في تصريحه لدى استقبال الرئيس، دونالد ترامب، له في البيت الأبيض وبعد الإشادة والتعبير عن الإعجاب المشترك بينهما، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أمله في حصول تحرك لحل "مشكلة العصر"، أي القضية الفلسطينية، لكن من دون ذكرها بالاسم.
ومع أن ما قصده معروف، إلا أن تعمّده إغفال التسمية كان لافتاً ومدعاة للتساؤل عن السبب الذي حمله على طرح موضوع جوهري من هذا الصنف بصيغة التورية، فهل هو الطرح الخجول.. لرفع التعب؟ أم أن الأمر كان مجرد هفوة؟ أو ربما تفضيل لدبلوماسية التلميح التي تحفظ خط الرجعة؟ أو قد يكون إشارة إلى عدم الرغبة في وضع الملف الفسطيني علناً من ضمن أولويات مباحثاته في واشنطن.
مهما كان السبب، ومع أن الصيغة قد تبدو مسألة شكلية، إلا أن اللحظة تجعل منها تجاهلاً ملفتاً برمزيته، فالرئيس السيسي كان في رده على ترحيب ترامب، يخاطب أكثر من جهة: ترامب، والإدارة، والإعلام، والرأي العام الأميركي، وأيضاً الرأي العام العربي.
هذه المناسبة وفرت له أن يقدم نفسه أمام كل هذه الجهات، ليس فقط كرئيس لأكبر بلد عربي؛ بل أيضاً كمتحدث باسم العرب في الموضوع الفلسطيني، الذي ما زال يحظى بالإجماع حتى في زمن التمزيق، خاصة أن الرئيس المصري قادم للتوّ من مؤتمر القمة العربية التي أكدت الوقوف صفاً واحداً في دعم مطلب الدولة الفلسطينية.
بدلاً من مناشدة الإدارة الجديدة بالعمل على معالجة القضية الفلسطينية، بلغة عامة غير محددة ناهيك عن أنها غير جازمة؛ كان بإمكانه مفاتحتها بأهمية هذا الموضوع بالنسبة للمنطقة، ومن خلال التأكيد على خيار الدولة الفلسطينية من غير مواربة.
والحقيقة، أن مثل هذا النهج ليس جديداً، فالمخاطبة العربية لواشنطن اتسمت عموماً بالرخاوة والضبابية، في غالب الأحيان غلبت عليها مداراة الحساسيات والاعتبارات الأميركية أكثر مما كانت غايتها إيصال الرسالة العربية بوضوح وصراحة. ويعود ذلك لحسابات كثيرة، حتى في قضية مركزية مثل القضية الفلسطينية.
وإذا كان هذا الأسلوب قد لقي آذاناً صاغية أحياناً لدى بعض الرؤساء والمسؤولين الأميركيين، مثل الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في الشأن الفلسطيني، إلا أنه لا مكان له في قاموس الرئيس ترامب، صاحب شعار "أميركا أولاً"، الذي يعني في أحد جوانبه أنه لا يعطي إلا بالاضطرار.
صحيح أن الوضع العربي، وفي الحالة الراهنة الرئيس المصري، ليس في موقع يخوّله إملاء المواقف، لكن على الأقل يمكنه تسجيل المواقف بلا لبس، لا سيما تلك المتعلقة بقضية يتحقق حولها إجماع دولي، وحتى أميركي، وإن على الورق، مثل الدولة الفلسطينية.
أما على صعيد العلاقات الثنائية، فيبدو أن الاجتماع تميّز بالتوافق إلى حد بعيد بين الطرفين، وفق ما أوحت به تصريحات الجانبين، فضلاً عن الأجواء التي أحاطت بالزيارة، خاصة حول السياسة الأمنية التي يعتمدها نظام السيسي، والتي حازت الثناء من قبل الرئيس ترامب.
من هذه الناحية، حقق الجانب المصري مراده بانحسار القيود والشروط الأميركية التي كانت قد فرضتها إدارة أوباما، في هذا المجال. كما أنه سمع ما يطمئنه بخصوص استمرار المساعدات؛ إذ من غير المتوقع أن يتم اقتطاع التمويل العسكري إلى مصر، برغم الضيق في الموازنة، على ما جاء في قراءة "مجلس اتلنتيك" لزيارة الرئيس السيسي، وهو مركز للدراسات بواشنطن يعنى بشكل خاص بالشرق الأوسط.
المطلب الوحيد الذي يستبعد المركز، وجهات أخرى عديدة، استجابة الإدارة له، هو ضم تنظيم "الإخوان" لقائمة الإرهاب، فذلك لو حصل "من شأنه التأثير على السياسات الأميركية بصورة سلبية في بعض دول المنطقة، حيث تتواجد فيها أحزاب سياسية مرتبطة بالتنظيم"، كما تقول أليسا ميللر، من المركز المذكور.