وعلى الرغم من احتلاله المركز الثالث في الانتخابات البلدية في المغرب في عدد المقاعد التي حصل عليها، إلا أن "العدالة والتنمية" جاء أولاً بعدد الأصوات بين 29 حزباً، شاركوا في الانتخابات. ونال الحزب أكثر من مليون ونصف مليون صوت، أكثريتها في المدن الكبرى، بينما كسب "الأصالة والمعاصرة" معظم أصواته في الأرياف.
ولاحظ مراقبون أن "العدالة والتنمية" اكتسح العديد من المدن الكبرى، وفاز بأغلب مقاعد مجالسها المنتخبة، خصوصاً الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش وطنجة وأغادير والقنيطرة. وعزوا ذلك إلى دوافع سياسية رئيسة، منها قوته التنظيمية في هذه المناطق، وغيابه في المجالات القروية.
كما يعتقد العديد من المحللين أن الناخبين سيصوّتون عقابياً ضد "العدالة والتنمية"، بالنظر إلى إصدار الحكومة التي يترأسها الحزب العديد من القرارات التي وُصفت بأنها "غير شعبية"، كـ"زيادة الأسعار"، و"وقف التوظيف المباشر".
ويرى القيادي في "العدالة والتنمية"، عبد العزيز أفتاتي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الناخبين أذكياء بما فيه الكفاية، فقد أدركوا أن القرارات الحكومية التي قد تظهر لبعضهم بأنها سلبية على المواطن، إنما تريد مصلحته في الأمد المتوسط والبعيد".
اقرأ أيضاً: اليسار المغربي من المواجهة إلى المشاركة
وأضاف أفتاتي أن "التصويت العقابي لم يحصل ضد العدالة والتنمية، بقدر ما حصل ضد أحزاب سياسية أخرى، تحديداً في المعارضة، مثل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي". واعتبر أن "المواطنين صوّتوا لصالح حزبه لأنه لم يفقد شعبيته بعد، ولكونهم شاهدوا طريقة تدبيره للعديد من المدن التي يُسيّرها".
ويعزو الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، عدم لجوء الناخبين للتصويت العقابي ضد حزبه، في حين اختاروا معاقبة بعض أحزاب المعارضة، إلى ما سمّاه "قصة الصرصار والنملة". ولفت بنكيران إلى أن "النملة تعمل وتجمع الأكل بينما الصرصار يغني، وعندما كنا نعمل كانت المعارضة تغني".
ويقول، في هذا الصدد، أستاذ التعليم العالي، محمد نشطاوي، إن "الكثيرين ممّن كانوا ينتظرون تصويتاً عقابياً ضد العدالة والتنمية، بالنظر للإجراءات الاقتصادية المتخذة من قبل حكومة بنكيران، والتي اعتبرت ثقيلة على جيوب المواطنين، خصوصاً الطبقة المتوسطة، وكذلك لعدم تطبيق بعض شعاراته المرتبطة بمحاربة الفساد".
ويضيف نشطاوي، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "عدم تورط وزراء العدالة والتنمية في ملفات فساد، وكذلك نجاحه في تسيير بعض المدن، إلى جانب إعادة ترشيح نفس الوجوه من قبل أحزاب أخرى، والتي تورط بعضها في قضايا فساد لم يصدر الحكم في شأنها قضائياً، كلها دوافع حفّزت المواطنين على اختيار مرشحي العدالة والتنمية، والذين أغلبهم وجوه جديدة، أملاً في التغيير".
ويلفت إلى أن "الانتخابات المحلية تُعتبر بالنسبة للمواطن أكثر أهمية من البرلمانية، لأنها ترتبط بحياته ومتطلباته ومصالحه اليومية، وبالتالي لا بدّ من أن يكون هاجسها يقتصر على منح الثقة للأصلح والأكثر انشغالاً بهموم ومصالح المواطنين".
ويذهب نشطاوي إلى حدّ القول، إن "رهان المواطن في القرى، وهي المعقل الرئيس للعديد من الأحزاب، على حزب العدالة والتنمية، يشكل نقلة نوعية في فكره ووعيه، وهو الذي تعاملت معه الأحزاب السابقة، باعتباره مجرد آلية للتصويت تظهر وتختفي حسب المناسبات الانتخابية".
ويشدّد نشطاوي على أنه "يتعيّن على العدالة والتنمية معرفة كيفية التعامل مع هذا الفوز في تحالفاته المقبلة، خصوصاً في المدن التي تفتقر إلى تسيير عقلاني، والتي حصل فيها على الأغلبية، كما هو الحال في مراكش والبيضاء والرباط وخريبكة، والتي قد يرغب في ترك أمر تسييرها لأحزاب أخرى قد تسيء لأغلبيته، وكان راهن الناخبون من أجله".
اقرأ أيضاً: الانتخابات المحلية في المغرب: التنافس ودلالات تقدم "العدالة والتنمية"