرق الشمس بقليل قالت له: رفيقي دعنا نحلم هنيهة قبل الشروق. ضمّها إليه وقال لها فلنحلم رفيقتي.

أغمض الاثنان عينيهما وحلَّقا بعيداً في سماء الأحلام: 

أراكِ يا حبيبتي تلبسين فستاناً أبيضَ، بل ناصع البياض، أرى على وجنتيك شيئاً من حمرة الحياء، وعلى ثغرك ابتسامة مكتومة زادت المنظر بهاء، وعيناك تتوهجان كلما نظرت إليّ. أراك تطأطئين رأسك حبيبتي، لكنني لا أراه مطأطئاً؛ بل أراه شامخاً، لعل الحياء منعك من الاقتراب أكثر، لكني لن أدعك تغرقين في حيائك بل سألطف الجو قليلاً، ولا أنفع في هذه اللحظات من أن أمسك برأس أصابعك، وأجذب يديك إليّ شيئاً فشيئاً، وبعد أن أتمكن من كل كفك، سأنحني مقبلاً، ومحترماً، بل وخاضعاً لسر الأنثى المقدس!

لندع الطفلين يحلمان، فما الحياة إلا حلم تحقق، وحلم لم يتحقق، وذاك مذهب في الحب لست أرتضيه، وإنما مذهبي في الحب على طريقة أول المحبين، وأول السالكين، من قال: "عرفت الحب فادخل يا أنا"، ومن أصول المذهب تحريم الأنت! فلا أنت في عرفي، وإنما هي "أنا"! ليس ترفاً في الكلام، أو تشدقاً بفلسفة وحدة الوجود، وإنما هو شعور من قلب القلب قد تفجر، فأعلنت أن لا أنت...! فكان العنوان "أنا وأنا وأحلام طال انتظارها".

وأيُّ حلم مع الأنا أشدُّ إصراراً على النفس من حلم اللقاء بعد طول فراق. لا أقول حين تلتئم الأجساد، فذاك مطلب دون شريعة المحبين، وإنما هي الروح تعلن التحامها بعد أن أعلنت التئامها.

دلالات
20CD6031-C171-4110-A3C0-B3B4183CBDA9
عمر السطي

طالب جامعي. باحث ومدوّن مغربي. يقول:باحث عن متنفّس لقلمي باحث عن متنفس لقلمي

مدونات أخرى