لم يكن أغلب العرب قبل يناير/كانون الثاني 2011 يعرفون الكثير عن الأوضاع في تونس، ربما المهتمون فقط يعلمون أن النظام الحاكم هناك قمعي ويقيد حرية الإعلام، ربما أكثر من أنظمة عربية أخرى.
لكن معظم العرب الذين سبق لهم زيارة تونس، كانوا يشككون في إمكانية أن يثور التونسيون على نظام بن علي. هم بداية شعب طيب ودود، كذا فإن بلدهم نظيف مهندم، ويتلقون تعليماً جيداً ولديهم مؤسسة صحية تبدو متميزة بين نظيراتها في معظم الدول العربية، ولديهم اتحاد شغل (نقابة عمال) قوية ومؤثرة.
كان كثيرون من المبشرين بثورات في دول مثل مصر وسورية واليمن، يكررون: ما الداعي ليثور التونسي على النظام الذي يحكمه؟ ما الذي ينقصه؟
للحقيقة، كانت تغيب عن معظم العرب حقائق كثيرة عن مدى الفساد والفقر والبطالة في تونس.
بعدما أحرق الشاب "محمد بو عزيزي" نفسه اعتراضاً على معاملة سيئة تلقاها من شرطية لطمته على وجهه لأنه جهر بالمطالبة بحقه.
تحولت أنظار كثيرين لمتابعة ما يجري في هذا البلد العربي المحبب لكثيرين، ورصد غضب أهله الودودين على النظام الذي يحكمهم بالحديد والنار مستخدماً الأجهزة الأمنية والمخابراتية.
بدأنا نعرف أن نسب الفقر في تونس مزعجة، ربما تظل أقل من نظيراتها العربية، لكنها قائمة وتزيد، خاصة في ولايات الجنوب، ومنها سيدي بوزيد، واكتشفنا أن فئة قليلة تسيطر على الدولة ومقدراتها، وأن بن علي ورجاله وعائلة زوجته ليلى الطرابلسي ونفر من المقربين من دائرتهم فقط، يمتلكون كل شيء، ويتحكمون في كل شيء، ويديرون كل شيء.
عرفنا وقتها أن الفساد المتفشي عربياً، يماثله الفساد في تونس، وأن حكم الفرد (العائلة) القائم في مصر وسورية وليبيا واليمن، هو نفسه في تونس.
عرفنا متأخراً أن المواطن التونسي ممنوع من إبداء رأيه فيمن يحكمونه، وأنه لا يملك انتقاد أي من التصرفات الرسمية، أو رفض سرقة مقدراته وثرواته علناً، عرفنا كم من المعارضين التونسيين قتلهم النظام الحاكم أو غيبهم في السجون، وكم من التونسيين اختاروا منفى إجبارياً في أوروبا هرباً من مصير مظلم في بلدهم، بدأت تلمع في تونس أسماء ساسة وإعلاميين ومدونين معارضين، لم نكن نسمع بهم قبلاً.
بدأت تتكشف لنا رويداً رويداً أن كل أسباب الثورة قائمة، وأن النار تشتعل تحت الرماد، وأن "بو عزيزي" كان فقط الشرارة التي نفضت الرماد عن النار الملتهبة.
انطلقت الثورة في تونس، وركز معها العرب، كانت الشرارة التي أطلقت الربيع العربي، ربما يصر البعض على أن الثورة في مصر التي انطلقت بعد تونس بعشرة أيام كاملة، كانت الانطلاقة الحقيقية لربيع العرب.
لكن الواقع أن حركة الشباب التونسي، هي التي أطلقت الربيع، وتظاهراتهم ضد النظام في الشارع هي التي ألهمت الآخرين، والكل استخدم لاحقاً شعاراتهم التي رفعوها ومنها قول الشاعر العربي أبو القاسم الشابي "إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر".