[في السادسة والثمانين، لم يعد الشاعر الأميركي دونالد هول قادراً على الاستمرار في كتابة الشعر. ويوعز ذلك إلى أنه لم يعد لديه ما يكفي من هرمون التستوستيرون testosterone. غير أن أمير الشعراء الأميركيين السابق (وهذا هو اللقب الذي يحمله المستشار الشعري لمكتبة الكونجرس) والحاصل على الوسام الوطني للفنون، ما يزال يجد في داخله نثراً، فقد أصدر أخيراً كتاب بعنوان "مقالات ما بعد الثمانين"، وفيه يستعرض حياته في الشعر، وإدمانه على التدخين، وتأملاته في لحيته.
من بيته الريفي في نيوهامشر، يحكي هول لإذاعة أميركا الوطنية لماذا ما يزال يكتب. يقول "أحب العمل، والعمل طوال حياتي لم يكن له غير معنى واحد: قلم على ورق"]
***
عن اللحظة التي أدرك فيها أنه لم يعد قادراً على كتابة الشعر
"أخمِّن أن ذلك حدث قبل ثلاث سنوات، حينما اكتشفت أنه لم يعد لديّ منه شيء. مسألة شيخوخة لا أكثر. أعتقد أن المرء لكي يكتب الشعر يكون بحاجة إلى مستويات من التستوستيرون أعلى مما لديّ في هذه اللحظة. ولكنني لحسن الحظ ما أزال قادراً على كتابة النثر".
"حدث ذلك تدريجياً. انتابني الإحساس بأن الشعر يذوي بداخلي، أو أنني الذي يذوي، وذلك منذ سنوات عديدة. وقلت لنفسي: هذا ليس حسناً. وبعد ستة أشهر تحول غير الحسن إلى سيئ. ثم رأيت شيئاً ما آتياً. لا أقول إنني رأيت بالفعل المقالات آتية، ولكنني سعيد فعلاً أنها هي التي جاءت".
عن كتابة النثر الآن
"النثر لا يقوم كثيراً على الصوت. أما الشعر، وبتقطيعه إلى أبيات، فأمر آخر، إذ يبدو الصوت بالنسبة لي مدخلاً إلى الشعر. وإحساسي بالصوت صار أقلّ مما كان، أو هي مقدرتي على السيطرة عليه. ما زلت أعتمد على الصوت في النثر، ولكن الوحدة لم تعد البيت، بل الفقرة".
"ورائي ستون عاماً من كتابة الشعر، فلا يحق لي أن أتذمّر".
عن كيفية تأثير عمره على تغير صورته لدى القراء الشباب
"بدأت أمسية شعرية بإلقاء قصيدة جديدة، تبيَّن في النهاية أنها غير جيدة بالمرة، ولكنني كنت أرجو أن تكون جيدة. كانت تتأمل في ما قد يقوله جدي لو رآني الآن. وحينما ألقيت القصيدة، وكنت قد دخلت قبيل ذلك إلى المسرح، وأنا أقرب إلى الزاحف مني إلى السائر، وكنت منحني الظهر بالطبع، وبعدما انتهيت من القصيدة ساد الصمت لبرهة، ثم وقف الجميع يصفقون. لم أصدق ذلك. قلت لنفسي: يا للقصيدة الرائعة!"
"ولكن لم يكن الأمر كذلك. لقد شعروا أنهم رأوا جثة أوتيت القدرة على الكلام، فوقفوا يصفقون لي لأنهم، ولو جزئياً، علموا أنها قد تكون آخر مرة يرونني فيها".
عن الشيخوخة والتفكير في الموت
"إحساسي في حقيقة الأمر جيد للغاية في ما يتعلق بالشيخوخة وأنا في السادسة والثمانين أكثر مما كان وأنا في السبعين. لا أستطيع أن أسوق، لا أستطيع أن أسير إلا بصعوبة، ولكنني أشعر، في الوقت ذاته، بقدر كبير من الطاقة والإثارة. واضح أن الموت أمامي. صحيح أنني لا أتطلع إلى الموت، ولكنني لست قلقاً منه، لأنه سيحدث لي مثلما يحدث لغيري".
"في نقطة معينة من هذا الكتاب قلت إنني أتوقع أن ينتهي خلودي بعد سبع دقائق من انتهاء جنازتي. لقد رأيت الكثير للغاية من الشعراء الذين كانوا ملء السمع والبصر، وحصلوا على شتى أنواع الجوائز، ثم رأيتهم يختفون بمجرد وفاتهم".
"إنني أكتب بأفضل ما أستطيع، دون أن أحاول تحويل ذلك إلى رجاء أو أمل في مستقبل لا يمكنني أن أعلم عنه شيئاً. وقد عرفت من كانوا يقولون لي إنهم يعلمون أنهم كتاب عظماء وإنهم سوف يحيون في الأدب إلى الأبد. فكنت أربت على ظهر الواحد منهم قائلاً: لا داعي للقلق. غداً سوف تتحسَّن".
ترجمة عن الإنجليزية: أحمد شافعي