14 نوفمبر 2024
لروح فريد إسماعيل
الناس الطيبة متسامحة، حتى بعدما ترحل، من جرّاء قسوة الظالمين. ترحل وشبه ابتسامة تحطّ على محيّاهم، وكأنهم يقولون للقسوة: (نحن لسنا منك). كان جسده، وهو مسجّى، كأنه مسيح تسامح مع العالم وشروره، ونفض يديه من الغبار والظلم. لم يصدر عنه، يوماً، من متابعتي برامج الانتصار للذات والحزب، لفظ خشن أو مؤذٍ لأحد في أثناء حواراته، ولا كلمة جارحة لخصم. كان يؤدي عمله في هدوء ورويّة، فماذا جنى الرجل على النظام في مصر، حتى يضعه في السجن، ولا يُخرجه إلا ميتاً. روحه، الآن، أظنها ترفرف على عثرات ظالميه وغبائهم وقسوتهم، وتقول لهم: (الحياة قصيرة، بل قصيرة جداً، وما كانت تستحق كل هذا الجبروت مع خصم سياسي، وحظوظ الدنيا أكثر من تافهة).
كان يمتلك حُلماً ما في أي نقاش، ولم أره متجاوزاً، أبداً، ولا فظّاً. هل الطيبون يرحلون هكذا، وقد حملوا قسوة العالم على ظهورهم دونما سبب، سوى أنهم تورطوا في محبة المشاركة القانونية في إدارة أوطانهم، بعد خيبات استمرت أكثر من نصف قرن.
لا أعرف عن فريد إسماعيل سوى أنه ابن سنّي، من مواليد 1957، وكان يساعد شباب الخريجين في بلده بشهادة الجميع، وخرجت الحمائم مع عشرات الآلاف، كما شاهدنا وراء جثمانه، ولا استحى الجبابرة، حتى من محبة عشرات الآلاف من خلفه، وهل استحى، يوماً، جبارٌ من فعلته؟
هذا الصاحب، ابن سنّي الذي لم أقابله يوماً، كان من الممكن جداً أن نراه مقتولاً، أيضاً، في ميدان رابعة العدوية، وكان من الممكن أن يدبّجوا له تقريراً بأنه كان يصنع القنابل في الميدان، باعتباره دارسَ صيدلة، وكان من الممكن أن تصيبه طلقة في الفكّ، كالتي أصابت دكتور حسام أبو البخاري الذي ما زال مسجوناً، وكان من الممكن أن يموت من الطلقة، أو يرفع جسده المحروق في جرّافات مقاولي الجيش، ويُطمَر في رمال الصحراء من دون أن يراه أحد، وكان من الممكن أن يتحمل كبده الإهمال المتعمد في السجن، حتى يخرج سالماً، لكن روح الرجل آثرت الصعود إلى ربها في سلام كملاك خفيف، وكم فيك يا مصر من الحمائم.
لروحك السلام، ولجسدك أقول، أنا ابن سنك الذي مازلت أحيا: (الجسد ثقيل وخشن وظالم)، فهل هذه هي الحياة؟ أظن أنك وحده، الآن، الذي عنده الإجابة، وخصوصاً بعدما رآك العالم وأنت على أكتاف عشرات الآلاف، وسط طين القرى ووسط نخيلها وحمائمها ويمامها، في مزارع بلدك الشرقية، وجسدك الطاهر ذائباً وسط الحشود، أو حتى لا يكاد أن يرى. وذلك كله، بلا أجر، ولا مكرمة من حاكم، ولا نفاق للواء أو جنرال، ولا لانتظار وظيفة منك أو توصية، لأنك مت، وصارت روحك تملك في وضوح، فضاء الله كله ما بين السماوات والأرض بلا خجل، ولا خوف، ولا وجل، ولا انتظار مصلحة، ولا مخافة فضيحة أمام كاميرات الصحافة، كما حدث من يومين لحمدي الفخراني، وهو يغطي وجهه، مثل ذئب مسكته السلطة في حدائقها الخلفية، بمؤامرة منصوبة، أو بغير مؤامرة.
عموماً أقول لك: (لك السلام من واحد في مثل سنك، يرى كل المساخر التي فاقت حدود الأدب وحتى الرجولة، ويقول لك، أيضاً، إن الأرواح العظيمة تختار بعناية طريقة موتها، وإن ذئاب الحدائق تختار، أيضاً، بعناية طريقة فضائحها)، فواجب عليك أن تفرح بروحك، وإن استطعت أن ترقص في السماء، جلالاً، فارقص كما يحلو لك، ولا تداري، أبداً، وجهك عن الملائكة، كما تفعل ذئاب الوطن، بعدما فاحت روائحهم الخبيثة.
كان يمتلك حُلماً ما في أي نقاش، ولم أره متجاوزاً، أبداً، ولا فظّاً. هل الطيبون يرحلون هكذا، وقد حملوا قسوة العالم على ظهورهم دونما سبب، سوى أنهم تورطوا في محبة المشاركة القانونية في إدارة أوطانهم، بعد خيبات استمرت أكثر من نصف قرن.
لا أعرف عن فريد إسماعيل سوى أنه ابن سنّي، من مواليد 1957، وكان يساعد شباب الخريجين في بلده بشهادة الجميع، وخرجت الحمائم مع عشرات الآلاف، كما شاهدنا وراء جثمانه، ولا استحى الجبابرة، حتى من محبة عشرات الآلاف من خلفه، وهل استحى، يوماً، جبارٌ من فعلته؟
هذا الصاحب، ابن سنّي الذي لم أقابله يوماً، كان من الممكن جداً أن نراه مقتولاً، أيضاً، في ميدان رابعة العدوية، وكان من الممكن أن يدبّجوا له تقريراً بأنه كان يصنع القنابل في الميدان، باعتباره دارسَ صيدلة، وكان من الممكن أن تصيبه طلقة في الفكّ، كالتي أصابت دكتور حسام أبو البخاري الذي ما زال مسجوناً، وكان من الممكن أن يموت من الطلقة، أو يرفع جسده المحروق في جرّافات مقاولي الجيش، ويُطمَر في رمال الصحراء من دون أن يراه أحد، وكان من الممكن أن يتحمل كبده الإهمال المتعمد في السجن، حتى يخرج سالماً، لكن روح الرجل آثرت الصعود إلى ربها في سلام كملاك خفيف، وكم فيك يا مصر من الحمائم.
لروحك السلام، ولجسدك أقول، أنا ابن سنك الذي مازلت أحيا: (الجسد ثقيل وخشن وظالم)، فهل هذه هي الحياة؟ أظن أنك وحده، الآن، الذي عنده الإجابة، وخصوصاً بعدما رآك العالم وأنت على أكتاف عشرات الآلاف، وسط طين القرى ووسط نخيلها وحمائمها ويمامها، في مزارع بلدك الشرقية، وجسدك الطاهر ذائباً وسط الحشود، أو حتى لا يكاد أن يرى. وذلك كله، بلا أجر، ولا مكرمة من حاكم، ولا نفاق للواء أو جنرال، ولا لانتظار وظيفة منك أو توصية، لأنك مت، وصارت روحك تملك في وضوح، فضاء الله كله ما بين السماوات والأرض بلا خجل، ولا خوف، ولا وجل، ولا انتظار مصلحة، ولا مخافة فضيحة أمام كاميرات الصحافة، كما حدث من يومين لحمدي الفخراني، وهو يغطي وجهه، مثل ذئب مسكته السلطة في حدائقها الخلفية، بمؤامرة منصوبة، أو بغير مؤامرة.
عموماً أقول لك: (لك السلام من واحد في مثل سنك، يرى كل المساخر التي فاقت حدود الأدب وحتى الرجولة، ويقول لك، أيضاً، إن الأرواح العظيمة تختار بعناية طريقة موتها، وإن ذئاب الحدائق تختار، أيضاً، بعناية طريقة فضائحها)، فواجب عليك أن تفرح بروحك، وإن استطعت أن ترقص في السماء، جلالاً، فارقص كما يحلو لك، ولا تداري، أبداً، وجهك عن الملائكة، كما تفعل ذئاب الوطن، بعدما فاحت روائحهم الخبيثة.