لبنانيو وسوريو عرسال ضحية "داعش"... والآتي ينذر بالسوء

بيروت

نادر فوز

avata
نادر فوز
03 اغسطس 2014
E0FAD405-4568-4D9F-A6A6-E28EFCD26CE1
+ الخط -
تنتظر بلدة عرسال وأهلها، عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية، أوقاتاً عصيبة. مضى ليل السبت ــ الأحد والدولة اللبنانية لم تدخل البلدة بعد، وسط تمدّد وسيطرة مقاتلي "داعش" داخلها. وينفّذ مقاتلو التنظيم الإسلامي انتشاراً في شوارع عرسال ومداخلها، بينما ينهمك الجيش في عملية استعادة مراكزه في الجرد. وبحسب المعلومات المتوافرة، حتى الساعة، تمكن الجيش من استعادة ثلاثة مراكز شرقي البلدة، وعمليته العسكرية مستمرة لاسترجاع مركزين آخرين جنوب شرق عرسال، مع العلم بأنّ مقاتلي "داعش" عملوا في الساعات الماضية على إخراج كافة المعدات والتجهيزات العسكرية من مراكز الجيش، التي سيطروا عليها وتوجهوا بها شرقاً في اتجاه الجرد الفاصل بين عرسال والقلمون.

وأكد عدد من أهالي البلدة لـ"العربي الجديد" أنّ المقاتلين المتشددين أقاموا حواجز داخل البلدة، ويستمرون في تنظيم دوريات آلية تجوبها على وقع أصوات القذائف والاشتباكات في الجرد. ولم تسلم البلدة من القذائف المدفعية، التي سقطت بين المنازل، وأدت إلى جرح عدد من المدنيين. وفي حال تمكّن الجيش من فرض سيطرته على محيط عرسال في الساعات القريبة، تبقى المهمة الأصعب والأدق في دخول البلدة لتحرير أهلها من سطوة "داعش"، وتحرير عناصرها وعناصر قوى الأمن الداخلي المحتجزين من قبل التنظيم (عشرين عنصراً).

باتت عرسال، اليوم، محاصرة من الداخل والخارج. في داخلها، مقاتلون إسلاميون يمتهنون لغة القتل والجلد. وفي محيطها جيش لبناني مستنفر أشدّ الاستنفار، ويستشرس لردّ الاعتبار لعناصره، الذين سقط منهم عشرة قتلى حتى الساعة. وقف أهل البلدة خلال المعركة إلى جانب الدولة اللبنانية. حاول قسم منهم الدفاع عن المراكز الأمنية، فسقط قتيلان مدنيان بنيران المقاتلين الاسلاميين. كما أوت منازل عدة جنوداً من الجيش لدى فرارهم، من دون أن يلغي ذلك وجود قيادات وقفت إلى جانب "داعش"، أبرزها الشيخ مصطفى الحجيري، الذي يحتجز في منزله عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، الذين أسرهم التنظيم، أمس السبت.

ظهرت أولى مشاهد هذا الحصار في إخلاء مجموعة من مخيّمات اللجوء، بسبب المعارك وسقوط القذائف على الخيم فيها. وفي السياق نفسه، أشار بيان صار عن "اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية" عن إخلاء عشرة مخيّمات بعد احتراق أكثر من ستين خيمة بالكامل، فباتت 1200 عائلة بلا مأوى. وسجّلت معالجة 36 جريحاً في مستشفى الرحمة، إضافة إلى ثمانية قتلى مدنيين، منهم سبعة سوريين وواحد لبناني، بحسب الدكتور قاسم الزين، مسؤول الهيئة الطبية في عرسال.

في المحصلة، فتح "داعش" جبهة جديدة على نفسه، وخسر مبدئياً أرضاً وبلدة كان جزء من تجّارها يمدّونه بالمؤن. ولا تزال ردة فعل التنظيم غير مفهومة، وغير مبررة، فعناصره دخلوا عرسال وخرج العشرات منهم من مخيّمات اللاجئين فيها كـ"البربر"، بحسب ما يقول عدد من العرساليين. وفي هذه المعركة المستمرة، يبدو أنّ "داعش" فَقَد صوابه، فبيّن عن رعونة ومراهقة في حرب لا بد ان يخسرها على أرض ترفض ممارساته ووجوده عليها.

أما قيادة الجيش، فعلى ما يبدو وقعت مرة جديدة في فخ أمني شبيه بفخ معركة مخيّم نهر البارد (2007). لم يفهم بعد لماذا سقطت مراكزها بهذه السهولة، ولمَ لم يعمّم على العناصر فيها اتخاذ وضعيات القتال والتأهب بعد توقيف جمعة، إلا إن كان وراء ذلك غياب التنسيق أو استخفاف بالواقع الميداني أو صراع داخلي بين الأجهزة. ومن جهة أخرى، لا بد من التساؤل عن سبب تراجع قيادة الجيش عن التفاوض غير المباشر مع المقاتلين الاسلاميين، لتحرير الجنود الأسرى وإنهاء المعركة والحدّ من الخسائر البشرية والميدانية.

فبحسب المعلومات المتوافرة لـ"العربي الجديد"، وافق قائد الجيش، جان قهوجي، بعد ساعة من توقيف جمعة على إطلاق الأخير مقابل انسحاب مقاتلي داعش وتحرير الجنود اللبنانيين. وبعد التزام المقاتلين بالاتفاق، قطع قهوجي الاتصال بالوسيط، فتعقّدت الأمور أكثر، وامتدّت المعركة ووصلت الأوضاع إلى ما نحن عليه.

كل هذه الملاحظات التقنية والميدانية يمكن سردها في جهة، وموقف وزير الدفاع، سمير مقبل، يبقى في جهة أخرى وحده. لم يتردد الوزير في القول، خلال مداخلة تلفزيونية، رداً على سؤال، "حتى لو جُرح أو قتل عناصر من الجيش، فما المشكلة في ذلك"؟ ترجم ذلك مدى عدم مهنية ودراية وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة بواقع المعارك الأمنية، إذ بدا الجنود اللبنانيون مجرّد أحجار داما في كلامه، لا قيمة لهم ولا روح ولا عائلات تنتظرهم. عليهم الموت وتلبية النداء والدفاع عن قرارات وزير غير ملمّ بمهامه، لا يعرف كيف يؤكد الحرص على أرواح عناصر الجيش، ولا كيف يثبت ثقة الدولة والناس بمؤسستهم العسكرية.

حصل كل هذا التصعيد في عرسال ومحيطها، في وقت كانت فيه لغة التهديد قد بدأت تخرج من الأجواء المحيطة بحزب الله في البقاع. قبل أيام من هذا التوتر، تحدث رئيس بلدية اللبوة، رامز أمهز، عن "اقتراب موعد ساعة الصفر لإنهاء حال الإرهاب في عرسال، على يد الجيش والمقاومة". ترافق ذلك مع تعزيز حزب الله مواقعه وتأهبه في المنطقة، فحشد مقاتليه وآلياته في بعلبك وقرى القضاء، وصولاً إلى المعركة التي نشهدها اليوم.

يبدو المشهد متكاملاً، إذ أصبح الجيش في واجهة المعركة على الحدود بين لبنان وسورية، بعد ان تفرّد حزب الله في قيادته لها طوال الأشهر الماضية، ويدفع المدنيون في عرسال ثمن هذه المعركة، بينما الفراغ الرئاسي قد يكون في انتظار شخصية، كقائد الجيش، جان قهوجي، على وقع المعركة العرسالية، تماماً كما حصل عقب معارك نهر البارد مع تولّي قائد الجيش حينها، ميشال سليمان، رئاسة الجمهورية.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
نعيم قاسم في كلمة له أثناء تشييع قيادي في حزب الله ببيروت، 22 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً له خلفاً لحسن نصر الله الذي استشهد في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بغارة إسرائيلية.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.