أيجفّ ملتقى الكلمات
لأنكَ أنا
إذا وقعتَ على أرض جرداء،
أتمنى أن يجد الرعد شجرة واحدة
لكي يعلِّمكَ إشعال النار.
معك ستقع بقايا الواقع المشظّى
والروايات الكبرى،
الحب وحده يربطها
في عالم جديد كبير،
كما تربط الشمس الأرض والقمر..
ولا تنحّي الماضي
لأنه وحده من يمكنه أن يخبرك
من أين أتيت،
وأي طريق ستعبر.
ولا تنحِّ الموتَ
هو ليس - حتى - مرضاً تشفيه..
بسبب الموت؛ الحياة عزيزة.
تذكّر أنك بدأت خطوك على رجلين اثنتين،
اترك على الأرض واحدة دائما
بدون غبار..
لن تصل إلى النجوم،
لا تتعجل
إذا لم تأت بروحك،
فكأنك لم تمضِ
ولا تأبه للنهاية
لأنك لحسن الطالع لم تكتب البداية.
إذا تعجلت
مرورا قرب ذاتك
خوفاً من العزلة الصماء،
وستجد حياة في الصحراء
تجعلك تغمض عينيك.
لا تخف من صعود القلب..
أي عين ستغلق،
سيرى القلب بدلاً من العين.
بسبب الكلمة أنت إنسان..
عندما تتعلم عن النجوم في السماء
لا تنسها في قصائدك،
إذا جفّ ملتقى الكلمات
انطفأ وهج أبراج النجوم.
■ ■ ■
في انتظار الماضي
عندما يُحكى أن الواقع والزمن
ليس ما نعتقده عادة،
وأننا كذلك موضع للسؤال،
وأن لا معجزة هناك
لأن كل شيء معجزة..
لا نزال نستمتع بعقل سليم؛
نعلم بلا ريب
أن الوعي بالحاضر يتأخر دائماً.
إذ إن الحاضر هو الماضي المستجد..
ننهض في صباح لاحق،
نذهب للعمل،
نرسل الأطفال للمدارس
ليتعلموا
بكل لغات العالم
صرف الأفعال التي توحي بالمستقبل،
والمستقبل ليس إلا
خزانَ ماضٍ لا ينضب،
وهذا يدلّ على أن المعجزة
فوق المعجزات ممكنة.
■ ■ ■
لماذا الوجود؟
حسنٌ أن تُسقى جذور كل شيء ينمو
وأود أن أعرف لماذا لم ينمُ
ذلك اللانامي؟
هناك حيث لم يمر أحد
بطريق غير موجودة،
هناك يمكن لكل شيء
أن لا يكون في سلام..
لم يقل
غير مرغوب،
غير منسيّ،
أتساءلُ:
ذلك اللانامي
لماذا يرغب في أن يتحوّل
إلى ثلاثة أبعاد هشة
فيهمل الخلود؟
لماذا يقبل أن يدفع
وهم الإرادة الحرة
بثمن عذاب الازدواجية؟
يبدو أن السعادة والحزن
والخوف والشوق
وأناشيدنا وقسمنا وصلاتنا،
يبدو أن لها صوتاً أقوى
عند النبع
من صمت اللانمو،
ومعرفة اللاشيء
مشدود بلجام العقل والبطن
ظناً منّي أنها لا تليق بالسماء
أكاد أنسى لغة الروح هذه.
■ ■ ■
انتظار
على الطريق نفسه،
داعبت الحياة
رغبت في اللحاق بها،
لكن الحياة غذّت الخطى
كي تسبقني..
أقف الآن وحيداً
وراء الحياة،
في مكان ما حيث كانت الطريق
وأنتظر.
■ ■ ■
معك وحدك لا أكون وحيداً
من البحر المورّد بالغروب تطلعين
فتية جميلة متكبرة.
كنت سأقول:
لو تعرفين أن الشباب يؤلمني..
وكنت سأقول: لا تسلبي عقلي بشبابك
ولا تمسحي تلك القطرة
عن وجهك..
كأنك تستدعين ذكريات عن قبلة في زمن ما،
وأنا أتمنى خفية،
أن تبدو على جبينك سنُّ الأربعين،
وتظهر ابتسامة الحياة المرّة على شفتيك،
وقليل من الشمس في عينيك،
وقليل من الشوق في لياليك
لكي لا ينتظرك أحد،
ولكي تبقى يدك ممدودة لي وحدي..
وكنت سأقول لكِ عندئذ:
لا تحصي لون الفضة فوق جبينك
لن يكون أقلَّ بياضاً
لأن الأزقة ما زالت مزدحمة بكِ لي
في الربيع،
وإن طائري لا يزال يهبط على كتفك وحدك،
وعندها سأدع الشمس تشرق.
وعلّني أقول:
إنني أحبك
لأني معك لست وحيداً.
* Haris Silajdžić شاعر وسياسي وُلد في سراييفو عام 1945، ودرس اللغة العربية في "جامعة البيضاء" بليبيا وتخرّج منها 1971، كما حصل على الماجستير من الجامعة نفسها، وعلى الدكتوراه من جامعة بريشتينا في كوسوفو. كان من مؤسّسي "حزب العمل الديمقراطي" في البوسنة التي عُيّن وزيراً لخارجيتها بعد انفصالها عن يوغسلافيا (1991 - 1993)، ثمّ رئيساً للحكومة خلال أصعب مرحلة مرّت بها البلاد؛ حرب البوسنة (1992 و1995).
** ترجمة عن الألبانية: إسماعيل أبو البندورة